"جميعنا يعلَم بالطبع أن الوزن الزائد يؤثر سلباً في صحتنا. لكن ما مدَى هذا التأثير؟ هل صحيح أنَّ السِّمنة تزيد من خطر الإصابة بأمراض مميتة، مثل السرطان ومرض القلب؟"

إذا كانت ترهلات جسمك لا تزعجك إلى درجة تحثك على السعي نحو الرشاقة، وإذا كنت تحتاج الى مزيد من الدوافع لتتبنَّى نظاماً غذائياً أفضل من نظامك الحالي، ولتزيد من نوعية وكمية أنشطتك البدنية، فإن فوائد تخفيف الوزن الصحية الْمُدرَجَة أدناه، قد تفي بالغرض. أليس تفادي هذا العدد الكبير من المخاطر الصحية كافياً ليحفزنا على بذل بعض المجهود للتخلص من الكيلوغرامات الزائدة؟ ومن الضروري أن نعرف جميعنا أن زيادة الوزن ترتبط بالعديد من الأمراض الخطيرة مثل مرض القلب، السكتة الدماغية، السكري وبعض أشكال السرطان. كذلك فإنَّ زيادة الوزن تسبِّب مجموعة من اضطرابات صحية ذات خطورة متفاوتة تتراوح بين الدوالي والأرق. وباختصار، تشير جميع الإحصاءات إلى أن الوصول إلى الوزن الصحي والحفاظ عليه ضروريان للتمتع بصحة جيدة لأطول مدة ممكنة. ومن المؤكد أن العديد من المشكلات الصحية الرئيسية يتزايد لدى البدين (أي الذي يزيد وزنه بنسبة تصل الى 20% أو أكثر، على وزنه الصحي). ولكن، في المقابل نجد أن تحسين الحالة الصحية بشكل ملحوظ لا يتطلب خسارة كبيرة في الوزن. على سبيل المثال، وكما جاء في تقرير أصدرته دائرة الصحة العامة الأميركية في ميتشغان، فإن التخلص من 4 أو 5 كيلوغرامات من الوزن الزائد كفيل بالتخفيف من ارتفاع ضغط الدم. أما أبرز الفوائد الصحية التي يجنيها كل مَن يتخلص من وزنه الزائد فهي:

1- التمتع بقلب سليم: تُعتبر السِّمنة عاملاً بارزاً في التسبُّب بمرض القلب وبارتفاع ضغط الدم، وما قد ينتج عنهما من نوبات قلبية وسكتات دماغية مميتة. فكلما ازداد الوزن على مستواه الصحي، اضطر القلب إلى بذل المزيد من الجهد في ضخ الدم إلى جميع أنحاء الجسم، وكلما ازداد الضغط الذي يرزَح تحته. وكانت الأبحاث التي أُجريت في مركز أبحاث البدانية التابع لجامعة بنسلفانيا الأميركية، قد أظهرت أن اتّباع نظام غذائي لتخفيف الوزن يؤدي، حتى في مراحله الأولى، إلى خفض تلقائي وملحوظ في ارتفاع ضغط الدم. من جهة ثانية فإن أنواع الطعام التي نأكلها تُسهم أيضاً في تحديد صحة الشرايين والقلب. فالنظام الغذائي الغني بالدهون، خاصة الدهون المشبعة الموجودة في اللحوم والمنتجات الحيوانية، يُسهم في تَضيّق الشرايين وتصلّبها وفي إعاقة الدورة الدموية فيها. أما النظام الغذائي الذي تشكل الدهون الصحية فيه حوالي 25% من مجمل الوحدات الحرارية، فهو يحافظ على مرونة الشرايين وعلى صحة القلب.

2- رفع مستويات الكوليسترول المفيد: من المعروف أن نوعية الطعام، خاصة الدهون التي نأكلها تسهم في رفع مستويات الكوليسترول الضار.

وقد أصبح معروفاً أيضاً أن التخلص من الوزن الزائد يساعد على رفع مستويات الكوليسترول المفيد، الذي يسهم في إزالة الترسبات عن جدران الشرايين. ويقول الدكتور لويس آرون، أستاذ الطب المساعد في جامعة كورنيل في نيويورك، إنه كلما كان الشخص يافعاً، وكلما كانت كمية الدهون في جسمه قليلة، ازدادت فرصه في خفض مستويات الكوليسترول لديه وحصرها في الحدود الجيدة (ما بين 175 و195 ملغ من الكوليسترول العام في كل دسل من الدم. بحيث يُعتبر 60 ملغ/ دسل من الكوليسترول الحميد مستوى جيداً، غير أن انخفاضه إلى أقل من 35 ملغ/ دسل يُعتبر عاملاً من عوامل الخطر المتعلقة بالإصابة بمرض القلب. أما بالنسبة إلى الكوليسترول الضار فمستواه الجيد هو 130 ملغ/ دسل، وهو يشكل عامل خطر عندما يصل الى 160 أو أكثر). ويقول الدكتور كزافييه سونير، مدير مركز أبحاث البدانة في مستشفى روزفلت في نيويورك، إننا، ولحسن الحظ لا نحتاج الى بلوغ وزننا المثالي حتى نبدأ في الحصول على نتائج إيجابية متعلقة بالكوليسترول الحميد. فمجرد التخلص من حوالي 10% من مجمل الوزن يؤدي إلى ارتفاع في مستويات هذا الكوليسترول. من جهة ثانية فإن مستويات الكوليسترول العام تميل إلى الارتفاع مع التقدُّم في السن، من هنا ضرورة الحرص على تفادي زيادة الوزن في حالات الوزن الصحي، والعمل على خفضه في حالات الوزن الزائد.

3- التخفيف من خطر الإصابة بالسكري: يُعتبر السكري من أكثر الأمراض الخطيرة ارتباطاً واضحاً بزيادة الوزن. وتشير الإحصاءات إلى أن 90% من مجمل المصابين بالسكري يعانون بسبب السكري من الفئة الثانية الذي يرتبط مباشرة بزيادة الوزن. وتؤكد الدكتوره سوزان يانوفيسكي، الاختصاصية في المؤسسة الوطنية الأميركية للسكري وأمراض الجهاز الهضمي والكليتين في ماريلاند، أنه لا يوجد أدنى شك في أن البدانة تلعب دوراً رئيسياً في الاصابة بمرض السكري، ولكن لحسن الحظ هنا أيضاً، فإن أي انخفاض في الوزن، حتى لو كان ضئيلاً، يساعد على التخفيف من خطر الإصابة في السكري، ويُحسِّن من مستويات سكر الدم لدى الأشخاص المصابين به. ويقول الدكتور سونير، إنَّ مستويات سكر الدم تتحسّن لدى المصابين بسكري الفئة الثانية، في غضون أيام قليلة من البدء في النظام الغذائي الهادف إلى تخفيف الوزن، ويمكن في بعض الحالات التخفيف من جرعة الأدوية التي يتناولونها، أو حتى الاستغناء عنها.

4- الوقاية من السرطان: على الرغم من وجود جدل حول ما إذا كانت زيادة الوزن تلعب دوراً في الإصابة بسرطان الثدي، إلا أنه من المؤكد أن هناك علاقة بين سرطان الثدي وبين النظام الغذائي الغني بالدهون، وهو الذي يقود عادة الى زيادة الوزن. وكانت الإحصاءات قد أظهرت أن نسبة الإصابة بسرطان الثدي في اليابان (حيث النظام الغذائي أفقر بالدهون من النظام الغربي، على الأقل حتى عهد قريب) تقل بكثير عن مثيلتها في الدول الغربية. غير أن الأمور بدأت تتغير، فمع ازدياد نسبة الدهون التي يتناولها اليابانيون اليوم، ومع التشابه الذي بدأ يظهر بين نظامهم الغذائي الحالي وبين النظام الغربي الغني بالدهون. تشهد اليابان اليوم ازدياداً في حالات الإصابة بسرطان الثدي. ويعتقد بعض اختصاصيي التغذية أن أفضل طريقة للوقاية من سرطان الثدي، الحرص على ألاّ تشكل الدهون أكثر من 20% من مُجمل الوحدات الحرارية في النظام الغذائي. غير أن البعض الآخر يقول إنه يمكن لهذه النسبة أن تصل إلى 30% من دون أن تشكل خطراً على مستوى الإصابة بسرطان الثدي.

إضافة إلى سرطان الثدي تشير الدراسات الى أن النساء السمينات يكنَّ أكثر عرضة للإصابة بأنواع أُخرى من السرطان، مثل سرطان الرحم والْمِبْيَض. وتقول الدكتوره يانوفيسكي إن البدانة تؤدي إلى رفع مستويات الإسترون، وهو هرمون يزيد من خطر الإصابة بالسرطان. وعلى الرغم من أن كل الأدلة المتعلقة بهذه المسألة غير واضحة تماماً اليوم، إلا أن التمتع بوزن صحي قد يساعد على الأرجح في الوقاية من أنواع السرطان هذه. وكانت الإحصاءات قد أظهرت أن النظام الغذائي الغني بالدهون يرتبط لدى الرجال بالإصابة بسرطان البروستاتا.

5- الحفاظ على ظهر قوي ومفاصل مرنة: من البديهي أن تشكل الكيلوغرامات الزائدة ضغطاً إضافياً على الظهر. فمجرد 5 كيلوغرامات زائدة في منطقة البطن، تعني أن عضلات الظهر تضطر إلى بذل قوة كبيرة جداً، للحفاظ على توازن الجسم. وينصح الأطباء جميع مَن يشكون آلاماً في الظهر بتخفيف أوزانهم. من جهة ثانية يعتقد الأطباء أيضاً أن تخفيف الوزن يساعد على الوقاية من الالتهاب العظمي المفصلي، وذلك لأنه يخفف من الضغط الذي تتعرض له المفاصل، خاصة مفاصل الركبتين. وعلى سبيل المثال يمكن لامرأة وزنها 80 كيلوغراماً أن تخفف من خطر إصابتها بالالتهاب العظمي المفصلي بنسبة الثلث، إنْ هي تخلصت من 5 كيلوغرامات زائدة من وزنها. ويساعد تخفيف الوزن أيضاً على إراحة مفاصل الوركين.

6- رفع مستويات الطاقة: يكفي أن نتخيل التعب الذي نشعر به عندما نمشي ونحن نحمل أغراضاً وزنها 15 كيلوغراماً، لكي نعي التأثير السلبي الذي تخلفه زيادة مشابهة في أوزاننا، في نشاطنا وحيويتنا. والواقع أن أول ما يشير إليه الأشخاص الذي يتبعون حمية لتخفيف الوزن. إحساسهم بالنشاط وبارتفاع في مستويات الطاقة لديهم، بعد تخلصهم مما يتراوح بين 2 و5 كيلوغرامات زائدة من وزنهم. كذلك فإن جميعهم أكدوا أن خسارة الوزن الزائد ساعدتهم أيضاً على تحسين نوعية نومهم. فالعديد من أصحاب الوزن الزائد يعانون اضطراباً في انقطاع التنفُّس المؤقت خلال النوم، ومعظم الحالات تظل من دون تشخيص. وتجدُر الإشارة الى أن الأشخاص الذين يعانون اضطرابات ما، لا يُشخِّرون فقط، بل إنَّ مجاري التنفُّس لديهم تنسد. ويؤدي ذلك عادة الى استفاقتهم مرات عدّة أثناء الليل، فلا يحصلون على القدر الكافي من النوم المريح الضروري، وبالطبع فإنهم في اليوم يعانون إرهاقاً وفقداناً في القدرة على التركيز نتيجة ذلك.

7- التخفيف من صعوبات الحمل والولادة: تقول اختصاصية التغذية الأميركية جوان هيسلين، إنه كلما اقترب وزن المرأة من مستواه الصحي والمثالي، سهّلت عليها فترة الحمل والولادة، حيث إنَّ عملية الوضع تكون أسهل لدى المرأة اللائقة بدنياً، مقارنة بالمرأة ذات الوزن الزائد. كذلك فإنَّ هذا الوزن قد يُعرِّض حياة الحامل وجنينها للخطر، وذلك إذا احتاجت إلى عملية جراحية أثناء الوضع، إذ قد يضطر الجرّاح الى إزالة طبقات سميكة من الدهن قبل أن يتمكن من إخراج المولود. وتقول الدكتورة يانوفيسكي إن الأم ذات الوزن الزائد تكون أكثر عرضة للمضاعفات المرتبطة بالحمل، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم.

8- تقصير فترة النقاهة والوقاية من الأمراض: تُشكِّل زيادة الوزن عاملاً يزيد من صعوبة وخطورة أي عملية جراحية يخضع لها الفرد. يقول الدكتور سونير إن التخلص من مجرد 10% كم مُجمَل الوزن يمكن أن يُقصِّر من فترة البقاء في المستشفى بعد العملية الجراحية، كما يُخفِّف من إمكانية الإصابة بمضاعفات بعد العملية.

أما حول ما يتعلق بالوقاية من الأمراض، فقد أظهرت الأبحاث التي أجراها العلماء في مركز أبحاث التغذية في سان فرانسيسكو، أنَّ تخفيف الوزن عن طريق التقليل من تناول الدهون يؤدي إلى تقوية الجهاز المناعي، حيث يخفف من إمكانية الإصابة بالأمراض والعدوَى.

9- التمتُّع بفترة شيخوخة سليمة: تشير الإحصاءات إلى أنَّ اليابانيين الذين يتميَّز نظامهم الغذائي التقليدي بانخفاض نسبة الدهون، يتمتعون بسنوات شيخوخة مَديدَة تكاد تكون خالية من الأمراض. يقول اختصاصي اللياقة البدنية والتغذية الأميركي لاري واير، إن الدراسات العلمية تُظهر أنَّ نسبة تدني الدهون في الجسم. تُسهم في تعزيز مستوى الأداء العام للفرد مع التقدُّم في السن. وكانت دراسة أجراها واير، شملت أكثر من 300 امرأة، قد أظهرت أنَّ قدرة الجسم على استخدام الأوكسجين أثناء ممارسة الرياضة، ترتفع مع انخفاض مستويات الدهون في الجسم. كذلك تَبيَّن في دراسات أُخرى، أنه كلما ازدادت كمية الدهون المتراكمة في الجسم مع التقدُّم في السن، تراجعت قدرة الفرد على الأداء العام.