fiogf49gjkf0d
تمنيت أن يكون د. الجنزوري وحكومته قد شاهدوا فيلم "عسل أسود" بطولة الفنان الشاب أحمد حلمي وتأليف خالد دياب وإخراج خالد مرعي حتى يتعرفوا على النبض الحقيقي للشعب المصري الذي لا يحتاج إلى العدالة الاجتماعية كما يتصور البعض قدر حاجته إلى استرداد كرامته المسلوبة، كرامته التي كانت مصانة لفترة من الزمن وأضاعها حكم العسكر المتعاقب على البلد وخاصة في الثلاثين سنة الأخيرة، الكرامة التي قامت من أجلها ثورة 1952، على يد الضباط الأحرار الذين حادوا عن الطريق، فبدلا من أن يخلصوا الشعب من ظلم وجور الأجنبي المستعمر ومن ما أطلقوا عليه آنذاك الإقطاع، ويعيدوا له كرامته تفشت الاعتقالات وانتشر زوار الفجر ومراكز القوى، وتدنست الثورة البيضاء بدماء أبناء الشعب الباحث عن كرامته، وكما قامت ثورة 1952 من أجل الكرامة، قامت ثورة 25 يناير 2011، فلم يقم الشباب بثورتهم من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية (كما يتصور البعض) ولكنها قامت لاسترداد الكرامة التي سلبها جهاز أمن الرئيس المخلوع بجبروته وقسوته وتسفيهه للشعب بكل أطيافه، فمن منا ينسى الشاب خالد سعيد الذي اتهم ظلما وعدوانا بعد قتله، ومن منا ينسى الصور التي تم تداولها عبر شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة لصحفيات يعذبن ويضربن لأنهن طالبن بالكرامة، ومن منا ينسى شرائط وصور ضباط الأمن المركزي وهم يهينون ويقهرون ويضربون بالأحذية جند وعساكر الأمن المركزي من أبناء شعبنا الطيب، من منا كان يشعر حقا في الثلاثين سنة الماضية بالأمن والأمان بعدما أطلق النظام السابق رجاله في البلاد ليرهبوا الشعب ويصبحوا هم القانون وهم حماته، وبالتالي فالويل والثبور لمن يخالفهم أو يفكر في معارضتهم أو حتى يفكر في إبداء رأيه، من منا ينسى أن النظام المخلوع أدخل علينا مفاهيم جديدة ونظم إجرامية عتيدة لم يكن الشعب المصري يعرفها من قبل، ومنها على سبيل المثال تأسيسه لنظام ( البودي جارد )، فأصبح كل من هب ودب في المجتمع ممن يملكون المال، أو تحيطهم أضواء الشهرة يمشي ووراءه جيش من البلطجية من أصحاب الأجسام الضخمة والعضلات المفتولة، حتى لاعبي كرة القدم أصبح لديهم بودي جارد لحمايتهم ( من منْ لا نعرف )، وتلك ظاهرة غريبة على شعب عُرف عنه التراحم والتعاطف فضلا عن التسامح والتدين. وبعودة إلى الفيلم نجد أنه يناقش مشكلة كل المصريين دون استثناء، المصريون الذين يهيمون غراما وعشقا في بلدهم سواء كانوا خارجها أو داخلها، ولكن نظام الحكم الفاسد والمتكبر لا يعنيه هذا الحب، ولا يعنيه هذا الانتماء الشديد للوطن، فسخر آلته الأمنية في ذل وقهر الناس وبالتالي القضاء على عشق المصري الجارف لوطنه وانتماءه لأرضه، أن الفيلم يطرح قضية الكرامة الضائعة للمصريين في الداخل أولا، ومن ثم في الخارج خاصة في الدول العربية، فمن يتابع الفيلم جيدا لا يشعر أن المطلب الاول للشعب المصري يتمثل في العدالة الاجتماعية على الرغم من حالة الفقر والعوز التي يعيشها ملايين المصريين، وعلى الرغم من حالة الاستياء لدى الشباب العاطل عن العمل، والشباب الباحث عن ذاته وعن حياة كريمة له ولأسرته، أنما المطلب الأول للفيلم وبالتالي للملايين من أبناء المحروسة هو استرداد الكرامة والعزة، الكرامة التي تمتع بها كثير من أبناء شعبنا في الخارج بعدما رحلوا عن المحروسة وعن النظم الفاسدة التي تعاقبت على الحكم وأهانت وسفهت الشعب وسلبت مقدراته. أبناؤنا الذين عاشوا في الخارج فشعروا بقيمتهم كآدميين فانطلق المارد داخلهم وأذهلوا العالم بقدراتهم العلمية والفنية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، فها هو العالم د.مصطفي مشرفة، وعالمة الذرة د. سميرة موسى، والطبيب العالمي د. مجدي يعقوب، والعالمي د. محمد غنيم، وواحد من أفضل 7 قادة في الولايات المتحدة الأمريكية د. احمد زويل وكثير غيرهم ممْن لا نعرفهم نحتوا وجه الارض وسجلوا أسمائهم بأحرف من نور، بل من ذهب في التاريخ بعد أن حصلوا على كرامتهم وشعروا أنهم (بني أدمين) .
 هشام زكي