ذكر بنك الكويت الوطني في تقرير له حول أزمة دبي أن طلب مجموعة «دبي العالمية» في 25 نوفمبر الماضي تجميد نحو 26 مليار دولار من ديونها لفترة 6 أشهر، ومن ضمنها الصكوك التي أصدرتها شركتها التابعة «نخيل» بقيمة 3.5 مليارات دولار والتي تستحق في 14 ديسمبر الجاري، قد ترك العالم في صدمة إلا أن المخاوف من أن يشعل هذا الإعلان موجة جديدة من التدهور في الاقتصاد العالمي قد انحسرت.
وفيما قد تكون تداعيات هذه التطورات حادة في المدى القصير على الاقتصاد والسوق العقاري في دبي، إلا أننا نتوقع أن يكون تأثر الاقتصاد الكويتي بها محدودا نسبيا.
وقد اوضح تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني حول إعادة هيكلة «دبي العالمية» ان حجم الانكشاف المباشر للبنوك الكويتية على «دبي العالمية» و«نخيل» يبدو ضئيلا جدا ووفقا لبنك الكويت المركزي، فإن بنكين كويتيين فقط لديهما انكشاف مباشر لا يتجاوز 118 مليون دولار (مجتمعين)، أي أقل من 0.1% من إجمالي موجودات الجهاز المصرفي الكويتي. بينما أعلنت كافة البنوك الأخرى أنه ليس لديها أي انكشاف على الإطلاق، وبالطبع قد تكون هذه القيمة أعلى إذا ما احتسبنا حجم الانكشاف غير المباشر (مثل قروض البنوك إلى العملاء المرتبطين بمجموعة «دبي العالمية»، إما من خلال خطوط العمل أو دائنين، أو المستثمرين في الأسواق المالية الإماراتية والقطاع العقاري). لكن أيضا هنا، من المستبعد أن يكون حجم هذا الانكشاف كبيرا، أو أن تكون الخسائر المحتملة الناجمة عن ذلك كبيرة بدورها.
ومن جهة ثانية، لا تعتمد البنوك الكويتية بشكل كبير على التمويل الأجنبي، ما يقلص احتمال نشوب أزمة سيولة إثر خروج الأموال الأجنبية من الجهاز المصرفي. وصحيح أن صافي إجمالي الموجودات الأجنبية للبنوك الكويتية قد شهد بعض التراجع بين العام 2007 ومنتصف 2008، إثر ارتفاع ودائع غير المقيمين في الجهاز المصرفي، لكنه عاد وعكس مساره منذ ذلك الحين. والأهم من ذلك، أنه نظرا إلى أن حجم الموجودات الأجنبية للبنوك الكويتية يبقى أعلى من التزاماتها الأجنبية، فإن تسييل بعض موجوداتها في الخارج سيكون كافيا لتعويض أي خروج مضطرد للأموال الأجنبية من الجهاز المصرفي (ولو أن ذلك يستبعد حدوثه). وفي المقابل، فإن بنوك الإمارات تبقى مقترضا صافيا من الخارج (أي حجم التزاماتها الأجنبية يفوق حجم موجوداتها الأجنبية)، وذلك على الرغم من التحسن الطفيف الذي شهدته في هذا الإطار.
وبشكل عام، أظهرت الحكومة الكويتية دعمها للجهاز المصرفي المحلي، وذلك عبر ضخ أموال ضخمة على شكل ودائع حكومية وشبه حكومية خلال الأشهر الـ 18 الماضية (تقارب 1.9 مليار دينار كودائع حكومية مباشرة بالإضافة إلى مبلغ مماثل تقريبا من المؤسسات شبه الحكومية)، وعبر ضمان الودائع ودعمها رسملة البنوك، وذلك إلى جانب الأدوات التمويلية الجديدة التي وفرها بنك الكويت المركزي للبنوك. ونتيجة لذلك، شهدت مستويات السيولة في الجهاز المصرفي تحسنا ملحوظا هذا العام.
المستثمرون وشركات الاستثمار
وتشير البيانات المتاحة إلى أن المستثمرين الكويتيين، في المجمل، غير منكشفين بشكل كبير على الأصول الإماراتية. وتشير بيانات بنك الكويت المركزي إلى أن حصة الموجودات التي تديرها شركات الاستثمار لصالح الغير (من خارج ميزانيتها) والمستثمرة في الخارج، والتي قد تكون الإمارات إحدى وجهاتها، لا تتعدى 16% من أصل 68 مليار دولار. كما أن نحو ثلثي هذه النسبة تستثمر في سوق الأسهم، ما يعني أن حجم الأموال التي قد تكون منكشفة على ديون دبي سيكون متدنيا.
لكن شركات الاستثمار تستثمر في الخارج ما نسبته 42% من إجمالي الموجودات التي تملكها (داخل الميزانية)، والبالغة 54 مليار دولار. وقد يكون جزء من هذه الموجودات عرضة للتأثر بالأزمة في الإمارات. لكن حتى لو صدق ذلك، فإن تداعياته على القيمة السوقية لشركات الاستثمار لن يكون كبيرا، إذ ان أسعار أسهم هذه الشركات تعكس أصلا العديد من «الأخبار السيئة»، كما أن هذا القطاع، بخلاف القطاعات الأخرى في السوق، مازال يتداول دون مستوياته الدنيا التي بلغها في مارس الماضي. كذلك، فإن التداعيات الاقتصادية لأي مشكلة قد تواجهها هذه الشركات من الممكن مواجهتها عبر قانون الاستقرار المالي.
سوق التمويل
في المبدأ، من المحتمل أن تبدأ الشركات والأفراد بمواجهة بعض التشدد في الحصول على تمويل جديد مع تبني البنوك سياسات أكثر حذرا أو طلب ضمانات أكبر مقابل القروض، لكن أثر ذلك لن يكون كبيرا، لأن أساسيات الاقتصاد الكويتي لم تتغير كثيرا- إذ ليس هناك عمليات تسريح واسعة للموظفين أو تعثر بسداد القروض أو افلاسات أو تغير في الطلب. كما أن البنوك تتبنى أصلا سياسات أكثر حذرا في الإقراض هذا العام، ومن المستبعد أن تتوقف عن إقراض عملائها الرئيسيين أو الموثوق بهم، والذين لم تتأثر أعمالهم كثيرا بالأزمة.
وفي السياق نفسه، ليس هناك ما يدعو إلى تأثر القروض الممنوحة إلى القطاع العقاري المحلي بشكل ملحوظ، فالقطاع العقاري الكويتي- المغلق بمعظمه أمام المستثمر الأجنبي- لم يكن يوما عرضة إلى المضاربات على نسق دبي، وملكية العقار ترتبط بشكل وثيق بالاستخدام النهائي له. وفي العقار السكني، تمنح القروض إلى الكويتيين عادة بضمان رواتبهم التي تعتبر في مأمن شديد، إذ يعمل 81% من القوى العاملة الكويتية في القطاع العام. ولذلك، من المستبعد أن تغير البنوك سياساتها في منح القروض إلى هذا النوع من النشاط الاقتصادي.
ومن دون شك، من المحتمل أن يستمر تشدد الائتمان في الكويت نتيجة التباطؤ الأخير في النشاط الاقتصادي، ومن شأن ذلك أن يجعل سبل الحصول على تمويل للمشاريع أكثر صعوبة وكلفة. لكن هذا الاحتمال كان قائما قبل إعلان «دبي العالمية». وحتى ذلك قد لا يكون له أثر كبير على المشاريع الطموحة والمخطط لها في الكويت، مثل مشروع المصفاة الجديدة وميناء بوبيان وجسر الصبية ومشروع المترو، والتي تقودها وتمولها الحكومة.
الاقتصاد الحقيقي
ونظرا إلى هذا التأثير المحدود، فلا نتوقع أن تكون تداعيات تجميد ديون «دبي العالمية» كبيرة على الاقتصاد الكويتي. لكن الأهم في المديين المتوسط والطويل، هو حجم الإنفاق الذي ستقرره الحكومة وقدرتها على إطلاق وتنفيذ المشاريع الاستثمارية، إذ ان الأثر الإيجابي لذلك سيكون أكبر من أي انعكاس لأزمة ديون دبي. فزيادة الإنفاق الحكومي ليس من شأنها أن تحفز الطلب في الاقتصاد فحسب، بل إنها قد توفر أيضا دفعا قويا لمستويات الثقة فيه، وتحد من أي ارتفاع محتمل في عدد القروض المتعثرة.
وفي هذا السياق، تبدو آفاق العام 2010 مشجعة حتى الآن، إذ تشير التقارير الصحافية إلى أن الحكومة قد ترفع حجم مصروفاتها للسنة المالية 2010/2011 بما نسبته 35%، ومن ضمنها زيادة الإنفاق الاستثماري بنحو 42%، وقد يمثل ذلك أكبر زيادة في حجم الإنفاق الحكومي خلال السنوات الأخيرة.
وفي المدى الأطول، من الضروري أن تتعلم الكويت من أخطاء دبي وتكون أكثر حذرا منها، من دون أن ترزح تحت وطأة الديون التي قد تكون آثارها حادة على الاقتصاد الإماراتي. وعلى الرغم من أن العديد من التحديات مازالت قائمة أمام الاقتصاد الكويتي في المدى الطويل- مثل تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط وإدارة النمو السكاني السريع وتحسين مستوى الشفافية والحوكمة لدى الشركات- إلا أنه سيكون من الأسهل مواجهة هذه التحديات من موقع مالي قوي، أكثر منه من موقع ضعيف.
التداعيات على الاقتصاد الإماراتي
وبينما نتوقع أن تكون التداعيات الاقتصادية لطلب «دبي العالمية» تجميد ديونها محدودة على الاقتصاد الكويتي، إلا أن الصورة قد تكون مختلفة بالنسبة للاقتصاد الإماراتي. بالطبع من الصعب حاليا تقدير التداعيات الاقتصادية الكاملة، لاسيما أن تبعات هذا الإعلان على الدائنين مازالت غير واضحة. وقد يوافق المستثمرون على المضي في عملية إعادة الهيكلة في ظل إجراءات شفافة وسريعة تقدم لهم نتائج منطقية ومقبولة. لكن نظرا إلى حجم أعمال «دبي العالمية» ورمزيتها في الإمارة، فمن المحتمل أن تكون التداعيات الاقتصادية على دبي- وإلى حد أقل على الإمارات بشكل عام- حادة في المدى القصير. أما في المدى الطويل، فمن المستبعد أن تتخلى دبي عن ريادتها كمركز تجاري في المنطقة، ولو أنها قد تخسر بعض المميزات التي تتمتع بها مقارنة مع أقرانها.
التداعيات المالية
وفي استجابة فورية لهذه التطورات، هوت أسعار الأسهم في الإمارات بشكل حاد، مع توجه المستثمرين إلى خفض درجة انكشافهم على الشركات المحلية وإعادة تقييم المخاطر التي تحملها. ومنذ الإعلان عن تجميد الديون حتى تاريخ إعداد التقرير، هوت بورصتا دبي وأبوظبي بنحو 27% و15% على التوالي، مع تأثر القطاعين العقاري والمالي بشكل خاص، ووفقا لتقديراتنا، فإن هذا الهبوط قد خفض القيمة السوقية للأسهم الإماراتية بمقدار 23 مليار دولار. وللوهلة الأولى، يبدو أن هذا الهبوط قد يقوض تعافي الوضع المالي لقطاع الشركات، لكن هذا التعافي، في الواقع، لم يصل أصلا إلى حد يمكن البناء عليه. إذ رغم أن أسعار الأسهم في دبي وأبوظبي كانت قد ارتفعت بحلول شهر أكتوبر بأكثر من 50% مقارنة مع مستوياتها المنخفضة في فبراير، إلا أنها بقيت أدنى بما نسبته 60% من المستويات القياسية التي بلغتها في صيف 2008.
وبعيدا عن أسواق الأسهم، قد تواجه الشركات الإماراتية حاليا بيئة أكثر صعوبة للحصول على تمويل. فإصدارات السندات التي اكتسبت زخما خلال الأشهر الأخيرة، باتت على الأرجح أصعب في ظل الظروف الحالية. وبالتالي، فإن الشركات الإماراتية التي ستستطيع الحصول على تمويل من خلال سوق السندات ستضطر على الأرجح لأن تدفع عائدا أعلى عليها.
لكن الأهم من ذلك ربما، أن آفاق سوق الائتمان المصرفي تبدو أضعف من السابق مع تبني البنوك سياسات أكثر تحفظا. وهذا الأثر قد يتضاعف في حال اضطرت البنوك لأن تتخذ المزيد من المخصصات لمواجهة عمليات التعثر المتزايدة وتراجع أسعار الأصول. وكان البنك المركزي الإماراتي قد أعلن بعد أربعة أيام من طلب تجميد الديون، عن طرح أدوات جديدة لتوفير السيولة للبنوك، تسمح لها الاقتراض بسعر 50 نقطة أساس فوق سعر الايبور لأجل 3 أشهر. وذلك في إشارة إلى المخاوف من التداعيات المحتملة لنقص السيولة على النظام المالي والاقتصاد ككل. وكان حجم القروض الممنوحة من البنوك إلى القطاع الخاص قد ارتفع بواقع 2% فقط منذ بداية 2009 وحتى الآن، ما يمثل تباطؤا حادا مقارنة مع ما متوسطه 35% سنويا خلال السنوات الخمس الماضية حتى نهاية 2008. وستواجه جميع القطاعات التي تعتمد على الاقتراض وضعا صعبا، مثل القطاع الاستثماري والعقاري وإنفاق المستهلكين. وبشكل عام، من المرجح أن يشهد التمويل الذي يعاني من الضعف أصلا، تشددا إضافيا، وذلك من شأنه- في حال حدوثه- أن يعرقل مسار تعافي الاقتصاد الإماراتي.
التداعيات على الاقتصاد الحقيقي
كذلك، من المتوقع أن يتأثر الاقتصاد الحقيقي سلبا من خلال عاملين إضافيين على الأقل. لكن هنا أيضا، وفي ظل الغموض الذي يكتنف عملية إعادة جدولة الديون، من الصعب تقدير حجم هذا التأثير على وجه الدقة. وهذان العاملان هما:
الثقة: قد تكون الثقة الأكثر تأثرا في حال استمر الغموض المخيم على وضع الديون. وقد تلجأ الشركات إلى تعليق خططها الاستثمارية والتوظيفية، وعلى الرغم من أن معدل التوظيف يعتبر أكثر أهمية بالنسبة للمستهلكين، إلا أن الخطط الاستثمارية قد تكون في المدى الطويل أكثر أهمية استراتيجيا بالنسبة للاقتصاد.
دائنو ومقاولو «دبي العالمية»: من المتوقع أن يواجه هؤلاء تأخيرا في تحصيل أموالهم أو تراجعا في العائد على استثماراتهم. وعلى الرغم من أن قيمة إجمالي التزامات «دبي العالمية» البالغة 59 مليار دولار تعتبر مرتفعة جدا، وأن عددا كبيرا من الشركات المرتبطة بخطوط عمل «دبي العالمية» سيتأثر بقراراتها، إلا أن عوامل أخرى قد تحد من تداعيات ذلك على الاقتصاد. أولا، إن العديد من دائني ومقاولي «دبي العالمية» هم من خارج الإمارات، وبالتالي فإن خسائرهم لن تؤثر بشكل مباشر على أداء الاقتصاد المحلي (رغم أن التداعيات الاقتصادية لتراجع السمعة ستكون كبيرة)، وثانيا، فإن هذه المدفوعات كانت ستتأخر من دون شك حتى قبل اتخاذ هذا القرار، لذلك ليس من الواضح ما إذا كان ذلك قد زاد الأمور سوءا. وثالثا، في حال نجحت «دبي العالمية» في خفض قيمة خدمة ديونها، فذلك من شأنه أن يوفر بعض السيولة وأن يتيح لها أن تسدد ما يترتب عليها لمقاوليها في المدى القصير.
ورغم أن الأزمة قد تركزت في دبي، يبقى من المهم الإشارة إلى أن شركات أبوظبي لن تكون بمنأى عن تداعياتها من خلال انكشافها على دبي. ويتوقع أن تكون العديد من بنوك أبوظبي بين أكثر البنوك انكشافا على «دبي العالمية». لكن من المؤكد أن السلطات الإماراتية ستقدم دعما قويا لأي بنك قد يعاني جراء ذلك.
تداعيات إعادة الهيكلة على القطاع العقاري في دبي
من أجل تقدير تداعيات قرار «دبي العالمية» على القطاع العقاري في دبي، من المفيد فهم حالة السوق العقاري قبل تاريخ الإعلان عن القرار في 25 نوفمبر، فأسعار العقارات في دبي كانت قد شهدت نوعا من الاستقرار مؤخرا، وذلك عقب الهبوط الحاد الذي شهدته منذ الربع الثالث من العام 2008. ووفقا لمؤسسة «كولييرز»، هبطت أسعار مبيعات السكن الخاص والإيجارات بين الربع الثالث من 2008 والربع الثالث من 2009 بنحو 43% و49% على التوالي. لكن أسعار السكن الخاص أظهرت مؤخرا علامات على الاستقرار، بل حتى علامات على تعاف معتدل. وفي الواقع، تراجعت أسعار المبيعات في الربع الثاني من 2009 بنحو 9% على أساس ربع سنوي، فيما كانت قد هوت 41% في الربع الأول.
وقد تشمل إعادة هيكلة «دبي العالمية» سيناريوهين محتملين على الأقل. السيناريو الأول يتمثل بتصفية شركة «نخيل» بشكل كامل، مع نقل جميع مشاريعها المنجزة إلى شركة «إعمار» العقارية. وقد ينطوي هذا بدوره على احتمال إلغاء أو التأخر في تنفيذ وتسليم مشاريع «نخيل» قيد التطوير. وفي رأينا، نستبعد أن يترجم هذا السيناريو على أرض الواقع، وذلك لأسباب عديدة: أولا أن «نخيل» تعتبر «جوهرة دبي» بالمعايير العقارية. فهي تتمتع بشهرة واسعة وعلامتها التجارية تتمتع بحضور قوي في المنطقة، وثانيا، من شأن تصفية «نخيل» أن تترك أثرا سلبيا كبيرا على شعور المستثمرين في السوق العقاري في دبي، وثالثا إن تجميد تنفيذ مشاريع «نخيل» غير المنجزة من شأنه أن يعطي السوق العقاري في دبي طابع «السوق المهجور»، ورابعا، من شأن أي دمج مع «إعمار» أو انطواء تحت رايتها أن يطرح تحديات مالية وتشغيلية جمة في المدى القصير، إذ ان «إعمار» نفسها في طور عملية دمج ضخمة مع «دبي بروبرتيز» و«سما دبي» و«تطوير». كما أن من شأن هكذا دمج أن يعرض «إعمار» لمخاطر متزايدة في سوق العقار في دبي.
وفي السيناريو الثاني، الأكثر احتمالا والأقرب إلى ما أعلنته «دبي العالمية» حتى الآن حول إعادة الهيكلة، نتوقع أن تخضع «نخيل» لعملية إعادة هيكلة ضخمة في الجوانب التشغيلية والمالية، وأن تشهد محفظة مشاريعها التطويرية تغيرات كبيرة عبر بيع أصول أو إلغاء وتأجيل مشاريع وفقا لظروف السوق. ورغم أن هذا السيناريو لن يجنب القطاع العقاري في دبي الانعكاسات السلبية في المدى القصير، لكن من شأنه أن يهيئ أرضية لمستقبل أفضل. وفي المدى القصير، من المرجح أن ترزح أسعار العقارات في دبي تحت ضغوط متزايدة، ونتوقع في الوقت الراهن أن تهبط الأسعار خلال الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة بما يتراوح بين 25% و30%، وفي رأينا، قد تشهد أسعار العقارات المزيد من التدهور في المدى القصير نظرا إلى أن ثقة المستثمرين قد اهتزت بشكل حاد، كما أن البنوك المحلية والعالمية قد تخفض حجم التمويل والسيولة بشكل أكبر.
لكن في المدى الطويل، نتوقع أن يستفيد القطاع العقاري في دبي من دروس هذه الأزمة لأسباب عدة: أولا، من شأن عملية إعادة الهيكلة أن تحقق نوعا من التوازن في المعروض خلال السنوات القليلة المقبلة. وبينما من الصعب الحصول على تصور دقيق لحجم المعروض الفعلي المتوقع من «نخيل»، نشير إلى أن القيمة الدفترية لمشاريع «نخيل» التطويرية تشكل ما نسبته 80% من إجمالي حجم القطاع العقاري في دبي في العام 2008 (وذلك يشمل مشاريع «إعمار» و«يونيون بروبرتيز» و«ديار»). لذلك من شأن أي تباطؤ أو تعليق في مشاريع «نخيل» أن يساهم بشكل ملحوظ في خفض حجم المعروض من السكن الخاص في دبي خلال السنوات القادمة. وفي رأينا، فإن المشاريع الرئيسية لـ «نخيل» في جزيرة جبل علي وجزيرة ديرة قد يجري تأجيل موعد الانتهاء من تنفيذها إلى ما بعد العام 2020، أو تعديل حجمها بشكل ملحوظ. وثانيا، إن إعادة هيكلة «دبي العالمية» والشركات العقارية التابعة لها على المستوى المالي والتشغيلي من شأنها أن تضع هذه الشركات في وضع أفضل ماليا وتشغيليا، وثالثا، من شأن إعادة هيكلة بعض الشركات المرتبطة بالحكومة أن تساعد الإمارة على مواصلة ريادتها كمركز إقليمي، وفي الوقت نفسه، أن تكون أقل جذبا للمضاربات العقارية، لكن نظرا إلى حجم ديون دبي، من المفيد الإشارة إلى أنه من المحتمل أن تمثل إعادة هيكلة بعض شركات «دبي العالمية» بداية لعملية أطول لإعادة هيكلة العديد من شركات دبي، وفي هذه الحال، نتوقع أن يكون الأثر أشد وطأة في المدى القصير، وقد يستمر حتى المدى المتوسط.
وفي حال أدت هذه العوامل إلى تخفيض الاستهلاك وحجم الاستثمار، ولم يتم التعويض عن ذلك من خلال رفع الإنفاق في نواح أخرى، فقد يشهد الاقتصاد الإماراتي فترة من الطلب الضعيف وتراجعا في أسعار الأصول. ولكن مادامت أساسيات الاقتصاد لم تتأثر بشكل جوهري، فإن التداعيات على المدى الطويل قد لا تكون حادة: فضعف الطلب في المدى القصير من شأنه ببساطة أن يمهد الطريق أمام نمو استثنائي عندما يتعافى الاقتصاد، ليعوض بذلك تباطؤ النمو ويرفع متوسطه لفترة محددة من الزمن.
لكن نظرا إلى الاهتمام الدولي بإعلان دبي تجميد الديون، هناك أيضا مخاوف من أن يتأثر موقع دبي سلبا على خريطة الاستثمار العالمية، ما من شأنه أن يقوض قدرتها على الحصول على تمويلات ضخمة في السنوات المقبلة والتأثير سلبا على الآفاق الاقتصادية في المدى الطويل. ويبدو من المحتمل أن تطول تداعيات تأثر السمعة على موقع دبي الاقتصادي (وبالتالي الإمارات). ففي الحد الأدنى، قد يبدأ المستثمرون بطلب ضمانات كافية قبل منح رأس المال للتأكد من الشركات التي تحظى فعليا بالدعم الحكومي، أو طلب درجة أعلى من الشفافية عند إقراض شركات دبي. وفي حال أدى ذلك إلى الحد من القدرة على الحصول على رأس المال الخاص لدعم المشاربع التطويرية المستقبلية، فإن مميزات دبي التنافسية مقارنة مع الدول الخليجية الأخرى قد تبدأ بالانحسار.
لكن في الوقت نفسه، من الخطأ أن نكون متشائمين جدا حيال التطلعات الاقتصادية لدبي في المدى الطويل. فرغم حجم الدين المتراكم الذي سيتطلب سنوات لتسديده، هناك أوجه إيجابية لهبوط أسعار الأصول وانفجار الفقاعة العقارية، فذلك ليس من شأنه أن يخفض تكلفة القيام بالأعمال في الإمارة فحسب، بل إنه قد يساهم أيضا في التخفيف من درجة التفاؤل المفرط ومن وتيرة المضاربات التي سطرت الطفرة غير المستدامة خلال السنوات الأخيرة. ومع عودة نمو الائتمان إلى مستويات متوازنة، فإن الأزمة ستساهم في إقصاء الاستثمارات ذات الجدوى الاقتصادية المتدنية، وتحسين استغلال الموارد في دبي في المدى الطويل.
والأهم من ذلك أن شركات دبي، ورغم حجم الديون المتراكمة عليها، قد راكمت أيضا قائمة طويلة من الأصول. ومن هذه الأصول، البنى التحتية ذات المعايير العالمية، وبيئة منخفضة الضرائب، والخبرات الماهرة في قطاعات أساسية. ومن شأن هذه الأصول أن تولد دخلا سيدعم أداء اقتصاد دبي مع الوقت ومساعدتها على سداد ديونها.