الحديث عن الوافدين والأجانب كثُر في الأيام الأخيرة. فهناك من يؤيد التوسع في الصرف عليهم، وفريق آخر يطلب التضييق أملاً في إبعادهم عن البلد.
من الخطأ أن ننظر للوافدين على أنهم لون وطيف واحد. مشكلتنا أننا ننظر إلى هذا القطاع المهم من سوق العمل بنظرة واحدة وهي أنهم جميعاً جاءوا بالأمس ليستولوا على ممتلكاتنا ومميزاتنا ويستحوذوا على مقاعد العمل وينشروا الفساد والجريمة، هذه النقاط الأربع (وصلوا للتو والاستيلاء والعمل والفساد) نظرتنا السائدة لدى أغلبنا تجاه ثلثي المجتمع الكويتي.
بداية تاريخ الأجانب في الكويت يعود إلى عشرات السنين للوراء، فبعضهم دخلها في الخمسينات والستينات، وبعضهم لا يعرف وطناً غير الكويت لانهم وُلدوا وكبروا هنا وصاروا في العقد الخامس والسادس وجاءوا بجيل أو جيلين ومازالوا مستقرين، ومنهم من تزوج من الكويتيين فأسسوا عوائل «نصف كويتية»، ويعيشون المرارة كونهم يختلطون بأخوالهم الكويتيين ويعيشون حياة الأجنبي محدود العمل.
الشيء الثاني أن العمالة الوافدة جاءت لسبب منطقي ومقنع جداً، فأولئك أتوا لأن الحاجة متبادلة بيننا وبينهم، فنحن نريدهم لأنهم يمتلكون قدرات ومهارات وخبرات نفتقر إليها، ويحتاجون لنا لأن عندنا المال وندفع لهم ما يرونه مناسباً لقدراتهم، فالعلاقة تعاقدية اقتصادية وأخلاقية بين الطرفين، وبالتالي الخوف من الاستحواذ والاستيلاء على الممتلكات ومقاعد العمل غير منطقية.
يتبقى إذاً المشاكل التي تنتج عن هذه الفئة، والمضايقات التي يتحدث عنها الناس والنواب والصحافة. الجواب إننا نحن أولا من يجب أن يُعاب عليه ويُعاتب ويُلام لا الأجنبي، فإن كان أهل البلد لا يحترقون عليها، فلماذا نتوقع من غيرهم أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك. فأول عيوبنا الوطنية أننا تجار إقامات، نأتي بمن هب ودب ونرميهم في الشوارع، ومن ثم نلطم لأن العمالة السائبة ارتكبت الجرائم، ثم لا تنسوا دور الحكومة الإيجابي في الصورة السيئة للعمالة، فوزارة خارجيتنا مثلاً اشترت السياسة، فأخذت مناقصات وكوتات دولية لهذه الدولة أو تلك نظير الترضيات السياسية، ووزارة داخليتنا تتسبب بانتشار الجريمة لأنها لا تنفذ الأحكام العقابية والإبعاد بشكل صحيح.
أضف إلى ذلك عاملاً آخر كهذا المثال: وزارة العدل الأميركية غرمت إحدى الشركات 7 ملايين دولار إثر اعترافها برشوة مسؤولين في الداخلية الكويتية، كما أن قبلها شركة أخرى دفعت رشاوى لمسؤولين للفوز ببعض المناقصات، والملف في هذا الجانب كبير، ثم ما ذنب الأجانب إن كانت بعض المناصب متواضعة جداً لا يشغلها أصلاً الكويتيون، أو عالية جداً لا يطولها إلا إن كنت من هذه العائلة أو تلك ممن ورثوا المقاعد أباً عن جد!
فقليلاً من الاحترام للإنسان بغض النظر عن جنسيته. فأولئك محترمون وقدموا للكويت الشيء الكثير، ولا أظننا بحاجة إلى التاريخ وذكر بعض الأسماء الأجنبية، إن كنا لا نريدهم فانهوا عقودهم واعطوهم مستحقاتهم فليرحلوا في أمان الله، أو اتركوا للقضاء حُكمه، أو دعوهم يعيشون بسلام واحترام. أما الاستخفاف بهم والنظرة العنصرية لهم فهي خلل اخلاقي وفكري، ولا ذنب لجنسية وهوية الإنسان بالأمر.