fiogf49gjkf0d
طيب!!!
 
(المصريين بيموتوا بعض)
 
 
تحمّل انكسار مصر في 1967، وعاش إعادة الكرامة للمحروسة في 1973.. وشارك في تحرير مدينة القنطرة من العدو الصهيوني، واتسع قلبه النقي.. وسريرته الطاهرة.. وروحه الشفافة لكل ما شهدته مصر من تحولات وتناقضات، وأسهم بقلمه الساخر وكلماته المبدعة في بث الحماس في قلوب شباب ثورة 25 يناير.. الا ان عينيه لم تحتملا رؤية توفيق عكاشة واتباعه يتقاتلون مع شباب الاسكندرية، وكان المشهد اكثر سخرية مما تقبله روحه العذبة.. وقلبه الواهن، وسقط وهو يقول آخر كلماته: «المصريين بيموتوا بعض».
رحل ضابط الجيش المقاتل،.. وأعذب كتّاب ثورة 25 يناير الساخرين، ولن ترحل افكاره الشابة.. وكلماته السلسة.. وحروفه العذبة.. التي أترك لها المساحة الباقية من هذا المقال فاقرؤوها.. واقرؤوا الفاتحة على روح طاهرة لم تحتمل البقاء في جسد يعيش في اجواء اكثر سخرية من.. السخرية ذاتها!!
.. «حاجة غريبة منذ ظهر «الجنزوري» على «الساحة» اختفى «الكفراوي» من «الشاشة».. اما تآكل الاحتياطي النقدي فهو «ريجيم» قاس بأمر الدكتور «العقدة».. أما «انتصار الشباب» فهو ليس فيلما لـ«أسمهان» لكنه حقيقة علمية، فلا احد يقف امام الطبيعة ولا عاقل يهتف ضد التكنولوجيا، هو فقط يُؤجل مثل.. مباريات الكرة ومواعيد حبيبتي وجلسات المحاكمة.
ومن كام ألف سنة خصصنا كام ألف كيلومتر لإقامة دولة ومن يومها ونحن «نسقع» الأرض ولا نبني عليها الدولة بل نبني عليها قصورا للحكام وقبورا للزعماء، لذلك أظن أننا لا نحتاج إلى «دستور جديد» بقدر احتياجنا إلى «عقد اجتماعي جديد».. يعمل فيه الموظف نظير راتب وليس نظير رشوة.. وينال فيه الضابط احترامي دون أن ينال مني.. ويجلس فيه القاضي على المنصة مكان الشعب وليس مكان أحد أقاربه.. ويختار فيه الناخب مرشحه على أساس «حجم الكفاءة» وليس على أساس «وزن اللحمة».. ونعرف فيه أن مدرس اليوم هو تلميذ الأمس وناظر الغد يشرح في المدرسة بطعم الخصوصي وأن طبيب اليوم هو تلميذ الأمس ومريض الغد يكشف في المستشفى بطعم.. العيادة».
أما آخر مقالات الفقيد التي نشرها في «المصري اليوم»، بعنوان: «سوف نعبر هذه المحنة» فيقول فيها:
«بالحب وحده سلمت قلبي إليك وبدون إيصال، وعندما تغرب الشمس ويجيء القمر يظهر المحبون ويختفي رجال الشرطة، وبعد سهر الليالي لا نأخذ من الحب سوى خطابات دون توقيع، وصوراً دون إهداء، وذكريات بلا ملامح، لكن يبقى من عشق الوطن خريطة لا تتغير وتاريخ لا يموت..فعبر التاريخ يموت المواطن من أجل الوطن وليس العكس..
وسوف يعبر الوطن هذه المحنة لأنه «مصر» التي لا يعرف قيمتها بعض المصريين ومعظم المسؤولين الذين أخفوا أنابيب الغاز وأظهروا قنابل الغاز، وسرقوا من قلوبنا الفرحة ومن أيدينا الثورة..سوف نعبر هذه المحنة عندما نرفض سقوط مواطن أو سقوط مؤسسة.. وعندما يتوقف التراشق بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية، فعندنا برلمان لم يجئ لصنع المستقبل، لكن لتصفية حسابات الماضي مع الفن والشرطة والقضاء..حسابات ليس لنا فيها ناقة أو جمل..
وسوف نعبر هذه المحنة عندما ينعدل خيال الظل (التليفزيون) ويختفي الأراجوز (رجل كل العصور) الذي أصبح معارضاً عندما أصبحت المعارضة مجاناً أو بمكافأة شاملة، وعندما يتوارى الزعماء والمفتون والمحللون ويعود المواطن العادي..سوف نعبر هذه المحنة عندما تصبح مدرجات الجامعة أهم من مدرجات الكرة، ومعامل البحث العلمي أهم من مكاتب البحث الجنائي، وعندما نعرف ان أسوأ ما في «الأمة» هو «الأمية..».
رحم الله جلال عامر رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.. وحمى مصر وشعبها من كل سوء.
 
 
حسام فتحي
hossam@alwatan.com.kw
@hossamfathy66