إن حرية الناس هي صفة من صفات الله التي أختصها سبحانه وتعالى للناس من بين سائر المخلوقات، كالحياة والفكر والعقل والفهم والمعرفة. فالناس على إختلاف أزماتهم وبيئاتهم ومراكزهم الاجتماعية غالباً ما يتشدقون للحرية والتنوير ويريدون تطبيقها. فهل هناك تحرير لكلمة مكتوبة أو إعلام مرأي ومسموع؟ فالحقيقة إن الإعلام الحرّ المسؤول هو الذي يبين ويظهر رعاية المصلحة العامة للناس والمجتمع. وقد أكدت بعض الدراسات والنظم أن الإعلام هو أهمية تنبعث وتشرق من منظور لتلبية الحاجات وحل المشكلات والإقناع بالأفكار المستحبة والمستحدثة حتى تلائم الفكر المجتمعي المناسب للناس وذلك في إطار قيم المجتمع وتوحيده ومسلماته الأساسية.
... فالإعلام الحرّ المسؤول يعمل دائماً على بناء الرأي والرأي الآخر بما فيه الرأي العام وذلك بناءاً على فهم صحيح وسليم يعمل على إزالة كل الخلافات والتناقضات إلى تقدير المصلحة الراجحة لإحداث التغيير المناسب والمطلوب في نفوس الناس وفق عادات وتقاليد المجتمع ولمصلحته أيضاً. كما يقوم بعرض القضايا الخاصة بالناس للنظر فيها وأن يدلي فيها برأيه والاستعانة بأصحاب الخبرات بمن يقومون على حل وإعطاء الفكر المستنير للقضاء على هذه القضايا أو حلها بما يرضى جميع الأطراف.
... وليتني أبرز بفكرة تحلق بكل مؤسسة إعلامية وهي الاستعانة بالأطراف المتنازعة مصحوبة بالعلماء والخبراء ورجال الفكر والدين لتقدير المصالح والمفاسد وترجيح المصلحة الراجحة فيما يُعرض من هذه القضايا والمشكلات عبر شاشات لعرض القول والأسلوب والحل المناسب على الناس واختيار الظرف الإتصالي المناسب للعرض، فإن ذلك هو جلب المصلحة ودرء المفسدة وهذا كل ما تأكده بعض من وسائل الإعلام النظيف الحرّ المسؤول لكي يتوافق مع كرامة الإنسان وغايته في هذه الحياة وإتساق نوع المسؤولية التي يتحملها. وهذا هو دور الإعلام في سير دروب الهداية حتى تعود في نهاية المطاف إلى إرادة إنسان حرّ يحيا حياة مكيفة بالصورة المثلى التي أكرمه الله تعالى من أجله.
فبلا شك أن الحرية الإعلامية الآن هي في الأصل حق لكل فرد في المجتمع، إلا أن القدرة على الفعل حولتها إلى حرية القوي والغني على حساب الفقراء والضعفاء، لذلك أصبحت حرية القلة المسيطرة على وسائل التوجيه الإعلامي حقيقة لا تنعم بالحرية إلا فساد فوضوي ونقيض الإلتزام، ولعلني أظهر فلسفة حرية الإعلام والمسؤولية الاجتماعية في التعبير عن الرأي وحرية القول. فهي حق مرتبط بواجب، ولكن ما تراه الآن هو عدم مناهضة الصالح العام أو الواجب الذي يحدده الصالح العام، فإذا كان هناك فلسفة في تحديد الواجب والصالح العام لابد من إظهار الأطر الفكرية والثقافية لحق الإنسان الضعيف ونصرة الحق لإظهاره في المجتمع والنهوض في طلب الحق بالنسبة له.
ناهيك عزيزي القارئ الكريم عن عماء الحقائق البصرية التي هي أضر من عماء البصر التي تتمثل في الإعلام الضال المشتت المفرق بين الناس والجماعات الذي ينزلق إلى الفهم الخاطئ ولا يتفق مع خصوصية المجتمع وإحترام الإنسان بالكذب والخداع وتضليل الناس بالأخبار الكاذبة وزعزة الأفكار الهادئة وتهيج الإنسان في المجتمع بحرية سلبية غير منطقية تجعله يكسر كل القيود والالتزامات ولا يراعي حق المجتمع السلمي ولا حق للإحساس بحق الغير، فتصرفاتهم وأقوالهم وأفعالهم وإعلامهم لا يحقق الغرض والغاية الأساسية في هذه الحياة، فهذا الإعلام المشتت المضلل ليس له أية غاية وضوابط وأهداف استراتيجية مرحلية بالنهوض بالمستوى الفكري والحضاري والوجداني للمواطنين وترقية اهتمامات الناس ولم ينبذ علاج المشكلات الاجتماعية والاقتصادية من خلال منظور إعلامي ورؤية ودعوة تؤكد فاعلية الإقناع ومراعاة طبيعة وخصائص الفرد في المجتمع، وربما قد يحدث بلبلة وفتنة داخل أروقة المجتمع لصالح أفراد معينة، ولذلك فإن القدرة على البيان والتعبير في ضمير هذا الإعلام هابطة لأنه يتعدى الواجب المنوط بالإعلام الحرّ المسؤول لمصلحة الناس والمجتمع.
لذلك فإن ارتباط المسؤولية الإعلامية بحرية الإعلام لكل فرد هي ارتباط بالعلم والقدرة في إطار يشد من أزر الصالح العام وهذا هو دور الإعلام الذي يعالج هموم ومشاكل وأوجاع الناس في المجتمع الواحد.. لا.. بل هموم الأمة العربية كلها بتبسيط وعفة وإعطاء رسالة في المجتمع، فهو إعلام يملك من السلاح الذي يجلب إليه كل الناس لكي يستخدمه في نشر الأمانة والنزاهة والشفافية والتمسك بالقيم والمبادئ، واتباع النظم التي تسهم في بناء وتنمية ونهضة المجتمع ومحاربة الفاسدين والفساد بكل أشكاله وأنواعه بشتى الطرق، فالفساد بكل أشكاله وأنواعه يفسد نفوس الناس ويحطم كل القيم والمبادئ في القلوب والضمائر ويقوض دعائم المجتمع ويزعزع الاستقرار والأمن، كما أنه يطمس معالم العدالة داخل المجتمع.
... فالإعلام مثل المدرسة والجامعة تكمن في مبادئه رسالة سامية تقود طريق النور والتنوير في الحق وللحق والتصدي لكل ما يعكر صفو المجتمع، وينبغي كما أشرت من قبل لابد من الاستعانة بكل العلماء سوء دين أو علم أو تكنولوجيا ومفكرين وأهل الحل والعقد والناصحين والخبراء بالقيام بواجب النصح والرشد والتوعية بمنتهى الشفافية والوضوح لكي تخدم المصلحة العامة لكل مجتمع من مجتمعات الأمة، وليس مجتمع واحد بأثره، وفتح أبواب الحوار الهادئ البناء بين كل المتخاصمين بكل راحبة صدر وهدوء على أن يبصر أفراد المجتمع بخطورة الفساد على كل المستويات.
... وإنني أناشد بقلمي كل وسائل الإعلام بأن يعملوا على توعية الناس وتبصيرهم بما يعزز القوى والحس الوطني والمصالحة العامة بين كل المتخاصمين والوقوف بجانب الفقراء والضعفاء وأصحاب المشاكل البسيطة ومحاربة المفسدين والفاسدين في المجتمع الذين يسدون كل المنافذ والذرائع التي تفضي إلى الفساد الضار الغير نافع.. فالإعلام هو أمانة ورسالة وعدل وحق فهذه كلها هي طيب المكاسب لخدمة الناس.
بقلم : محـمد شـوارب
كـاتب حـر
mohsay64@gmail.com