fiogf49gjkf0d
اختلافهم..نقمة! //مجدي طلبة//
"اختلافهم رحمة"...
 
مقولة شائعة تعني في الأساس أن الاختلاف الفقهي بين الأئمة الأربعة يعد رحمة للمسلمين نظراً إلى أن آراءهم في الأحكام الفقهية تتراوح بين اللين والوسطية والشدة ومن ثم فإن كل مسلم له أن يختار الرأي أو الحكم الذي يجده مناسباً له ولا حرج عليه. لكن فيما يبدو أن هذه العبارة لا تنطبق بأي حال من الأحوال على الخبراء القانونيين والدستوريين في مصر الذين انقسموا وبشدة حول القرار الأخير الذي أصدره الرئيس محمد مرسي بإعادة انعقاد مجلس الشعب والذي أقام الدنيا ولم يقعدها. ما إن صدر قرار الرئيس بإعادة مجلس الشعب للانعقاد عقب حكم المحكمة الدستورية العليا بحله لعدم الدستورية، حتى دخلت مصر في حالة من الجدل القانوني والدستوري والسياسي الحاد وانقسم القانونيون وشيوخ القضاة حول مشروعية القرار الرئاسي، وعلى عكس الخلاف "الرحيم" بين الفقهاء الأربعة، لم يكن هذا الانقسام الدستوري رحمة على المصريين على الإطلاق حيث انطوى على قسوة وشدة لم يكن بمقدور الشعب المصري أن يتحملهما، وازداد الأمر سوءاً بانتقال حالة الانقسام والاستقطاب البشعة لتطال المجتمع المصري بأسره وبالأخص برامج الـ "توك شو" والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي. انغمس المصريون تماماً في إشكالية دستورية عودة مجلس الشعب أو عدم دستوريته وباتوا كالعادة على مدار الـ 16 شهراً الماضية غارقين كلية في حالة انقسام حاد كنتيجة طبيعية للجدل القانوني والدستوري الذي احتدم على القنوات الفضائية حيث كان البعض يجد فقيهاً دستورياً على أحد برامج الـ "توك شو" يؤكد أن قرار الرئيس "هراء" وأن انعقاد جلسة برلمانية قصيرة يعد "عبثاً في عبث"، بينما في الوقت ذاته كان هناك أستاذ قانون دستوري على قناة فضائية أخرى يصف القرار بأنه "تاريخي" بل ويقسم بأغلظ الأيمان أن القرار الرئاسي من صميم صلاحياته الدستورية، مما أدخل المواطن المصري في حيرة بالغة ليضرب كفاً بكف ولسان حاله يقول "بلد عجيب...ولا أحد يستطيع أن يفهم شيئاً مما يحدث!" لا شك أن الجدل الحاد بين فقهاء الدستور وشيوخ القضاة كان ذا صبغة سياسية واضحة وظهر هذا جلياً من خلال الفتاوي والآراء الصادرة عنهم وإلا فما معنى أن يصف بعض الرافضين للقرار الرئاسي بأنه يرسخ لشريعة الغاب ويدعون الرئيس مرسي لتقديم اعتذار للشعب المصري على قراره بل ويطالبون بعزله وتقديمه للمحاكمة بتهمة الخيانة، بينما طالب بعض المؤيدين بتفكيك المحكمة الدستورية وعزل المجلس العسكري وتغيير وزير الدفاع. هذا الحديث وهذا الوصف بعيد كل البعد عن تحليل وتوصيف القرار من الناحية القانونية والدستورية بل هو سياسي بحت كرس الانقسام الراهن بين معسكرين رئيسيين أحدهما مؤيد للدكتور مرسي والآخر رافض له. لكن في ظل هذا المشهد المعقد والملتبس يتعين التشديد على بعض الأمور المهمة التالية: أولا: ضرورة تحقيق وضمان الاستقلال القضائي الكامل وعدم الزج بالقضاة في المعترك السياسي، وضرورة احترام رجال القضاء المصري والالتزام بكافة الأحكام والقرارات الصادرة عنهم مهما بلغت قسوتها وشدتها وبغض النظر عن التشكيل القضائي الحالي للمحاكم الرئيسية، مع الوضع في الاعتبار أن السلك القضائي به رجال شرفاء قادرون على إصلاح أي اعوجاج أو خلل قضائي. ثانياً: ضرورة توفير الاحترام والتقدير اللائقين لرئيس الجمهورية فمن غير المقبول بتاتاً توجيه السباب والشتائم لرئيس الجمهورية وإطلاق ألفاظ مهينة وجارحة لشخصه مهما بلغت درجة الخلاف معه، وإذا استبحنا نحن المصريين التطاول على رئيسنا المنتخب إذن فلا نلوم غيرنا إذا تطاول عليه وهو الرمز الوطني لجميع المصريين. وهنا لابد من التفريق بين النقد الإيجابي والبناء الذي ينم في جوهره عن رغبة في تصويب الخطأ والحرص على المصلحة الوطنية وحب الوطن وبين النقد الهدام الذي ينطوي على كراهية واضحة ورفض غير مبرر للآخر. ثالثاً: لا تلوح في الأفق أية مؤشرات على قرب حدوث استقرار سياسي في مصر بسبب وجود صراع إرادات تدور رحاه بين المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين متمثلة في الرئيس مرسي من ناحية، وبين المحكمة الدستورية العليا ومجلس الشعب من ناحية أخرى، والسبيل الوحيد هو الولوج السريع في حوار جاد وبناء بغية التوصل إلى تسوية سياسية تقوم على قاعدة أساسية قوامها أن "مصلحة الوطن العليا فوق الجميع". رابعاً: الإعلام المصري، بقنواته العامة والخاصة، فقد صوابه وضميره للأبد وبات يتعامل مع كافة القضايا والأحداث وفقاً لأجندة خاصة ترمي أساساً إلى تشويه الآخر ودون مراعاة للمصلحة العليا للوطن ودون التزام بأبسط معايير النزاهة والموضوعية التي يقتضيها العمل الإعلامي، وهو بهذا يذكرنا بالدور ذاته الذي لعبه الإعلام التركي في تشويه الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا التي قادها نجم الدين أربكان حينما أسس أول حزب إسلامي في تركيا وهو حزب "النظام الوطني" في عام 1970. خامساً: أضحت النخب المصرية عبئا ثقيلاً على المجتمع المصري فبدلاً من أن تضطلع بدورها الوطني في قيادة وتوجيه الرأي العام على نحو يفيد البلاد والعباد باتت تتبنى عملية تدليس وتضليل واسعة النطاق وضربت بعرض الحائط أبسط قواعد الديمقراطية والحرية لدرجة أن بعضهم حاول الاستنجاد ببقايا النظام السابق في تشويه الإسلاميين، وتحريض المجلس العسكري ضد الرئيس المنتخب بل ووصل الأمر إلى دعوة الجيش للانقلاب ضد الرئيس على خلفية قرار إعادة البرلمان للانعقاد تحت ذريعة حماية الدولة المدنية. في خضم هذا المشهد المعقد وفي ظل هذه الظروف والأوضاع شديدة الالتباس فإن حالة الاختلاف والانقسام تعد أمراً طبيعياً وهذه هي تجليات العملية الديمقراطية لكن ينبغي أن لا تستمر هذه الحالة إلى الأبد، ولابد أن تنتهي مرحلة التجاذب الحالي على السلطات بسرعة حتى يتسنى توفير المناخ الصحي والمناسب للولوج في مرحلة بناء مصر جديدة حرة وقوية بسواعد جميع أبنائها دون استثناء، وإلا فإن الضحية ستكون مصر وسيدفع الشعب المصري كله الثمن الذي سيكون بلا شك باهظا للغايةً. لَعَمْرُكَ ما ضاقَتْ بِلاَدٌ بأَهْـلِـهَـا ولكنَّ أَخلاقَ الرِّجـالِ تَـضـيقُ