fiogf49gjkf0d
إلى من أشكو الإخوان؟
أشكوهم إلى الله! // مجدي طلبة //
في 20 أغسطس 1979، عقد الرئيس الراحل أنور السادات اجتماعاً ساخناً مع عدد من رجال الدعوة الإسلامية في مصر من بينهم المرشد الأعلى الثالث لجماعة الإخوان المسلمين عمر التلمساني، حيث اتهم السادات جماعة الإخوان بالتعاون مع الشيوعيين وفلول من الأحزاب المنحلة والانتهازيين ضد النظام آنذاك، ما أثار غضب التلمساني الذي قام يدافع عن نفسه وعن جماعته، قائلاً: "لو كان أحد غير محمد أنور السادات رئيس الجمهورية وجه هذا إلي لشكوته إليك، أما أن يقول هذا أنور السادات رئيس الجمهورية فإلى من أشكو؟...أشكو إلى الله!" وأنا هنا أستعين باقتباس الأستاذ التلمساني رحمة الله عليه لأشكو الإخوان إلى الله بعد أن تسببوا في حدوث شرخ كبير وتعميق هوة الخلافات والانقسامات داخل الشارع السياسي على خلفية تشبثهم منذ البداية باحتكار تشكيل الجمعية التأسيسية المنوط بها كتابة دستور جديد للبلاد، وكذا قرارهم الأخير بالدفع بالرجل الثاني في الجماعة المهندس خيرت شاطر كمرشح رئاسي ثم محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للجماعة، كمرشح احتياطي تحسباً لاستبعاد الشاطر من السباق، مما جعل الساحة السياسية تضج بردود فعل غاضبة أعربت عن استيائها من تراجع الجماعة عن تعهداتها السابقة واعتبر البعض هذا القرار ما هو إلى جزء من سلسلة تعهدات تراجعت عنها الجماعة على مدار العام الماضي، واتهموا القيادات الإخوانية بالوقوع في براثن فتنة الأغلبية وفتنة السلطة وسلطة الأضواء.
وأنا هناك أسجل أربع ملاحظات على أداء وسلوك جماعة الإخوان المسلمين خلال الفترة الماضية. أولاً: أنحي باللائمة على الإخوان في حالة التشرذم والانقسام التي أصابت القوى الثورية والسياسية في مقتل بعد أن تخلت عن الثورة والثوار وعن الميدان وعن الأحزاب والحركات السياسية الأخرى وفضلت الدخول في تفاهمات وصفقات مع المجلس العسكري بغية الحفاظ على المكتسبات التي حققها الإسلاميون خلال الفترة الانتقالية، مما أوقع القوى الثورية الحقيقية والصادقة فريسة سهلة في يد العسكر وفلول الحزب الوطني. ثانياً: دشنت الجماعة حملة شعواء لسحب الثقة من حكومة الدكتور كمال الجنزوري وروجت لطرح برلماني من خلال الأغلبية التى تتمتع بها داخل مجلس الشعب، على الرغم من أنها تعي جيداً أنه وفقاً للإعلان الدستوري الذي وافق عليه الشعب المصري في مارس 2011، فإنه يحق للمجلس العسكري وحده، ولا أحد سواه، أن يقيل الحكومة ويشكل حكومة جديدة، وبناء عليه فإن أي حديث في هذا الإطار يعد مضيعة للوقت وعبث في عبث. ثالثاً: تشبثت الجماعة، بدعم من السلفيين، بفرض الهيمنة والسيطرة على تشكيل الجمعية الدستورية لوضع الدستور المصري الجديد، المسمار الأخير في نعش التوافق والتناغم بين الإسلاميين والقوى الليبرالية واليسارية في شأن ترتيب المرحلة الانتقالية، مما أفضى إلى تكريس الانقسام بين الطرفين بعد تمسك كليهما بموقفه إزاءها، وباءت بالفشل كافة المحاولات الرامية إلى تجاوز أزمة الانسحابات المتنامية من الجمعية التأسيسية عبر عملية "ترميم جزئي" بسب عدد محدود من الأعضاء الإسلاميين، كما أعطي هذا التشبث من قبل الإخوان إيحاءً داخل المجتمع المصري بأن الإسلاميين بشكل عام والإخوان بشكل خاص عاقدون العزم على فرض كلمتهم على جميع مناحي الحياة في البلاد. لم يلتفت الإخوان إلى ضرورة السماح بمشاركة مجتمعية أوسع لإعطاء انطباع عام لدى الشارع المصري بأن المصلحة العامة والتوافق الوطني يمثلان جزءاً محورياً ورئيسياً في سلوكهم وفكرهم السياسي. رابعاً: قرار جماعة الإخوان خوض غمار الرئاسة اتخذ في "لحظة غضب" حيث توترت أعصاب الجماعة عقب تهديد رئيس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري بحل مجلس الشعب خلال اجتماع مع قيادات حزب الحرية والعدالة في حضور قيادات المجلس العسكري، وبعد أن ذكرها العسكر بالصدام السياسي الذي عصف بها في منتصف خمسينات القرن الماضي وظلت "محظورة" حتى قيام ثورة 25 يناير 2011، أضف إلى ذلك حملة التشويه البشعة التي تقودها "النخبة" من خلال إعلامها الفساد ضد الإسلاميين عامة.
ولا جدال في أن قرار الإخوان المشاركة في السباق الرئاسي قد نال من مصداقية الجماعة ووضعها في مسار تصادم ليس فقط مع الجماعات الليبرالية والعلمانية والمسيحية بل مع المجتمع المصري بأسره، وأعطى انطباعاً بأن الجماعة تتطلع قدماً إلى فرض هيمنة كاملة على المشهد السياسي في مصر. كان يتعين على الجماعة أن تدرك صعوبة أن يحتمل المجتمع المصري هذا التحول المزلزل من "ظلمات الحزب الوطني" إلى "نور الإسلاميين" على هذا النحو السريع والمباغت، وكذا صعوبة أن يحتمل المصريون سيطرة الإسلاميين على مجلسي الشعب والشورى وسيطرتهم على الجمعية التأسيسية وسيطرتهم على الحكومة وسيطرتهم على الرئاسة. كما كان ينبغي عليهم أن يعوا أنه من الصعب بل من الظلم لمصر الإخوان نفسها أن تتحمل وحدها مسئولية كاملة عن الوطن داخلياً وخارجياً في ظل ظروف حرجة وصعبة للغاية، ناهيك عن عدم ارتياح إقليمي وعربي ودولي لوصول الإخوان إلى سدة الحكم في مصر. ما أود أن أشدد عليه هنا هو أن الصراع السياسي الدائر الآن في مصر قد جعل المواطن المصري العادي يعاني من حالة شيزوفرينيا أو انفصام في الشخصية حيث يقف في منتصف طريق لينظر أمامه فيجد القوى السياسية وقد تقطعت أوصالها والإسلاميين وقد نالت منهم وشوهتهم "النخبة"، التي فقدت صوابها وأضحت بلا ضمير، وينظر وراءه فيجد جيشاً جراراً من أشرار وشياطين الحزب الوطني البائد في انتظار الفرصة للانقضاض على الجميع، وقد بدت بالفعل ملامح من هذا القبيل تلوح في الأفق. ليس بمقدور أحد أن ينكر على الإخوان أنهم قد أعطوا زخماً للثورة المصرية وقاموا بحماية الثوار في ميدان التحرير وكان لهم الفضل في خروج الثورة على هذا النحو الذي أبهر العالم أجمع، ومن ثم فهم مطالبون أكثر من غيرهم، الآن وبصورة ملحة، بالعودة من جديد إلى الشارع المصري والأخذ بيد المواطن المصري العادي حتى لا يفقد ثقته في نفسه ويكفر بالثورة وبالعملية السياسية برمتها، خصوصا بعد أن ثبت للجميع أن "النخبة"، التي من المفترض أن تكون قاطرة المسيرة الديمقراطية والإصلاح والتنوير في المجتمع ومنافساً سياسياً قوياً يجابه الإسلاميين، تفرغ فقط لمعارك تافهة تقوم على تشويه الخصم وعمليات تصفية فكرية واغتيال معنوي للآخرين عبر وسائل إعلام مضللة ومشوهة وفاسدة. وإذا فشل الإخوان في تحقيق هذا، فلن يكون أمام رجل الشارع الذي انفض الجميع من حوله سوى أن يقول: إلى من أشكو الإخوان؟ أشكوهم إلى الله!