أكثر المتفائلين، قبل انطلاق الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأمريكية، كان يرى فى مرشح الحزب الجمهورى الأكثر جدلًا، دونالد ترامب، مرشحًا يفتقر إلى الجدية، وأنه لن يبقى فى السباق الرئاسى إلا مؤقتًا، بينما سيحقق مرشحو الحزب أصحاب السيرة الذاتية الجيدة، الذين يحظون بدعم قوي من الحزب نتائج جيدة، بمن فيهم جيب بوش وسكوت ووكر.

سيناريو «ريغان»
لكن، ومع التقدم الساحق للمرشح المثير للجدل، بات الحديث عن حظوظه بالانتخابات الرئاسية مقترنًا بالجملة الشهيرة "إن الأذكياء وحدهم من لم يتوقعوا فوز الرئيس رونالد ريغان، الذي استهتر به خصومه جدا، حين أعلن ترشحه فقد ظنوا أنه مجرد ممثل أحمق، وكذلك الأمر مع ترامب، فمنذ إعلانه للانضمام للسباق الرئاسي لم يتوقع أحد وصوله إلى جولات التصفية النهائية داخل الحزب الجمهوري.

إذن.. ما السر؟
16 يونيو 2015 انطلقت الحملة الانتخابية لترامب تحت شعار «لنستعيد عظمة أمريكا مرة أخرى» وبدأت معها أولى أسباب صعود نجم ترامب، وحينها قرر ترامب أن يكون مختلفًا، ففي الوقت الذي ركز فيه معظم الرؤساء الأمريكيين قبله على الأقليات، خاطب هو الأغلبية من البيض الأصليين، ونجح في ذلك عبر سلسلة من التصريحات المثيرة التي جذبتهم إليه، كونها تعبر عن كراهيتهم، وما يدور في قلوبهم تجاه هذه الأقلية، وكان إيمانه أنه مقابل كل واحد يخسره من الأقلية، يكسب ثلاثة أو أربعة من الأغلبية.

تصريحاته القوية
«منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة مطلقًا وبناء جدار عازل مع المكسيكيين تتولى تكلفته دولة المكسيك».. هكذا بدأ ترامب الحديث عن أمريكا العظيمة في تصريحٍ أطلقه عقب هجمات باريس ورآه البعض ربما ينهي حملته الانتخابية قبل أن تبدأ ولكن تلك القراءات لم تكن سليمة أو بالأحرى لم تكن حديثة فالشعب الأمريكي الذي اختار أوباما كمناهضٍ للعنصرية ربما تغير قليلًا وسئم القوة الناعمة التي يتبناها معظم المرشحين، بعد عدد من الأحداث الإرهابية والمشكلات الاقتصادية.

هذا التصريح الذي يهاجم المسلمين لم يكن هو الوحيد فقد قال أيضًا، إنه سيتجه لإغلاق المساجد لمحاربة داعش كما رأى أن العالم كان من الممكن أن يكون أفضل لو حافظ معمر القذافي وصدام حسين على السلطة في بلديهما.

وأطلق ترامب العديد من التصريحات الجدلية التي رأى فيها الحل لكثير من المشكلات حيث طلب إعلان الصين دولة محتكرة للعملة وإقرار تعريفات عقابية على صادرات الصين وترحيل نحو 11 مليون من المهاجرين غير الشرعيين وإنهاء سياسة «حق المواطنة المكتسب» لأبنائهم وفي مكافحة الإرهاب إعادة استخدام أسلوب تعذيب عن طريق الإيهام بالغرق- المحظور في امريكا- وقطع رأس تنظيم داعش وأخذ نفطهم إلى أمريكا.

صناعة الجمهوريين
ويفسّر الكاتب نيكولاس كريستوف، في مقال له بصحيفة «نيويورك تايمز»، بروز ظاهرة ترامب بأنها من صنع الجمهوريين أنفسهم، لأنهم ظلوا عقودًا طويلة يغذون مشاعر الخوف وسط الناخبين ويعدون مؤيديهم بمكاسب لا تتحقق أبدا، بالإضافة إلى ترويج وسائل إعلامهم نظريات المؤامرة وفساد السياسة والسياسيين، «الأمر الذي ولّد تطرفا يمينيا قصير النظر لا يأبه بالواقع».

قيراط حظ 
عندما بدأ التصويت في 1 فبراير 2016 في ولاية أيوا، كان لا يزال 14 مرشحاً في السباق: 3 من الحزب الديمقراطي و11 من الحزب الجمهوري، بينهم ترامب، ولأن الحملات التمهيدية للانتخابات الرئاسية مكلفة ومرهقة ومجهدة، تساقط المرشحون واحدًا تلو الآخر، ليبقى ترامب وحيدًا بفضل ثروته التى تقدر بـ4 مليارات دولار بحسب مجلس "فوربس" وهو ما جعله منذ أول لحظة قادرًا على تنظيم المؤتمرات الانتخابية والمحافل الدعائية مجانًا دون الحاجة إلى جمع تبرعات مالية من الجمهور أو تكتل الحزب ماديًا خلفه حيث أنفقت الحملة الانتخابية لترامب نحو 40 مليون دولار امريكي.

كما أن كونه مليارديرًا جعله ليس مضطرا إلى إرضاء أصحاب رؤوس الأموال، أو ممولى الحملات الانتخابية، ليتبقى له نحو 1237 مندوب لنيل ترشح الحزب وهو ما أصبح أمرًا سهلًا لكونه يغرد وحيدًا في السباق.

وتبع تلك الانسحابات تكتلًا من الحزب الجمهوري خلفه بعد صراعات كثيرة رفض فيها عدد كبير من قادة الحزب دعمه إلى أن رجحت كفته فعقد اجتماعًا مع بول راين ورئيس الحزب رينيس برايبوس خرج ببيان قيل فيه «إن الولايات المتحدة لا يمكن أن تجيز أربع سنوات من سياسة أوباما الإضافية للولايات المتحدة وهو ما تمثله هيلاري كلينتون لذلك من المنطقي ان يصطف الجمهوريون خلف مبادئنا المشتركة ويروجوا لبرنامج محافظ يمثله مرشح حزبهم ترامب».