كثرت في الآونة الاخيرة شكاوى المقيمين من تكرار بعض المواطنين عبارة «انا كويتي وأسفرك» عند كل اشكال او خلاف او حتى نقاش.
اذا اختلف مواطن ومقيم على أحقية السير، او اختلفت مواطنة ووافدة في مجمع تجاري، او تلخبط الطابور امام صالة السينما، او تسابق رواد المقهى على كرسي طاولة، او تلاسن تلميذان في مدرسة... تلعلع العبارة «انا كويتي واسفرك» للذكر او «اسفرج» للانثى.
تكرار العبارة لم يعد «عادة لغوية» تنطلق آليا عند كل موقف «تعصيب»، بل اصبح ظاهرة تعكس حالة اقرب بكثير الى التخلف منها الى التحضر، ونعتقد ان من يرددها يعيش عقد نقص في الانتماء تكمل سياسة الانغلاق التي يحاول بعضهم فرضها علينا في مختلف المجالات.
طبعا، لسنا في حاجة الى التذكير بالبدهيات. فالوافد المقيم في الكويت الذي عمل ويعمل بكل ولاء واخلاص من اجل نهضة بلدنا وتقدمها وفي ظروف صعبة احيانا هو أخ لنا في الانسانية وشقيق لنا في الانتماء وشريك في التطور الذي نشهده يوميا. كيف يصل انعدام الاحساس بأحدهم مثلا ان يقول لاساتذة خرجوا اجيالا من طلبتنا: «اسفركم»؟ وكيف تصل الصفاقة بشخص يقود سيارة حديثة الطراز مكيفة ان يقول لعامل يقف ساعات طويلة تحت شمس حارقة امام طريق محفورة يحمل علما يوجهه الى الطريق الآمن: «أسفرك»؟ وكيف يمكن لمتسوقة ان تقول لبائعة وقفت على قدميها ساعتين متواصلتين تخدمها وتتفاعل مع تقلب مزاجها وخياراتها: «اسفرج»؟
لسنا في حاجة الى التذكير بالقيم الانسانية والدينية والاخلاق والعادات، فالمقيمون لا يحتاجون الى عبارات التعاطف والشكر والتقدير، وهم اهل لها، بقدر ما يحتاجون الى حلول تضمن لهم الاستقرار والاطمئنان. فلا يجوز ان يفني الوافد خمسة عقود من عمره في الكويت مثلا ثم يحكم عليه توقيع على ورقة الاقامة بالانسلاخ من حياة عاشها والانتقال الى حياة اخرى كل من فيها غريب عليه... هذا «تسفير» ايضا بطريقة اخرى.
ما نحن بحاجة اليه هو العودة الى الموضوع الاساس. موضوع القانون وسيادته وعلاقة التطور الاجتماعي بتطور الثقافة القانونية. لسنا من جنس الملائكة ولا الذين يعيشون معنا من وافدين ومقيمين كذلك. القانون هو الفيصل في كل خلاف او اشكال، والمحاكم هي التي تقرر العقوبات وليس «المتهاوش» او «المستقوي» او «صاحب النفوذ». القانون كتاب المواطن والمقيم على السواء. الجميع يقرأون العبارات نفسها، والجميع يتحملون نتائج افعالهم من دون تمييز او محاباة او مجاملات او واسطات.
وما نحن بحاجة اليه ايضا هو التطوير الفعلي لقانوني العمل والاقامة قبل ان تكثر الدعوات الخارجية الضاغطة علينا. وفي هذا الاطار لا يسعنا إلا ان نتابع باهتمام جهود وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الدكتور محمد العفاسي الذي يحمل بيديه ملفا مثقلا بالارقام والتواريخ والثغرات والاهمال والتجاوزات، ويحمل على كتفيه ملفا يثقل كاهله اكثر عنوانه التردد الحكومي والواسطات النيابية وزحف السلطات على بعضها ومصالح هذا الفريق او ذاك. ملف يشبه الاسلحة التي تطلق غاز الاعصاب المؤدي الى الشلل. وما يعاني منه الوزير العفاسي في قضية العمالة يعاني مثله واكثر في قضية الرياضة... وفي فمه انهار من ماء.
بعض الكويتيين اساء الى وطنه اكثر من عشرات الوافدين، وبعض الوافدين خدم الكويت اكثر من عشرات المواطنين. المعيار دائما في العمل والعطاء والانتاج واحترام القوانين. المهم ان نفكر جميعا في صيغة تحفظ حقوق المقيمين وتحترم عرقهم وتقدر عطاءهم وتبادلهم تعب السنين بتعديلات جوهرية في القوانين تقيهم شر تقلبات «الكفالة» وتمنحهم حق الاقامة والعمل والطبابة والتعلم والاطمئنان على مستقبل اولادهم... وهل هناك «كفالة» اعظم من رهن العمر والجهد والعطاء والولاء والانضباط ضمانا للاقامة؟
الكويت عصية على الانغلاق مهما حاول رموز الانغلاق خنقها ومنع الهواء عنها. الكويت كبرت بانفتاحها وبرسالتها الانسانية وبخيرها. الكويت استمرت بمؤسساتها وقوانينها وتشريعاتها. الكويت اسم يزرع الابتسامة على وجوه كثيرة امتدت اليها اياديها البيضاء شرقا وغربا... وما يحدث اليوم من ظواهر عنصرية ما هو الا انعكاس لثقافة سياسية واجتماعية اخرى تريد ان تحل محل ثقافة التسامح والانفتاح والتعددية والرقي والتحضر.
«انا كويتي واسفرك»؟ لا، انت كويتي وتحترم القانون وحقك تأخذه بالقانون لا بيدك. اما القانون نفسه فيحتاج الى «فزعة» نيابية تدعم جهود الوزير العفاسي للخروج بصيغة اكثر انسانية تنزع من قاموس المقيم هاجس «التسفير» وتقيه سهام العنصرية وتسمح له باستمرار الاقامة اللائقة مع مختلف الحقوق المصاحبة.
في خطبة الوداع قال الرسول العربي الكريم - عليه الصلاة والسلام: «اسمعوا مني تعيشوا... ألا لا تظلموا... ألا لا تظلموا... ألا لا تظلموا».
العدل في الاسلام مفتاح الدين والحياة.