‏ دخلت المواجهات بين الحكومة الفرنسية والمتظاهرين في أسبوعها الثاني مرحلة جديدة من استعراض القوة بين الطرفين‏,‏ فقد طالبت النقابات الفرنسية بتكثيف حملة الإضرابات مهددة فرنسا بالشلل التام وسط إصرار حكومي علي مواصلة إصلاح نظام التقاعد.

واستعداد مجلس الشيوخ للتصويت اليوم علي قانون المعاشات المثير للجدل‏.، وقامت الشرطة باستخدام العنف ضد المتظاهرين وأطلقت غازات مسيلة للدموع علي المئات من طلبة المدارس الذين انضموا إلي الاحتجاجات علي نظام التقاعد‏.‏ ففي مدينتي نانتير وليون‏,‏ وقعت مواجهات بين الطلبة وعناصر الشرطة إثر قيامهم بحرق عدد من السيارات‏,‏وصناديق القمامة مما دفع قوات الأمن إلي استخدام الغازات المسيلة للدموع‏,‏ ومقاومة مسيري العنف بالهراوت‏,‏ بل والعودة الي استخدام الطلقات المطاطية بالرغم من صدور قرار سابق بوقف استخدامها بعد أن تسببت في إصابة خطيرة لعين شاب من المتظاهرين في الأيام الماضية‏.‏ وتعاني نحو‏6%‏ من اجمالي المدارس في فرنسا من اضطرابات وفوضي وعدم انتظام في الدراسة نتيجة مشاركة طلاب المدارس أيضا في الاحتجاجات النقابية والشعبية‏.‏

وأثرت الإضرابات علي حركة الطيران حيث توقفت نصف رحلات مطار أورلي و‏30%‏ من رحلات مطار شارل ديجول والمطارات الأخري‏.‏ وأعلنت سلطة الطيران المدني أنها أصدرت أوامر بتقليص حركة الطيران‏.‏

وأعلن سائقو الشاحنات الفرنسيون عزمهم إغلاق الطرق الرئيسية‏,‏ في تحرك لإرغام الرئيس نيكولا ساركوزي علي التراجع عن قانون جديد يرفع سن التقاعد من‏60‏ إلي‏62‏ عاما‏,‏ في حين هددت النقابات بشل قطاع السكك الحديدية وتسيير العديد من المظاهرات الضخمة‏.‏

وبحسب أهم نقابتين للعمال في فرنسا‏(‏ سي جي تي‏)‏ و‏(‏أس أف دي تي‏),‏ فقد يلجأ السائقون إلي تجميد العمل في المواقع النفطية ومستودعات المحروقات والمحاور الإستراتيجية‏.‏ وقد اتفقت نقابات العاملين بالسكك الحديدية علي تنظيم إضرابات جديدة يمكن أن تتسبب في تعطل ثلثي القطارات المنتظمة ونصف خدمات القطارات فائقة السرعة‏(‏ تي جي في‏).‏

وقال اتحاد النقابات العمالية في فرنسا إنه من المقرر أن يشمل الإضراب أيضا قطاع الطاقة النووية في البلاد‏,‏ حيث أيد العمال في محطة الطاقة بمنطقة فلامنفيل تنظيم إضراب لمدة يومين وخفض إنتاج الكهرباء بمقدار النصف علي الأقل‏.‏كما هددت النقابات بتنظيم إضرابات ضخمة اليوم واستمرارها إذا مرر مجلس الشيوخ قانون التقاعد الجديد‏.‏

كما تواجه فرنسا أزمة وقود حيث أدت الإضرابات ومسيرات الاحتجاج إلي نقص كبير في البنزين‏,‏ وأعلن اتحاد الموردين المستقلين للمنتجات البترولية في فرنسا أن أكثر من ألف محطة بنزين أصبحت تعاني من نفاد مخزون الوقود الذي أصبح يؤثر علي نحو‏1500‏ محطة سواء كليا أو جزئيا من بين إجمالي‏4‏ آلاف محطة في البلاد‏.‏وأشار المفوض العام للاتحاد ألكسندر دو بنوا‏,‏ إلي أن ما بين‏20‏ إلي‏25%‏ من إمكانات توزيع الوقود في فرنسا أصبحت متوقفة تماما أو تعاني من صعوبات في توزيع الوقود‏.‏وقال مسئول نقابي إن العمال في كل مصافي البترول الفرنسية الاثنتي عشرة يواصلون الاضراب عن العمل‏,‏ مشيرا إلي أنه مادامت الحكومة ترفض التزحزح عن موقفها فلن نتزحزح نحن أيضا‏.‏واتهم وزير النقل دومينيك بوسرو المحطات التي تدعي أنه ليس بها وقود بأنها تخصص الوقود لزبائنها‏,‏ مقدرا عدد المحطات المتضررة من الإضراب بنحو‏200‏ في البلاد‏.‏وأعلنت شركة توتال النفطية أن ما بين‏350‏ و‏400‏من محطات الوقود التابعة لها تعاني من اضطرابات في تزويدها بالبنزين‏.‏وقال مدير قسم سياسة الطواريء بوكالة الطاقة الدولية إن احتياطيات البترول الاستراتيجية تكفي فرنسا‏90‏ يوما وإن الحكومة والصناعة بدأتا استخدام المخزونات التجارية التي تغطي احتياجات‏30‏ يوما‏.‏وأضاف أن فرنسا ليست بحاجة إلي موافقة الوكالة للسحب من مخزونات النفط والوقود الاستراتيجية نظرا لأن مشكلة المعروض لديها محلية‏.‏

وفي قصر الرئاسة الفرنسي الاليزيه‏,‏ عقد الرئيس نيكولا ساركوزي اجتماعا مع رئيس الوزراء فرنسوا فيون ووزراء العمل والبيئة والنقل والداخلية والتعليم والعلاقات مع البرلمان‏,‏ لبحث تداعيات استمرار حركة الاحتجاجات والإضرابات في البلاد‏,‏ ولا سيما فيما يتعلق بنقص إمدادات الوقود‏.‏ وأكدت الحكومة الفرنسية علي لسان رئيسها فرنسوا فيون أنها ماضية في خططها من أجل التصويت علي تعديل قانون التقاعد علي الرغم من الأزمة الاجتماعية والاحتجاجات الحالية‏,‏ محذرا من أنه إذا تم التراجع عن مسألة رفع سن المعاش إلي سن الـ‏62,‏ فإن الحكومة لن يكون في مقدورها دفع المعاش للفرنسيين المتقاعدين‏.‏وأضاف أن حق الإضراب ليس هو حق منع الوصول إلي مستودعات الوقود‏,‏ موضحا أن هذا عمل غير قانوني وأنه لن يسمح لأحد بتعطيل البلاد‏.‏وهدد باستخدام القوة لفك الحصار عن مستودعات الوقود‏.‏ وقال فيون إن الحكومة لن تترك البلاد تصاب بحالة من الشلل ولن تترك اقتصاد البلاد يختنق نتيجة هذه الإضرابات‏,‏ وأنه لن يكون هناك نقص في الوقود نتيجة توقف العمل في مصافي تكرير البترول‏.‏

وفي ظل عدم تخلي أي من الجانبين عن موقفه‏,‏ يمكن أن تتجه فرنسا إلي إضراب عام كالذي جري تنظيمه في عام‏1995,‏ عندما أصيبت البلاد بالشلل لما يزيد علي أسبوعين‏.‏ ولم ينته ذلك الوضع حتي تخلي رئيس الوزراء الفرنسي حينها ألان جوبيه عن خططه الرامية إلي إصلاح نظام التقاعد في البلاد‏.‏

وفي هذه الأثناء‏,‏ أعلن وزير الموازنة الفرنسية أن فرنسا تريد ضبط موازنتها العامة خلال عام‏2016,‏ حيث وضعت برنامجا يعتمد علي خفض العجز العام إلي‏0.2%‏ في‏2014‏ في الوقت الذي تطرح فيه المفوضية الأوروبية مجددا فكرتها المثيرة للجدل بفرض ضربية أوروبية وسط اعتراضات فرنسية وألمانية‏.‏

ومن جهة أخري‏,‏ أجري الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الالمانية أنجيلا ميركل محادثات مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف في مدينة دوفيل الساحلية الفرنسية‏.‏وسيسعي ساركوزي وميركل لإقناع ميدفيديف خلال الاجتماع الذي يستمر يومين بألا تخشي روسيا من درع الدفاع الصاروخية التي من المرجح أن يبنيها حلف شمال الاطلنطي‏(‏ الناتو‏)‏ وأنه من مصلحة روسيا أن تكون جزءا من هذا النظام‏.‏