إن كانت دساتير الدول المتمدينة وقوانينها كفلت حرية الرأي والتعبير الحر فلا حرج علينا إن أبدينا رأينا بصراحة في مسألة تولي المرأة القضاء في بلادنا العربية والإسلامية . وما سنذكره هو مجرد رأي شخصي لنا ، إذ تحدث الكثير في تلك المسألة ونعجب من أمر المثقفين إذ تجاهل البعض أهم وأكبر مشكلاتنا الإقتصادية والإجتماعية والسياسية وجعلوا همهم المناداة والمطالبة بحقوق المرأة والمساواة التامة بينها وبين الرجل في جميع الحقوق . ولم يتحدثوا عن مساواتها بالرجل في الواجبات فلم نجد من ضمن المطالبات أن المرأة تطالب أو يحق لها أداء الخدمة العسكرية . إذ يجب أن نهتم بما هو أفيد وأهم . فرقي المجتمعات ورفاهيتها لن يكون بالإهتمام بتلك المسألة التي حسمها ديننا الحنيف منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان بكفله لحقوق المرأة وصيانتها . ولم يعد هناك معنى للقوامة من قبل الرجل على المرأة التي فرضها الشارع الحكيم – عند من نادى بالمساواة التامة بين المرأة والرجل – تشعر عند مطالعة أحد المقالات في الصحف عندما ينادي أحدهم بتعيين المرأة في كافة المناصب القضائية أن الرجل سَلب وبالعمد حقوق المرأة نسوا أن في بلادنا المرأة أصبحت وزيرة وسفيرة وعضو برلمان وأستاذة بالجامعات المصرية . كما أن تمثيل المرأة في البرلمان المصري تجاوز نسبة تمثيلها في برلمانات أوربا وأمريكا . إن الرأي الذي أشرنا إليه هو أننا لا نمانع إطلاقاً عمل المرأة ولكن نؤيد فقط العمل الذي يتفق وطبيعتها كإمرأة متدينة تعيش في مجتمع شرقي متدين يضبطه قواعد الدين وأعرافنا الشرقية وتقاليد مجتمعنا . فهل تقبل طبيعة المرأة الأنثوية العمل بجهة النيابة العامة التي يقتضي العمل بها أحيانا أن يواصل العضو العمل لمدة أربع وعشرين ساعة .. أو أن تحضر تشريح جثة إثر حادثة قتل .. أو التحقيق في قضايا هتك العرض والإغتصاب وقضايا المخدرات . ورأينا هذا يجد ما يعينه من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي . فالقرءان الكريم ورد فيه قول الحق جل شأنه :  أو من ينشّأ في الحلية و هو في الخصام غير مبين  . يعني : المرأة ؛ قاله ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة وغيرهما.أن معني هذه الآية أن النساء غير مبيّنات في الخصام، و إذا كان هذا شأنهن في مجرد بيان الخصام؛ فكذلك شأنهن في الفصل في الخصام ( القضاء ) . كما ورد في القرآن الكريم : الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ  (النساء/ 34 قال القرطبي: قوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ" أي: يقومون بالنفقة عليهن، والذب عنهن، وأيضًا: فإنَّ فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء. أ هـ. "تفسير القرطبي" (5 / 168). كما نستدل من السنة النبوية المطهرة بقول رسولنا الكريم : ما فلح قوم ولوا إمرأة صدق رسولنا الكريم ( صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ) فهذا الحديث نص في عدم فلاح القوم الذين يولون إمرأة أمرهم . وذلك لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى. رواه الإمام البخاري والترمذي والحاكم وأحمد وغيرهم. ولأن فيها (الولاية - الحكم والقضاء - ) من طلب الرأي وثبات العزم ما تضعف عنه النساء، ومن الظهور في مباشرة الأمور ما هو عليهن محظور. أهـ. ( الأحكام السلطانية: 46). وعجز رأيها، ولأن الوالي مأمور بالبروز للقيام بأمر الرعية والمرأة عورة لا تصلح لذلك، فلا يصح أن تولى الإمامة ولا القضاء) . اهـ ( فيض القدير، للمناوي، الحديث رقم 7393 ). فإن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجلس، ولا تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير؛ لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها، وإن كانت متجالّة بَرْزَة لم يجمعها والرجال مجلس واحد تزدحم فيه معهم وتكون مناظرة لهم، ولن يفلح قط من تصور هذا ولا من اعتقده).اهـ (أحكام القرآن للقرطبي، تفسير سورة النمل، آية رقم 23). - والقول بأن هذا الحديث كان فقط على سبيل الإخبار بما سيكون من هزيمة أهل فارس وقتذاك ، ولم يكن حكماً تشريعياً للأمة : ادعاء غير صحيح ؛ لأن ( العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب )؛ على ما هو مقرر في علم الأصول . وكذا القول بأن ذلك الحديث هو في الإمامة العظمى أو الكبرى وحدها : فغير صحيح أيضاً؛ لأنه قيل في ملك الفرس المجوس وقتذاك، ولم تكن عندهم إمامة أصلاً، لا كبرى ولا صغرى . والحديث عام في كل أنواع الولايات العامة ؛ لمجيئه بلفظ من ألفاظ العموم، و هو هنا : النكرة في سياق النفي والنهي ؛ على ما هو مقرر في علم الأصول أيضاً. فكأنه قال : لن يفلح كل قوم ولوا أمرهم امرأة . كما أن الحديث يفيد النهي عن ولاية المرأة القضاء ؛ بدلالة عدم الفلاح . فلم نسمع في عهد رسول الله أن إحدى النساء شغلت وظيفة قاضي أو حكمت إمارة ولو كان ذلك يجوز لأقره رسول الله في عهده . خلاصة القول أن إختلاف طبيعة المرأة عن الرجل ترتب عليها إختلاف في الأحكام التكليفية الخاصة بكل منهم كما ترتب عليها إختلاف في دور كل منهم في الحياة دون أن ينقص ذلك قدر أحدهم في شيء . فالجهاد فرض على الرجال ، فهم الذي يخرجون للذود عن بلاد الإسلام ورفع راية لا إله إلا الله . وفرضت عليهم الجمعة والجماعة عكس النساء فليس عليهن جمعة ولا جماعة ولا يسافرن إلا بولي . كما لا ينكحن إلا بولي . هل يعارض في تلك الأحكام بمقولة أن الدساتير الحديثة كفلت المساواة التامة بين الجنسين . القاعدة لا إعمال للعقل ولا إجتهاد أمام صراحة النص في القرآن والسنة فما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فأنتهوا . بقلم الأستاذ / عيون محمود عبد الحميد .. المحامي