احتشد أكثر من‏50‏ ألفا من مواطني البوسنة والهرسك تكتنفهم مشاعر الحزن والألم والغضب أمس فوق هضبة قريبة من مدافن بوتوكاري المخصصة لضحايا مذبحة سربرنيتشا بالبوسنة‏.

لإحياء ذكري أهاليهم وأقاربهم الذين كانوا من بين ثمانية آلاف رجل وفتي بوسني مسلم فقدوا أرواحهم علي أيدي الصرب في يوليو‏1995.‏

وتخلل مراسم إحياء ذكري الضحايا إعادة دفن رفات‏775‏ من الضحايا البالغ عددهم ثمانية آلاف في مدافن بوتوكاري في أعقاب التعرف علي هويات أصحابها عن طريق تحليل الحمض النووي‏.‏

وأقيمت المراسم بحضور عدد من الشخصيات الدولية البارزة‏,‏ علي رأسهم الرئيس الصربي بوريس تاديتش ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان‏,‏ إلي جانب وزيرة الدولة البريطانية البارونة رواسي‏.‏

ومن جانبه‏,‏ دعا الرئيس الصربي بوريس تاديتش إلي المصالحة بين جمهوريات يوجوسلافيا السابقة‏,‏ وأعلن تاديتش أن مشاركته في حفل يقام لاحياء ذكري ضحايا المجزرة يمثل فعل مصالحة وبناء جسور بين أمم الدولة السابقة المشتركة يوجوسلافيا‏.‏

وتعد هذه المجزرة‏,‏ التي ارتكبتها قوات صرب البوسنة في نهاية الحرب البوسنية‏,‏ أسوأ المذابح البشرية التي ترتكب في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية‏.‏ وصنفتها الهيئات القضائية الدولية بأنها تعتبر جريمة إبادة جماعية‏.‏

ويذكر أن الضحايا قتلوا ودفنوا في مقابر جماعية‏,‏ قبل أن يعاد دفنهم لاحقا علي عجل في أكثر من‏70‏ موقعا في محاولة لإخفاء الأدلة‏,‏ ولكن الخبراء تمكنوا خلال السنوات القليلة الماضية من التعرف علي رفات‏6500‏ من الضحايا‏,‏ وأعيد دفن رفات‏3749‏ منهم في مقبرة بوتوكاري‏.‏

وتأتي هذه الاحتفالية بعد يوم واحد من تقليد الحزب الديمقراطي الصربي‏,‏ وهو حزب قومي متطرف معارض أسسه رادوفان كرادجيتش عند تفكك يوجوسلافيا السابقة‏,‏ زعيمه السابق ومؤسسه ميدالية وشهادة تقدير‏,‏ في حين أكد ملادين بوسيتش زعيم الحزب الحالي أنه لا يخجل من تاريخ الحزب وماضيه‏.‏

وتزامنت هذه الاحتفالية مع إعلان العثور علي وثائق هامة مخبأة في منزل الرئيس الصربي السابق الجنرال راتكو ملاديتش‏,‏ حيث أكدت مصادر دولية في لاهاي أن الشرطة الصربية استخدمت تقنية متطورة للغاية لدي إعادة تفتيش منزل ملاديتش‏-‏ مهندس الحرب ومجزرة سربرنيتشا‏-‏ في بلجراد‏,‏ ومن ثم تمكنوا من العثور علي حائط متحرك يخفي وراءه أكثر من‏18‏ كتيبا يحمل مذكراته بالإضافة إلي‏120‏ تسجيلا صوتيا وشرائح تليفون محمول وعدد من فلاشات الكمبيوتر وكم ضخم من الوثائق‏.‏

وتضمنت الوثائق أدلة تدين ميلاديتش بالاتهامات التي يحاكم بها حاليا‏,‏ حيث يؤكد الادعاء العام أن الوثائق تشير إلي صفقات سرية بين الصرب والكروات لتقسيم البوسنة وإبعاد المسلمين منها‏.‏ وأشار ميلاديتش إلي أن المسلمين هم العدو المشترك للصرب والكروات‏.‏ كما استبعد فكرة القتل الجماعي‏,‏ مؤكدا قدرة المسلمين علي التكاثر‏,‏ ولكنه دعا إلي تطهير أراضي البوسنة منهم وإبعادهم عن طريق التلاعب في التوزيع السكاني‏.‏

وتم إرسال كل هذه المواد المصادرة إلي محكمة العدل الدولية في لاهاي‏,‏ حيث يؤكد الخبراء أنها تحمل الأدلة لإدانته في نحو ست جرائم‏-‏ لا تضمن الإبادة الجماعية في سربرنيتشا‏-‏ كما تشير إلي العلاقة الوثيقة التي جمعت بين جيش صرب البوسنة وصربيا‏,‏ وهي العلاقة التي حرص الجانبان علي إنكارها طوال الفترة الماضية‏.‏

وفي الوقت ذاته‏,,‏ أكد رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون إن حكومته لن يرتاح لها بال حتي يساق المسئولون عن اقتراف المجزرة إلي العدالة‏.‏ ووصف كاميرون المجزرة بأنها الجريمة التي ألحقت الخزي والعار بأوروبا‏.‏

وأكد أنهم مدينون للضحايا باستخلاص درس سربرنيتسا الذي يؤكد ضرورة التصدي للشر اذا كنا نريد الدفاع عن الانسانية‏.‏ كما إننا مدينون للضحايا بملاحقة المسئولين عن هذه الجريمة البشعة وسوقهم للعدالة لينالوا جزاءهم‏.‏

وقال إن الحكومة الائتلافية البريطانية ستجعل من منطقة البلقان محور اهتمامها‏,‏ وستساعد البوسنة علي التقدم إلي الأمام من خلال قبول عضويتها في الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلنطي‏.‏ كما أصر رئيس الحكومة البريطانية علي بذل كل الجهود الممكنة للحيلولة دون تكرار هذه الجريمة‏.‏