«كونسيتيون» أمريكية من أصل اسباني بدأت اعتصامها مع شريكها كوني عام 1981 ضد الأسلحة الكيماوية
واصلت الاعتصام بعد وفاة شريكها .. وترفع لافتات ضد الصهيونية وتعرضت لاعتداءات متكررة من اليهود ولم يتمكن أحد من تحريكها
منذ أيام، مرت الذكري الرابعة والثلاثون على بدء اعتصام السيدة «كونسيتيون»، الأمريكية من أصل إسباني، أمام البيت الأبيض في العاصمة الأمريكية «واشنطن»، داخل خيمة بلاستيكية، لم تغادرها السيدة السبعينية ولو ليوم واحد، منذ بداية حملتها ضد الهيمنة الأمريكية.
34 عاما، ولا تزال «كونسيتيون» صامدة في اعتصامها في ساحة متنزة «لافييت» المواجه للبيت الأبيض، رافعة شعارات التضامن مع القضية الفلسطينية، والمنددة للاحتلال الإسرائيلي، وعلى الرغم من ذلك لم تقابل أي من «سكان البيت» ولو لدقيقة واحدة.
في خيمة مصنوعة من البلاستيك، تبدو عليها آثار حرارة الشمس والأمطار التي مزقتها علي مدار سنوات طوال، تجلس السيدة علي مقعد من الخشب وتحمل في يديها لافتات ضد الصهيونية والتدخل الأمريكي في شئون الدول الأخرى وضد الهيمنة الإمبرالية، واستمرار التجارب النووية.
بدأت «كونسيتيون» هي وصديق لها اسمه توماس كوني، الاعتصام عام 1981، ضد استخدام الأسلحة الكيماوية، ومات صديقها الذي شاركها الاعتصام قبل سنوات وظلت هي وحيدة لتكمل رسالتها. وأصبحت من ملامح المكان الأساسية.
ورغم انه تم حظر التظاهر إمام البيت الأبيض منذ تفجيرات أوكلاهوما عام 1995، فان «كونسيتيون» لم يستطيع أحد ولا حتى الرئيس الأمريكي إزاحتها من مكانها، الذي تعلق فيه اللافتات، التي تهاجم سياسات أمريكا الخارجية وتقف ضد إسرائيل.
الخيمة جري عليها الكثير من التحديث ويبدو ان السيدة بيسوتو تتابع كل ما يحدث في العالم أولا بأول فنري صور سنودون صاحب التسريبات الشهيرة ونري علم إسرائيل موضوع في علامة حمراء.
واستقبلتنا صاحبة أطول اعتصام في التاريخ، بابتسامة طيبة عندما عرفت أننا قادمون من مصر، وبحثت في أوراقها الكثيرة عن لافتات كتبت فيها عبارات تأييد لفلسطين وحقوقها المشروعة والمناهضة لأفعال إسرائيل.
وقالت لنا إن رونالد ريجان الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية قبل بفكرة اعتصامها في خيمة علي جانب من حديقة لافييت المواجهة للبيت الأبيض. وتابعت: أقف علي خيمتى منذ الصباح حيث يصطف السياح لزيارتي، واقف أيضا في الظهيرة عندما يخرج العاملون في البيت الأبيض لتناول غذائهم، وأقف في المساء في شارع بنسلافانيا حتى الثالثة صباحا حتى يخيم الصمت وأصوات من يشربون الخمور في الدكك علي حديقة لافييت.
ومنذ الأول من أغسطس 1981، تقف «كونسيتيون» وحيدة ترفع لافتتها «أعيش بالقنابل.. وأموت بالقنابل، الشعوب المتحضرة لا تستعبد البشر».
وأضافت أنها وصديقها وليام توماس قبل أن يرحل كانا يتظاهران سويا للمطالبة بالسلام والعدالة للبشرية، ويوزعان المنشورات ويتحدثان مع المارة ويعرضان لوحاتهما ورسالتهما للمطالبة بموقف ضد التجارب النووية.
وقالت: لطالما قبضت علينا الشرطة، وتم ضربنا من اليهود، وكثيرا ما تجاهلتنا الجماهير أمام البيت الأبيض ولم يكن الأمر سهلا طوال تلك المدة، «نحن ضحينا بالكثير، وسأتحمل لأن القضايا التي أدافع عنها تستحق الكثير».
«حياة مليئة بالشغف» عاشتها «كونسيتيون»، فقد ولدت بعيدا عن الولايات المتحدة، في إسبانيا الغربية، وتيتمت في سن مبكرة، وتولت أمرها جدتها التي ماتت، وبعدها قررت «كونسيتيون» أن تحقق طموح حياتها في الهجرة لأمريكا ووصلت الولايات المتحدة في سن 18 وعملت سكرتيرة في القنصلية الاسبانية، وفي سن الحادية عشرة قابلت وتزوجت رجل أعمال ايطالي وأنجبت ابنتها عام 1973، وبعد إنجاب ابنتها بـ20 شهرا طلقها زوجها.
وأضافت «كونسيتيون»: ظللت 7 سنوات أحاول الحصول علي حضانة ابنتي، وبدأت قصة مأسوية في محاكم منهاتن ثم نيويورك ومدريد في اسبانيا وفي النهاية واشنطن، إلا أني لم أحصل علي مساعدة حتى من الكونجرس، فقررت أن أتولي قضيتي وآخذ حقي من الشوارع.
وفي عام 1980 نجحت في توفير وظيفة بدوام جزئي، كجالسة أطفال وبدأت تقضي أيام إجازتها أمام البيت الأبيض، ورفعت لافتات تطالب بالعدالة وكتبت خطابات لـ«ليليان كارتر»، والدة الرئيس الأسبق جيمي كارتر تطلب المساعدة، والتي ردت عليها «أتعاطف مع قضيتك لكنني بعيدة عنك بـ800 ميل ولا املك أي سلطة».
وبالتدريج تحولت مطالب «كونسيتيون»، من تظاهرة لقضية خاصة إلي المطالبة بوقف الانتشار النووي، وأيضا زاد حماسها للقضية الفلسطينية، وقضايا حقوق الإنسان في العالم. تقول السيدة: في أحد أيام الصيف شديد الحرارة، وبينما رونالد ريجان في عامه الأول للرئاسة، جمعت متعلقاتي وصعدت في أحد الأتوبيسات، وعسكرت أمام البيت الأبيض في حديقة «لافيت بارك»، وبعدها بوقت قصير انضم إليها توماس الذي كان قد بدأ التظاهر أمام البيت الأبيض قبلها بعام، وطرد من بريطانيا بعد أن مزق جواز سفره الامريكي اعتراضا علي السياسة الأمريكية، وأعلن انه لا ينتمي لأى بلد.
وكانت «كونسيتيون» و«توماس» يقضيان، في البداية نهارهما أمام البيت الأبيض وفي الليل يعودان إلي منزليهما، قبل أن ينصبا خيمة ويبدآن اعتصاما مفتوحا ليل نهار. ورغم صعوبة الحياة في الخيمة، تقول «كونسيتيون»: أنا سعيدة بالجلوس علي الطاولة التي أفردها ليلا كسرير لي، وأكتب أيضا لافتات أوقفوا الأسلحة النووية، وفكوا الحصار عن غزة.
وأضافت: «استعمل الحمام في مطعم هارودي المقابل للبيت الأبيض، واستحم بشكل غير دائم في ملجأ للمشردين في وسط المدينة، وأنام 3 ساعات، والشتاء هو الأسوأ لدي حيث لا توجد ملابس تحميني من برودة الجو، وأمضي معظم الليالي بالقرب من محلات المواجهة لأتجنب البرد القاسي، وأعيش علي التبرعات، ربما في اليوم الواحد أتحصل علي 15 دولارا اشتري بها طعامي والألوان الخاصة لكتابة اللافتات، والتي أعكف علي كتاباتها منذ سنوات.
ورغم استمرار الاعتداءات عليها، كما تؤكد السيدة التي تقول إن «بعض اليهود يلقونها بالحجارة، وترفض الإبلاغ عنهم، إلا أن «كونسيتيون» متفائلة جدا بالحياة، وقالت لنا: هناك بعض اللحظات السعيدة حين يمر علي بعض الأصدقاء ويعطونني حقيبة من الفول السوداني، وأستطيع أن اطعم السناجب، كما أن بعض الأصدقاء يرسلون لي بالبريد بعض الهدايا، وبعد أن سرقت دراجتي تبرع احدهم من محل الدراجات القريب وأهداني دراجة.
وعلي الرغم من كل هذه المصاعب إلا أن الرصيف المقابل أمام البيت الأبيض سيظل بيت «كونسيتيون»، التي قالت إنها رغم قدرتها على أن تعيش في احد بيوت المشردين، إلا أنها لن تفعل لأن الله اختارها لمهمة أكبر.