حين صدر قرار تعيين طارق عامر، محافظاً للبنك المركزى، ابتداء من أول نوفمبر الماضى، فإن قرار تعيينه صدر قبلها بشهرين، وكان عليه فى حينه أن ينتظر الشهرين كاملين ليتسلم مهام عمله فى مكتبه!
 
وقتها، وجد المصريون أنهم أمام وضع ليس هناك ما هو أعجب منه، ولا أغرب.. وكان الوضع يتلخص فى أن المحافظ هشام رامز المنتهية ولايته ظل يمارس مهمته محافظاً، ومسؤولاً عن السياسة النقدية للبلد كله، رغم الإعلان رسمياً عن تعيين محافظ آخر فى مكانه. ثم كان «عامر» الذى جرى الإعلان عن اسمه محافظاً جديداً يجلس فى بيته، لشهرين فى انتظار أن يأتى موعد بدء مهمته الجديدة، ولا أعرف ما إذا كان «رامز» قد أدى واجبه، خلال الشهرين، بمثل ما كان بالضبط يؤديه طوال الفترة السابقة عليهما أم لا؟!
ولكن ما أعرفه أن أى رجل فى مكانه سوف يتصرف على أنه ذاهب عن منصبه فى أمد زمنى يراه أمام عينيه، وأنه لا داعى لأن يوجع دماغه فى مشكلات الجنيه أو الدولار المطروحة أمامه، وأن المحافظ الجديد عليه هو أن يتخذ فيها قراراً عندما يجىء!
باختصار، كنا فى الغالب أمام شهرين ضائعين من عمر البنك المركزى، ومن عمر اقتصاد البلد بالتالى!
شىء من هذا تماماً يجرى حالياً فى هيئة الاستعلامات، بعد أن تم الإعلان عن تعيين رئيسها السفير، صلاح عبدالصادق، سفيراً فى رومانيا منذ أول سبتمبر الماضى!
ولسبب ما قررت الخارجية مد فترة عمل السفير الذى انتهت مهمته فى رومانيا إلى يناير المقبل ليبقى «عبدالصادق» على رأس الهيئة أربعة أشهر، يجلس خلالها فى مكتبه وهو يعرف أنه لم يعد رئيساً للاستعلامات، وأن قراراً مهماً إذا كانت الهيئة فى حاجة إليه فإن على الرئيس الجديد أن يتخذه هو، فى يناير.. إن شاء الله.
ليس هذا طعناً بالطبع فى أداء عبدالصادق فى الهيئة، خلال مثل هذه الفترة الضائعة، ولا هو بالضرورة طعن فى المقابل فى أداء رامز وقت أن كان يمارس عمله فى «المركزى» خلال الوقت الضائع نفسه.. ولكنها طبائع البشر!
الدولة على يقيين من أن الحروب الآن بين الدول حروب إعلام بالأساس، قبل أن تكون حروب مدافع ودبابات، وتعرف الدولة أن الاستعلامات يمكن جداً أن تكون أداة منجزة ومسعفة لها، فى جبهات حروب الإعلام، التى تشنها عليها عدة عواصم، فى كل صباح ومساء، ومع ذلك فإن الهيئة التى تظل بمثابة وزارة إعلام بكامل هيئتها، تبدو كأنها قد سقطت كلياً من أولويات الاهتمام الرسمى، ولو كان الأمر على غير ذلك لكان رئيسها الجديد قد دخلها بخطة عمل جاهزة فى يده فى اللحظة ذاتها التى أعلنت فيها الخارجية نقل الرئيس القديم إلى رومانيا.
يردد الرئيس دائماً أنه لا وقت عنده يضيعه، غير أن الوقت الذى ضاع فى المركزى، والذى يضيع، حالياً، فى الاستعلامات يقول العكس على طول الخط!