الفكر الديني الصحراوي يسيطر على عقول المصريين                                                          

ينتشر الفكر الديني بنسخته الصحراوية بين العديد من طبقات المجتمع المصري لأسباب عدة يأتي في مقدمتها غياب الثقافة وانحدار مستوى التعليم ما ادى الى هوس ديني تتمثل مظاهره في هذا الكم غير المسبوق من اللحى والجلاليب القصيرة للرجال والطويلة للنساء ووضع السواك في الفم والعمامة على الرأس وتحجيب الصغيرات اللاتي لا تتجاوز اعمارهن السبعة اعوام والحرص على تحفيظ الاطفال القرآن والاكتفاء بذلك ظنا بأن تربية هذا الجيل بتلك الطريقة ستحقق ما نردده منذ عشرات السنين من زحف الى القدس وغزو الروم.

 ولكن مهلا؛ الم ينتهج الكثيرون هذا النهج منذ سنوات حتى صار هؤلاء الاطفال شبابا نراهم الان في ميدان رابعة عازمين على التضحية بدمائهم من اجل عودة الدكتور مرسي الى سدة الحكم، وغيرهم من شباب سلفي نراه غارقا حتى اذنيه وسط كتب صفراء او جالسا عند اقدام من اوهمه بأن اعظم علوم الدنيا هو علم الحديث والرجال وتخريج الروايات؟

 بلى.

اذن فماذا كانت النتيجة؟

 كانت ما رأيناه خلال عام واحد، من قتل على الهوية كما حدث للشيخ حسن شحاتة، ونهب للممتلكات كما يحدث للمسيحيين الان في سيناء، والغرق في نظرية المؤامرة، وانقسام المجتمع الى قسمين حتى اطلت بوادر الحرب الاهلية برأسها.

ان عاما، وان كان قصيرا في حياة الامم والشعوب، الا انه اكثر من كاف بالنسبة لنا حتى ننتبه الى مدى ضحالة وسطحية هذا الفكر، فليس شرطا ان نمر بالتجربة العراقية او الافغانية او اللبنانية او السورية حتى نتيقن ان هناك خللا في هذا المنهج.

ان في قراءة التاريخ والنظر في الجغرافيا والتأمل في الواقع غنىً عن تكرار نفس التجربة في مصر؛ فهي تجربة لا نعلم متى يكون الخلاص منها او حجم التراجع الحضاري الذي ستخلّفه، وتفصيلا للإجمال السابق؛ فإني اطلب منك ان تذكر اسم اي تجربة ناجحة لحكم اسلامي سواء حاليا او على مدار التاريخ، ولا تدع عقلك يبحر بك في اطلال ما يطلق عليه العصر الذهبي للإسلام وانجازاته، فمع قراءة متأنية ستدرك ان الحكم الاسلامي لم يكن ابدا الباعث الى تلك النهضة الفكرية والعلمية، فحقيقة الامر ان مظاهر الحكم الاسلامي كانت تنحصر في الدعاء للخليفة في كثير من الاحايين، وانما ترجع تلك النهضة لأسباب عديدة متشعبة ومتداخلة، وليس الدين من بينها؛ لكن من اهم اسباب تلك النهضة هو الاستفادة من النتاج الفكري للأمم الاخرى والدور المهم الذي قام به مفكرو تلك الامم في بناء الحضارة الاسلامية (تماما كما فعلت الولايات المتحدة مع العلماء الالمان بعد الحرب العالمية الثانية) اضافة الى حركة الترجمة الضخمة التي تناولت تقريبا مختلف نواحي التراث الفارسي واليوناني "باستثناء مؤلفاتهم السياسية التي لم يترجم منها شيء"، وعدم الاكتفاء بمصادر التشريع كطرق للمعرفة.

ان ما يهمنا الان هو الخروج من هذا التصحر الفكري الذي اصاب عقولنا، ولن يكون ذلك الا ببناء منظومة تعليمية تشمل جميع العاملين في الميدان التربوي من اساتذة للتربية في الجامعات وطلابهم ومدرسي المراحل التعليمية المختلفة وتطوير المناهج التربوية والية التعليم، اضافة الى الاهتمام بالثقافة وتنويع الروافد التي من خلالها يستطيع الشباب المصري ان يستقي غذاءه الفكري، وعدم قصر تلك المصادر على الجانب الديني فقط.