على الرغم من كل ما كتب وما قيل عن حرب أكتوبر، واعترافات القادة الإسرائيليين بالهزيمة، فإن جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل منذ عام 1969 وحتى أبريل 1974، ظلت تنكر هزيمتهم فى حرب أكتوبر، وقالت فى مذكراتها التى حملت عنوان «حياتى»، ونشرت ترجمتها العربية بعنوان «الحقد»: «بالفعل ربحنا الحرب على الجبهتين المصرية والسورية، وتحولت الحرب بعد الأيام الأولى لصالح إسرائيل»، وأعربت عن حزنها من قيام مصر وسوريا بشن الحرب لأنها لا تحب الحرب ودائماً تدعو إلى السلام.
تقول «مائير» فى مذكراتها: «من بين جميع الأحداث التى عالجتها فى كتابى هذا، لم أجد صعوبة فى الكتابة كصعوبة الكتابة عن حرب تشرين أول (أكتوبر) سنة 1973 -أى حرب يوم كيبور- ولكنها حدثت، وهى لا تعنينى هنا كموقعة عسكرية لأننى أترك ذلك للمختصين، لكنها تشكل مصيبة كبرى أو هاجساً كنت قد عشته وسيبقى دائماً فى فكرى، لقد وجدت نفسى فى موضع المسئولية الشاملة فى وقت كانت الدولة تواجه فيه أعظم خطر وتهديد عرفتهما».
تواصل «مائير»: «إننا ربحنا فعلاً حرب الغفران. إننى مقتنعة تماماً بأن القادة العرب -السياسيين والعسكريين، السوريين والمصريين، يشعرون تماماً بأنهم هزموا مرة أخرى رغم انتصاراتهم الأولى فى البداية، لقد حاربنا على جبهتين، فى الوقت نفسه، كانتا تحضران للحرب منذ فترة طويلة. كانوا قد سيطروا بكثرة عددهم، فأصبحنا فى حالة سيئة جداً. لقد فاقونا عدداً وعدة من دبابات وطائرات ورجال.
لم تكن المشكلة فى طريقة بدء الحرب، بل لأن عدداً من تخميناتنا قد برهنت خطأها فى قلة احتمال نشوب حرب فى تشرين أول (أكتوبر) وتأكيدنا بأننا سنحصل على إنذار مسبق قبل بدء الهجوم، وكذلك اعتقادنا بأن المصريين لن يستطيعوا عبور القناة، لن تكون الظروف أسوأ مما حصل».
رئيسة وزراء إسرائيل وقت الحرب: لسنا دعاة حروب.. وعزمنا على ألا ندفن موتانا بصمت دون الحصول على السلام
وعن بداية الحرب قالت: «لقد عبر المصريون القناة وبدأت قواتنا تتقهقر، وتغلغل السوريون فى مرتفعات هضبة الجولان.
لقد كانت المعنويات فى كلا الجبهتين عالية.
كان علينا فى ذلك الوضع أن نخبر العالم كم كان الوضع سيئاً للغاية، لكنى شعرت أن علينا الانتظار لفترة».
وتحدثت رئيسة الوزراء عن هزيمة المصريين ومساعدة الاتحاد السوفيتى لهم: «فى 19 تشرين أول (أكتوبر) -أى فى اليوم الثالث عشر من نشوب الحرب- زار السيد كوسيجين القاهرة بسرعة، حيث إن (أصدقاءه) كانوا يخسرون الحرب التى ساعدهم بها، لذلك لم يكن وجه المصريين يحتاج إلى تبييض فقط، ولكن خزى وعار الاتحاد السوفيتى كان بحاجة إلى إعادة ماء وجهه، حيث إن المصريين لم يستطيعوا تحطيم القناطر والمراكز الإسرائيلية على الضفة الغربية فحسب، بل الأسوأ من ذلك هو أنهم لم يجدوا صعوبة فى التسليم لشركائهم الروس بأن القوات الإسرائيلية استطاعت تطويق الضفة الغربية -أى ما يبعد عن القاهرة بـ60 ميلاً فقط- لم تكن الحالة بالنسبة للسوريين بأحسن من الحال عند المصريين».
مزيداً من الإنكار دفع «جولدا» للتأكيد على أن الإسرائيليين شعب يدعو إلى السلام وليسوا داعين إلى حروب وقالت: «بما أننا لم نبدأ الحرب ولم نكن نرضى بها، فقد حاربنا وربحنا. كان هدفنا هو الحصول على السلام فقط، وللمرة الأولى لم نكن عازمين على دفن موتانا بصمت، لأن العرب هذه المرة سيرضون حتماً بمقابلتنا، لا على أرض المعركة فحسب، بل حول طاولة المفاوضات للوصول إلى حل لمشكلة أودت بحياة آلاف الشباب منا ومنهم عبر العقود الثلاثة الماضية، فخلال تلك العقود كنا نردد دائماً (السلام)، فى حين لم نكن نسمع سوى (الحرب) من الطرف الآخر». وأضافت: «إننا شعب قليل العدد ولا نستطيع مقارنة أولئك الذين يحاربوننا بعدد جيشنا، ثم إننا لا نملك المال والذخيرة التى يملكونها. ولكننا نملك شيئين هما كرهنا للحرب وللموت معاً. وهذان الشيئان جعلانا نكسب الحرب ونتغلب على الأعداء».
وختمت: «ففى تحليلى النهائى هذا، أقول إن قدر ومستقبل الدول الصغيرة هو بيد القوى العظمى التى تحرس ممتلكاتها الخاصة. فى الحقيقة، كنا نرغب فى تأجيل وقف إطلاق النار ولو لعدة أيام فقط، لكى تكون خسارة السوريين والمصريين فادحة ومرئية للعيان، حيث إن الدلائل كانت تشير إلى ذلك فى 21 تشرين أول (أكتوبر). لقد أصبحت السيطرة كاملة على الجبهتين وعلى آلاف من الأسرى العرب من قبل جنودنا. لكن الرئيس «السادات» كان أقوى منا -دبلوماسياً بالطبع- حيث إن العرض الذى قدمه للولايات المتحدة كان مغرياً جداً، ذلك العرض الذى يعيد دخول أمريكا إلى الشرق الأوسط وبالتالى يلغى الحظر على بيع البترول».