حققت كوسوفا أمس نصرا لم يكتمل علي الساحة الدولية, بعد أن خلصت محكمة العدل الدولية إلي أن الإعلان المنفرد للاقليم لاستقلاله عن صربيا عام2008 لم ينتهك القانون الدولي.
ولكن هذا الإعلان لم يمنح كوسوفا انتصارا كبيرا بعد أن أثار الحكم ردود فعل دولية متباينة ما بين مؤيد ومعارض, إضافة إلي كون القرار في الأساس استشاريا وغير ملزم, ومن ثم لا يمكنه إجبار الدول الرافضة لاستقلال كوسوفا علي تغيير موقفها.
فقد أيدت عدة دول- منها بريطانيا وفرنسا وألمانيا- قرار المحكمة, وعارضته صربيا وروسيا وسلوفاكيا, وبقيت دول أخري دون موقف واضح, بينما تزعمت الولايات المتحدة الدعوات لصربيا لقبول القرار.
وترجع قصة استقلال كوسوفا إلي أواخر التسعينيات من القرن الماضي عندما فقدت صربيا سيطرتها علي إقليم كوسوفا عام1999, وتمكنت حملة قصف شنها حلف شمال الأطلنطي ـ الناتو ـ واستمرت78 يوما من إنهاء حرب دامت لمدة عامين ونصف العام بين صربيا والألبان في كوسوفا, لتعين الأمم المتحدة بعد ذلك إدارة تابعة لها لتدير شئون الإقليم وفرضت وقفا لإطلاق النار يراقبه الناتو.
ويمهد القرار غير الملزم للمحكمة والذي يمثل صفعة قوية لصربيا, الطريق أمام كوسوفا لتجديد نداءاتها الي مزيد من الاعتراف الدولي بها, بعدما حصل الإقليم علي اعتراف69 دولة, بينها الولايات المتحدة, و22 من الدول الـ27 في الاتحاد الاوروبي, علما بأنها تحتاج الي اعتراف100 دولة علي الاقل للحصول علي عضوية الامم المتحدة. كما أن تأثير قرار المحكمة يمكن أن يمتد إلي أبعد من كوسوفا, حيث قد يدعم مساعي أقاليم انفصالية في دول أخري للحصول علي حكمها الذاتي.
وكان هيساشي أوادا رئيس محكمة العدل الدولية قد قال في قراره ـ الذي أيده10 من قضاة المحكمة بينما عارضه أربعة ـ إن المحكمة تري أن القانون الدولي العام لا يتضمن أي منع قابل للتطبيق لإعلان الاستقلال نتيجة لذلك خلص إلي أن إعلان الاستقلال الذي جري عام2008 لا يمثل انتهاكا للقانون الدولي العام.
إلا أن أوادا أشار إلي أن المحكمة غير معنية بالاجابة عن السؤال المطروح عليها لجعلها طرفا في محاولة معرفة ما اذا كان القانون الدولي يمنح كوسوفا الحق في اعلان استقلالها من جانب واحد, مضيفا أن المحكمة معنية بالاجابة فقط عن سؤال عما اذا كان اعلان كوسوفا استقلالها من جانب واحد يعد خرقا للقانون الدولي.
واختتم أوادا حديثة بالعبارة التي حرمت الإقليم من الانتصار الكبير, حيث أكد أن المحكمة غير معنية بما اذا كانت كوسوفا اكتسبت صفة الدولة.
وبعد صدور القرار, سارعت كوسوفا علي لسان وزير خارجيتها اسكندر حسيني إلي مطالبة صربيا بأن تعاملها معاملة دولة مستقلة.
وقال وزير الخارجية الكوسوفي: أتوقع أن تغير صربيا موقفها, وأن تأتي إلينا وتجري معنا محادثات في شأن كثير من القضايا ذات الاهتمام المشترك والأهمية المشتركة, لكن مثل هذه المحادثات لا يمكن أن تجري إلا كمحادثات بين دولتين مستقلتين.
إلا أن صربيا أصرت علي موقفها تجاه الدولة الوليدة فقادت مع روسيا جبهة الرفض للقرار القانوني الجديد, حيث سارعت بلجراد إلي إعلان أنها لن تعترف اطلاقا وتحت أي ظرف كان باستقلال الاقليم المعلن من جانب واحد.
وأكد بوريس تاديتش الرئيس الصربي أن بلاده لن تعترف أبدا باستقلال الإقليم الصربي السابق. وتعهد في تصريح صحفي من بلجراد بأن تبذل صربيا كل ما يمكنها من جهود لمنع اعتراف دول أخري باستقلال الإقليم.
لكن تاديتش ـ الذي يقود المعسكر الإصلاحي ـ أكد ان صربيا لن تلجأ إلي العنف وتفضل التفاوض للتوصل إلي تسوية مع ألبان كوسوفا, وهو ما يرفضه زعماء ألبان كوسوفا بشدة قائلين إنه لا يمكن التراجع عن قرار الاستقلال.
في حين رد فوك يرميتش وزير الخارجية الصربي علي نظيره الكوسوفي بأن بلاده لن تغير سياستها في التعامل مع كوسوفا إقليما تابعا لها, وحذر من أن الحكم قد يشجع الحركات الانفصالية حول العالم علي اعلان استقلالها.
ولم تكن صربيا الدولة الوحيدة التي أثار قرار المحكمة الدولية حفيظتها, ففي موسكو أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانا جاء فيه أن الرأي الذي أدلت به محكمة العدل لا يغير شيئا في الموقف الروسي الرافض الاعتراف باستقلال هذا الاقليم, معتبرة أن قرار المحكمة لا يوفر سندا قانونيا لاستقلال كوسوفا. وأضاف البيان أن روسيا- وهي حليف تاريخي لصربيا- لن تسمح بانضمام كوسوفا للأمم المتحدة أو للمنظمات العالمية التي تتمتع فيها بحق النقض, ورأت أن الحل الوحيد لمشكلة كوسوفا هو المفاوضات بين الأطراف المعنية علي أساس قرار مجلس الأمن بالأمم المتحدة رقم1244.
وكعادة قطبي الحرب الباردة في الاختلاف, تبنت الولايات المتحدة موقفا مناقضا للموقف الروسي حيث رحبت واشنطن بقرار محكمة العدل, ودعت الدول الاوروبية إلي التوحد خلف هذا القرار. وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيليب كراولي بأن رأي محكمة العدل الدولية يؤكد شرعية إعلان استقلال كوسوفا. و قال: إننا ندعم هذا القرار, حان الوقت لأوروبا للتوحد من أجل مستقبل مشترك.
كما حثت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون كوسوفا وصربيا علي تنحية خلافاتهما التاريخية جانبا والعمل معا لتحسين حياة شعبيهما, معتبرة أن كلا الجانبين صديق وشريك للولايات المتحدة.
وأيدت بريطانيا قرار المحكمة, علي لسان وزير خارجيتها وليام هيج الذي رحب بالقرار, كما دعمت فرنسا القرار, حيث أعرب وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير عن سعادته بما توصلت إليه المحكمة وقال إن إعلان استقلال كوسوفا قرار لا رجعة فيه. واتخذت ألمانيا الموقف نفسه, حيث صرح وزير الخارجية الألماني جيدو فيسترفيله بأن استقلال كوسوفا وسلامة أراضيها حقائق لا تدحض.
ومن جانبه, حذر الامين العام للامم المتحدة بان كي مون من اي استفزاز في كوسوفا, ودعا كل الأطراف ذات العلاقة إلي الدخول في حوار بناء, بينما أبدت مفوضة الاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية كاثرين أشتون استعدادها للتوسط بين صربيا وكوسوفا لحل الأزمة بينهما.
ومن المحتمل أن يزيد قرار محكمة العدل الدولية الضغط علي الدول الأوروبية الخمس التي لم تعترف بكوسوفا, وهي إسبانيا وسلوفاكيا ورومانيا واليونان وقبرص, لحملها علي أن تحذو حذو رأي الأغلبية داخل الكتلة.