مات زويل وانقطع عمله وبقي علمه ينتفع به، وأسدل الستار على مشاهد حياة واحد من أعظم رجال العلم في العالم، لكن قبل الرحيل كانت خلف الكواليس كثير من الأسرار التي لا يعرفها كثيرون في حياة العالم الراحل. 

رغم رحيل الدكتور زويل، صاحب جائزة نوبل في الكيمياء وأحد علماء الذرة المصنفين عالميًا بـ«أفضل 10 علماء في التاريخ»، فإن طلابه وكثيرين من المقربين منه لا يصدقون النبأ، والواقع يتحدث عن جنازة لزويل تم تشييعها منذ يومين في مشهد مهيب تقدمه الرئيس عبدالفتاح السيسي وكبار قيادات الدولة، واحتواه نعش ملفوف بعلم مصر، تنفيذًا لوصية الراحل.

اللحظات الأخيرة في عمر الدكتور لا يعرفها كثيرون لكن «فيتو» رصدتها من مقربين له، فالعالم الراحل لم يثنه المرض عن ترجمة عشقه لمصر والاطئمنان من حين لآخر على مشروعه العلمي الذي كان يسعى ليكون الوجه الحقيقي لمصر.
تحدث كثيرون عن نشأة العالم الراحل الدكتور أحمد زويل بمسقط رأسه في مدينة دمنهور، والتي ولد بها في 26 فبراير عام 1946، وتعلم خلال مرحلة النشأة بالمدارس الحكومية، واستكمل الحياة الجامعية بجامعة الإسكندرية، حتى حصل على تقدير امتياز في كلية العلوم وعين معيدا بها.

«زويل» كان عاشقا للقراءة والاطلاع، وكان مرتبطا بأشعار أمير الشعراء أحمد شوقي، ودائما ما يردد بعض أبياته أمام زملائه، الأمر الذي دفع بعضهم في أغلب الأوقات لإطلاق اسم «شوقي»عليه، ولم يبدأ نبوغ زويل في الولايات المتحدة الأمريكية بل كان معروفًا بتفوقه منذ صغره، وكان يقوم بعمل اختراعات بدائية ويقدمها لزملائه وأهالي منطقته، حتى أن أسرته علقت لافتة على باب غرفته كتبوا عليها «غرفة الدكتور أحمد»، قبل التحاقه بالجامعة.
عُين «زويل» معيدًا بكلية العلوم في الإسكندرية ولأن لديه رغبة في الوصول إلى هدف محدد قرر التقدم لبعثة خارجية، واختار أمريكا وجهة له، ولكن حظه وقتها كان يعارضه، لأن مصر آنذاك كانت تمنع السفر إلى أمريكا، ولم يكن أمامه خيار سوى الاتحاد السوفيتى والمجر وذلك في عام 1967.

من الأمور المستغربة في رحلة الدكتور أحمد زويل هنا أنه كان لا يعلم أي شيء عن هذه الدول مقارنة بمعرفته بأمريكا، معترفا وقتها بأن هذه الدولة ستقود سلاح العلم، ولكن المفاجأة أنه استقبل خطابا بالمنحة في أمريكا فلم يصدق عقله ما جاءت به سطورة لدرجة أنه قال عنها: «قرأتها 10 مرات لكى أتاكد أنه يحمل اسمى».
بداية المعاناة كانت مع الروتين المصرى، حيث ذهب بالخطاب إلى الجامعة وقدمه لأحد المسئولين، لكن كان الرد صادمًا: «مين اللى قالك إنك انت صاحب المنحة، هو علشان اسمك فيه يبقى انت اللى تروح انت فاكر البلد سايبة؟، لازم تجيب موافقة جميع زملائك المعيدين وكانوا 30 معيدًا وقام بالحصول على موافقتهم جميعا بعدم رغبتهم في المنحة».

عندما عاد «زويل» للمسئول نفسه وجده يحبطه بأن هناك قانونا يؤكد وجوب عمله كمعيد لمدة عامين في الحكومة قبل السفر للخارج، لم يجد العالم الراحل سوى الذهاب يوميا إلى وزارة التعليم العالى للحصول على موافقة بالسفر وطلب منه موافقة رئيس الجامعة قبل الوزير، وأثناء ذهابه إلى مكتب رئيس الجامعة أوقفه «الفراش»، قائلا له: «أنت رايح فين كده لوحدك هي سايبة؟.. فقص عليه العالم الكبير قصته، فطلب منه الفراش أن يحمل (البوستة) الخاصة برئيس الجامعة ويذهب خلفه، وقام بعدها بالسماح له بمقابلة رئيس الجامعة وسمع منه ووافق له على الطلب».

كان زويل يعتقد أن هناك استقبالا كبيرا ينتظره في أمريكا، ولكن ذلك لم يحدث وواجه صعوبة في اللغة الإنجليزية في بداية مشوراه هناك، خاصة أنه كان يحتاج إلى كورسات تقوية وهو ما سعى إليه فور وصوله، وظل باحثا في جامعة كاليفورنيا حتى عام 1976، ثم انتقل إلى جامعة «كالتك» التي تضم علماء مختلفين من الحاصلين على جائزة نوبل، وظل يعمل بها حتى وصل إلى منصب مدير معمل العلوم الذرية ورئيس قسم علوم الكيمياء الفيزيائية، وكان خلفا لأحد كبار العلماء في أمريكا وكان يشغل رئاسة القسم قبله وهو «لينوس باولنج» صاحب جائزة نوبل مرتين.

حرص زويل على أن يخدم مصر بكل ما يملك من قوة وعلم وفكر، وقرر إنشاء مشروع قومى يخدم الدولة المصرية، لكن أكثر ما أغضب زويل هو وجود عدد من المسئولين كانوا يعارضون مشروعه، وفى أحد لقاءته الأخيرة، كشف الدكتور زويل أن وزير التعليم العالى الأسبق الدكتور مفيد شهاب كان ضد مشروعه العلمى بمصر، ووقف ضده ولم يساعده رغم أن حلمه الكبير كان يتمثل في وجود الصرح العلمى لمدينة زويل العلمية، رغم أن مجلس الوزراء وقتها قرر إطلاق اسم زويل على المشروع، وقال زويل قبل وفاة بـ5 أشهر إن المدينة العلمية محصنة بالقانون، ولا يستطيع أي وزير الاقتراب منها نهائيا.

أما «شريف فؤاد - المتحدث الإعلامي لزويل» فكشف عن اللحظات الأخيرة في حياته وآخر الرسائل التي طلبها منهم بعد أن اشتد عليه المرض وحجزه بالعناية المركزة، ومنع جميع وسائل التواصل والتليفونات عليه، بتشديدات من طبيبه الخاص الدكتور هاني، إلا أن زويل ألح على أسرته إلحاحا شديدا بضرورة إجراء اتصال بمصر، وقاموا بتسريب هاتفه المحمول واتصل به للاطمئنان على سير العمل وبعض الأمور، وأثناء المكالمة دخل عليه طبيبه منفعلا: «تفكيرك في مصر هيموتك»، فرد قائلا: «لو موتي هيكون بسبب حاجة بعملها علشان مصر هموت مرتاح».
وسرد شريف موقفا آخر وكان قبل وفاة زويل بأسبوع واحد، إذ قام العالم الكبير بإرسال رسالة عبر البريد الإلكتروني الخاص بالجامعة طالبهم بتصوير قبره، وتم ذلك في أسرع وقت، وأرسلت الصور إليه، خصوصًا أن جميع الاتصالات الأخرى كانت ممنوعة عنه، ولا أحد يعلم حتى الآن إذا ما كان رأى صور القبر أم لا.

«الدكتور صلاح عبية رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا» قال إن آخر بريد إلكتروني وصل من الدكتور زويل له طلب فيه الاطلاع على مهام العمل بالجامعة، وكان حريصا على متابعة كل الأمور على فراش مرضه، وكان جديا في التعامل الإدارى والمهنى بالجامعة، وكان كل ما يأمل به هو خدمة المشروع كى يخرج إلى النور ويتحقق حلمه في خدمة بلدة خاصة وأنه نقل أحدث العلوم المختلفة في العالم إلى مصر.