ألقى التراجع الملحوظ لسوق الكويت للأوراق المالية على مدار اليومين الماضيين بظلاله من جديد على نفسية المتداولين، وهو ما اعتبره بعض المراقبين سببا طبيعيا للحالة المتردية التي يمر بها السوق منذ فترة، في ظل حالة الترقب غير المعهودة لبدء إعلان الشركات عن البيانات المالية لـ 2009 وتحديدا قطاع البنوك الذي اعتاد أن يكون السباق في هذه الخطوة.

وبينت مصادر مراقبة ان تأخر البنوك المحلية في إعلان أرباحها حتى اليوم رغم انها اعتادت على مدار السنوات الماضية ان تكون السباقة في ذلك وقبل انتهاء النصف الاول من شهر يناير قد يكون راجعا الى تشدد البنك المركزي في طلب بعض المعلومات التفصيلية عن البيانات المالية وأيضا للاستفسار عن حجم المخصصات التي سيقتطعها كل بنك لمواجهة تعثرات العملاء المحتملة فضلا عن بعض التفسيرات الخاصة بحجم القروض الممنوحة للعملاء.

وأضافت المصادر انه ورغم أن بورصة الكويت تعتبر من الأسواق الكبيرة نسبيا على مستوى دول المنطقة، إلا أنها بحاجة إلى ادارة جيدة تستطيع ان تديرها بحنكة ومهنية عالية لتتجاوز أخطاء السابق، لاسيما ان هناك مجموعة عوامل فنية كان لها آثار سلبية كبيرة على الأداء العام للسوق، إذ ان السوق يحتاج بشدة الى هيئة سوق مال ذات شخصية قوية ومحترفة لتنظم العمل حتى تقضي على عوامل الضعف والفوضى به.

وفي المقابل، نجد ان أوضاع الأسواق الخليجية الأخرى تعتمد ضوابط رئيسية تتحكم في أوضاع السوق، بالإضافة إلى تواجد هيئات لسوق المال، وهو امر يحل الكثير من المشاكل، أما الأمر الآخر فهو عدم وعي المستثمر نفسه، وذلك لعدم وجود قواعد بيانات، وبالتالي نجد ان عملية تحريك السوق تمت بشكل سريع جدا نظرا لان المستثمر يسعى لتحقيق أرباح سريعة في وقت قصير جدا، واعتقد ان هذا التداول السريع دائما ما تكون نسب الإخفاق فيه كبيرة جدا وهو ما حدث لسوق الكويت.

وتطرق المراقبون الى عنصر آخر يتمثل في فتح المجال لتأهيل الكثير من الشركات للتداول دون مبرر وهي لا تخضع لضوابط ومعايير دقيقة، وبالتالي أدى ذلك الى اغراق السوق بمعدلات تداول كبيرة من الاسهم.

ولعل من المناسب التطرق أيضا الى ضرورة توافر أدوات عملية تطرحها الحكومة في اسرع وقت حتى يستعيد السوق عافيته لاسيما وان اسواق المنطقة الاخرى بدا عليها التعافي منذ بداية العام لعوامل كثيرة جدا هي مفتقرة لدينا في الكويت.

على صعيد آخر يرى مراقبون أن الأسباب التي ساهمت في تراجع نمو أداء البورصة في ظل ارتفاع وانتعاش الأسواق الخليجية يعود الى عدم اقرار قانون الاستقرار المالي وعدم وجود قانون ينظم أداء البورصة بما فيها الإدراج والشفافية ونظام التداول وعدم تدخل الدولة بالدعم المالي وضخ السيولة، وان تمت تلك العملية على استحياء من خلال المحفظة الوطنية.

اضف الى ذلك وجود أسباب اخرى مثل عدم القدرة على إدارة الأزمات ناهيك عن توقف التنمية وتوقف طرح المشاريع الجديدة والتخوف من جانب الشركات في الحصول على قروض من البنوك مما كان له الاثر الكبير في تراجع معدلات النشاط الاستثماري للقطاع الخاص والذي انعكس سلبا على معظم الاسهم في السوق.

ولا خلاف على ان احد الاسباب الحقيقية للازمة تكمن في عدم توافر السيولة لدى الشركات، وهو يمكن ملاحظته من تراجع معدلات السيولة بالسوق على مدار الاشهر الماضية، كما أن شركات الاستثمار التي ساءت أوضاعها بشكل كبير مع الازمة تحتاج حاليا الى تشديد الرقابة الفعالة عليها حتى لا يتم التلاعب في بياناتها المالية وبالتالي فإن «المركزي» مطالب بجهود مضاعفة في هذا الجانب لمعاقبة أي حالة تلاعب قد تظهر في الافق وتطبيق الغرامات الرادعة حتى لا يقع عبء ذلك على صغار المستثمرين.

ولا شك ان عنصر آخر من العناصر التي تلقى بظلالها في قلوب المتداولين المتمثلة في سوء ادارة بعض شركات الاستثمار، حيث طالب مراقبون بضرورة وضع رقابة محاسبية مشددة على تلك الشركات حتى يتم ضبط النظم المالية للبيانات، خصوصا عقب ما واجهه السوق من تضخيم للاصول بشكل ملحوظ، لاسيما بعد شكلت الازمة شماعة للشركات تعلق عليها سوء إدارتها وتوسعاتها غير المدروسة.

كما لم يغفل المراقبون ضرورة وضع رقابة مشددة ايضا على الصناديق والمحافظ التي تتلاعب بشكل خفي بالسوق وتضر بصغار المستثمرين.

ومما لاشك فيه ان السوق الكويتي تعرض لهزات اقتصادية كبيرة جدا خلال العام الماضي، ورغم ذلك فان قدرته على التعافي كانت بطيئة جدا ايضا، وهو ما يؤكد وجود خلل فني يحتاج لتدخل سريع حتى لا يمتد اثر ذلك خلال العام الحالي وذلك في ظل وجود تغير في الفكر العام للدولة والمتمثل في خطة التنمية الجديدة التي تتضمن تنفيذ مشاريع جديدة تصل كلفتها الى 37 مليار دينار خلال السنوات الاربع المقبلة، لاسيما ان احد الأسباب السابقة في تلك المشكلة قد تمثل في ضعف المعالجات الاقتصادية التي لم تكن مبنية على إستراتيجية واضحة، وانما على ردود افعال ومحاولات سريعة عن طريق التصريحات والقرارات الوقتية ليس اكثر.

وأخيرا الوضع يحتاج الى سياسات إنقاذ سريعة وبناء تنظيمي ومالي يخدم على المدى الطويل.