أحمد بان يكتب: الإخوان وضربة جديدة للتنظيم الدولي
نهض التنظيم الدولى للإخوان بأدوار كبيرة خلال ما يُحب أن يسميه الإخوان بالمحن الأولى والثانية والثالثة، لكن المحنة الرابعة التي واجهتهم بعد خروجهم من الحكم وانخراطهم فى معركة مع النظام السياسي الجديد، تراوحت وسائلهم فيها ما بين التظاهر والعنف والعمليات النوعية على حد تعبيرهم أيضا، وهى التسمية الخجولة لعمليات العنف والإرهاب التي طالت بعض مفردات البنية الأساسية مثل محطات الكهرباء أو الطرق، والتي بررها عضو فى التنظيم الدولي واعتبرها لونا من ألوان السلمية الإخوانية الجديدة، التى يبدو أنها نبهت الحليف التقليدي للجماعة تاريخيا وهي بريطانيا التي فتحت تحقيقات خرج التقرير النهائى عنها في يوليو الماضي والذي لم تُكشف تفاصيله، مما دعم التكهنات بأن الحكومة ستلقي ستارا كثيفا على ما انتهت إليه من معلومات.
تلك التحقيقات التى اعتقد البعض أنها جاءت بضغوط من دول الخليج عبر الحوافز الاقتصادية، لكن المفاجأة أن بريطانيا كانت جادة بالفعل في تحقيقاتها ولم تكن تعبر سوى عن انزعاج حقيقي ورغبة مخلصة في التعرف على طبيعة الأفكار الإخوانية الجديدة، أو بالأحرى ما جرى من تطورات على الفكرة الإخوانية.
كشفت مصادر أن الحكومة البريطانية قد تعلن قريبا ما تضمنه هذا التقرير فى إطار استراتيجية شاملة لمكافحة التطرف، حيث يسود اعتقاد لديها يعتبر مناهج التربية الإخوانية إطارا فكريا للتنظيمات المتشددة ، بما يبدد الصورة الذهنية التى حاولت الجماعة ترويجها لدى الغرب بأن الجماعة هي نموذج للإسلام الوسطي المتعايش مع الغرب والحداثة، يؤكد البعض أن التقرير تضمن أيضا تأكيدا بأن مناهج الجماعة شكلت الإطار الفكري والشرعى لبعض التنظيمات المسلحة والمتشددة، بناء على تلك المعلومات رفضت السلطات البريطانية قبول أوراق لجوء اثنين من القيادات الإخوانية أحدهما كان قياديا فى حزب الحرية والعدالة المنحل.
النتائج التى توصلت إليها بريطانيا ليست جديدة، فسبق وكررنا نحن وغيرنا أنه لا فارق موضوعى بين كل حركات الإسلام السياسي، وأنها دائرة واحدة يقود بعضها لبعض، أو مجموعة من الأقنعة لجسد واحد إخواني سلفي جهادي.
كل التنظيمات الحركية في النهاية هي تهديد حقيقى لفكرة الدولة الوطنية الواحدة، التى تقوم على التعايش على قاعدة المواطنة التى لا تعرف التفرقة على أساس الدين أو اللون أو الجنس، بينما فكرة التنظيم الحركي تعتمد الانفصال عن المجتمع والفرز على أساس الإيمان بالإيدولوجيا ومناصبة الدولة العداء لحساب الرابطة الدينية، وتقسيم المجتمع قبل العالم إلى فسطاطي الإيمان والكفر، فتتحول الرسالة المحمدية من رسالة رحمة وسلام إلى العالم إلى رسالة عنف وحرق بعد التكفير الذي يُبرر استباحة النفوس والأموال.
اكتشفت بريطانيا متأخرا حقيقة الجماعة، ويبدو أن ذلك سينعكس فى قراراتها التي بدأت بهذا التقدير والقرار الخاص برفض أوراق لجوء قيادات إخوانية، مما يحرم الجماعة من أهم مركز من مراكز حركة التنظيم دوليا، والذي استضاف مركز الإعلام الدولى للجماعة، وقاعدة التحرك سياسيا داخل الاتحاد الأوروبي، فى دولة لم يعد مجهولا كيف احتضنت الجماعة منذ نشأتها وحتى اليوم، إذا أضفنا إلى ذلك الحركة النشطة والدؤوبة لروسيا داخل الاتحاد الأوروبى وتغير موقفها بالنسبة للأسد فى الملف السوري، واستشعار روسيا أنها بصدد تهديد حقيقي لأمنها وأمن أوروبا، وأن الاستراتيجية الأمريكية فى مكافحة الإرهاب لم تكن سوى استراتيجية لنشر الفوضى فى منطقة تريد أمريكا التخفف من أعباء إدارتها لتحقيق مصالحها، لكن قبل أن تتركها لنفوذ الدب الروسى والعملاق الصينى تريد إشعالها لإنهاك خصومها ولو على حساب شعوب تلك المنطقة، التى لازالت جزءا من خطط الآخرين لحماية مصالحهم دون أن ترسم تلك الشعوب ملامح خطة لحماية مصالحها، تقوم على استنهاض مواطن القوة لديها وعلاج أسباب الضعف وإدارة العلاقات مع العالم على هذا الأساس.
إن دعوة بوتين للتنسيق فى حلف إقليمى لمواجهة الإرهاب لا يضم أمريكا انتباه لطبيعة المعركة، وإدراك يبدو متأخرا منه أن أمريكا تستخدم نفس السلاح فى مواجهته كما استخدمته فى مواجهة الاتحاد السوفيتي السابق، كل هذه العوامل الإقليمية والدولية لاتصب فى صالح الجماعة والرهان على أمريكا وبريطانيا أصبح رهانا فاشلا، بعد بروز حركة الدب الروسى على الساحة الدولية بعد أن استعاد قدرته على الحركة والتأثير وهو ما يبدو أن مخططي الجماعة لم ينتبهوا له بفعل العمى الاستراتيجي، الذى دفعهم إلى وضع كل السهام فى جعبة الحليف الأمريكي الذي يعد عدته للرحيل من المنطقة وهذه ربما الضربة الأهم للتنظيم الدولي والتي ستنعكس على حركته فى قابل الأيام.