الكلمة المكتوبة ليست مجرد حروف متشابكة , ولامجرد خطوط تخطها الاقلام نملأ بها الأسطر , ولكنها معانى ورسائل موجهة , تحتويها القلوب , وتستوعبها العقول , وتترجمها الأنامل , فتترك أثارها على السطور , ليتلقاها المتلقى , فتتغلغل داخل نفسه , تاركة اثرا كبيرا بداخلها , وهى إما أن تكون كلمة طيبة تريح النفس وتسعد الروح وتشفى الجروح وتزيد من المودة والحب بين الناس , أو أن تكون كلمة خبيثة تشقى من يقرءاها وتكون سببا فى تعاسته وإنتشار الكره والبغض بين الناس , ولذلك لايمكن الإستهانة بقوة تأثير الكلمة المكتوبة فى حياتنا , وكيف نستهين بها وهى قادرة على أن تجعل من حياتنا جنة فى لحظة , أو تقلبها الى جحيم لايطاق , كما قال رسولنا الكريم (ص) (يقول ابن آدم كلمة فلا يلقى لها بال فتهوي به سبعين خريفا في ناري جهنم ) . إذن فالكلام هو من النّعم الكبرى والفضلى الّتي كرَّم الله بها الإنسان، هو عنوان جماله: "جمال الإنسان في اللّسان"، كما قال رسول الله(ص)، وهو الميزة الّتي ميّزه الله بها على سائر خلقه، وقد رُبِط الإيمان به، وفق ما أشار إليه الرسول(ص): "لا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتَّى يستقيمَ قلبه، ولا يستقيم قلبه حتّى يستقيم لسانه". فاستقامة اللّسان شرطٌ أساسى لاستقرار الحياة وأمانها، وشرطٌ لنموّها الصّحيّ والسّليم، كما هي شرط لبلوغ الإيمان والوصول إلى درجاته العليا... أمّا عدم استقامة اللّسان، فيحوّله من كونه نعمةً من أكبر النّعم، إلى نقمةٍ في الدّنيا وفي الآخرة... كذلك فللكلمة سحر خاص , وتأثيرا فى النفوس يفوق تأثير الافعال أحيانا , فكل شىء فى الكون كانت بدايته كلمة , بدء الخلق كان بكلمة كن فيكون من الله سبحانه وتعالى , وايات الله فى كتابه الكريم بدأت بكلمة , أول لقاء يبدأ بكلمة , أول إحساس تؤكده الكلمة , وقد تؤدى كلمات الى تحقيق المستحيل , فبكلمة طيبة تصنع إنسان ناجح , وممكن بكلمه تحطمه وتهدم أحلامه , بكلمة تبنى مستقبل , وبكلمة تحطم أجيالا , إذن فإنّ كلماتنا الجميلة هي مثل الهدايا.. يستحسن أن نقدمها مغلّفة بغلاف جميل حتى تسر الذين نقدمها إليهم.وكلماتنا الناقدة مثل وخزات الإبر.. يفضل أن لا تكون موجعة للدرجة التي تجرح سامعيها. لقد نشأنا على أن الكلمة سلاح ذو حدين , أحدهما نافع والاخر قاتل , وتعلمنا ألا نتفوه بكلمة إلا إذا إستوعبنا معناها وتأثيرها على الاخرين جيدا , ولكن مع مرور الوقت والتقدم المطرد فى وسائل الإتصالات وتعدد وتنوع مواقع التواصل الإجتماعى , بالإضافة الى توفير طرق جديدة للمراسلات أسرع وأوسع إنتشارا , جعل هناك سباق محموم بين المفكرين والادباء والاعلاميين والصحفيين والمثقفين لنشر الآراء والأخبار والصور أو أقوال الحكماء دون التأكد من صحتها فتتمخض فى النهاية لتنجب معلومات مشوهة قد تتسبب فى كوارث . فسهولة توصيل الكلمة عن طريق تلك المواقع والتى قد يتم نقلها من مكان لاخر ربما فى بعض الاوقات دون قراءتها وتفهم معانيها أفقد الكلمة وزنها وأهميتها , هذا الى جانب إتساع دائرة نشر الخبر من صحف ورقية الى اخرى الكترونية , ومن قنوان تليفزيونية محلية الى قنوات فضائية محلية ودولية , قل شأن الكلمة عند الكثيرين فكثرت الأخبار والتحليلات والأحاديث والحوارات والمداخلات وقلت المعانى الطيبة والمصداقية والشفافية. وعليه فالكلمة مسؤلية كبيرة يجب أن نتعلم كيفية التعامل معها فرب كلمة نابية أدت إلى خصومة، ورب كلمة جافية فرقت شمل أسرة، ورب كلمة طاغية أخرجت الإنسان من دينه، والعياذ بالله، ولكن رب كلمة حانية أنقذت حياة، ورب كلمة طيبة جمعت شملا ً، ورب كلمة صادقة أدخلت إلى الجنة، جعلني الله وإياكم من أهلها . اللهم إنها نسألك كلمة الحق في الغضب والرضا وفي الجد والهزل، اللهم إنا نسألك الخير كله عاجله وآجله ونستعيذ بك من الشر كله عاجله وآجله، اللهم صلي على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً