بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرا ما يتردد على مسامعنا أقوال هى فى الغالب خاطئة بل واحيانا تكون على نقيض ما ترمى اليه والمؤسف اننا نتداولها ونكررها ونتوارثها جيلا من بعد جيل وكلما حاولنا الحد من هذه الظاهرة وجدنا ردود الفعل محبطة كالقول بأنها اصبحت دارجة على اللسان فكلما تكرر ذات الموقف تكررت المقولة التى اصبحت عرفا دارجا والآمثلة على ذلك كثيرة منها ان يقول الإنسان واصفا نفسه (أنا مش بتاع دنيا)أو واصفا غيره (ده مش بتاع دنيا) وهذا لمجرد ان حظه فى الدنيا قليل او لآنه لا يسعى لتحقيق هدف بعينه او الحصول على ما فيها من نعم والحقيقة ان معنى هذه المقولة هام وكبير وهو على العكس من ذلك تماما والذى يستحق ان يقال عنه ذلك هو من يصوب نظره للأخرة (للجنة) مهما أتاه الله من نعم فى الدنيا فهو يرى المال فتنة سيحاسب عليها ويطبق فى انفاقه منهج الله ويرى البنون فتنة فيؤدى رسالته معهم كما امره الله ويرى العافية نعمة وان لم يشكر الله عليها باستخدامها فى محلها( بالعبادة) سيحرمه الله منها ولقد كان الصحابة رضى الله عنهم خير قدوة فى نظرتهم الى الدنيا نظرة متوازنة فهى لا قيمة لها فى حياتهم يتنازلون عنها بسهولة ومع ذلك فهم يجدون ويجتهدون و يزرعون ويتاجرون ويعمرون الآرض والدنيا فى أعينهم ليست غاية بل وسيلة لإرضاء الله عز وجل فهى معبر للإخرة والدنيا عند الله لا تساوى شيئا فالكافر يتمتع فيها مثل المؤمن أحيانا نجد البعض يقول إما دنيا وإما أخرة فكيف لا تهمنا الدنيا ونحن نتمتع بما فيها ونعمل ونكسب ونتزوج وننجب ونضحك ونفرح كيف استطاع الصحابة رضى الله عنهم فهم وتطبيق هذه المعادلة الصعبة وبالطبع فالآجابة معروفة عن طريق معلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت حياته تطبيقا حيا دقيقا لكل ما نزل عليه من ربه ولقد شبه النبى صلى الله عليه وسلم الدنيا بمن يغمس إصبعه فى البحر فلينظر بما ترجع فما خرج به هو حجم الدنيا بالنسبة للأخرة وهى قطرة فى يم أمن المعقول ان نترك البحر مقابل قطرة واحدة ولنتدبر هذه الآية التى تعبر بحق عن التوازن فى النظر للدنيا قال تعالى (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ المُفْسِدِينَ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى مِنْهَا كَافِرًا شَرْبَةَ مَاءٍ". جناح وليست البعوضة كلها وإذا قارنا بين المدة التى نحياها على الآرض والتى نمكث فيها بقبورنا لعلمنا حقيقة الدنيا وإذا قارنا بين ما نستطيع تحديده بإنتهائه والخلود الى مالا نهاية إما جنة وإما نار خالدين فيها أبدا لعلمنا حقيقة الدنيا يقول علماء الرياضيات ان الشىء الذى تقارنه بما لا نهاية يساوى صفرا فهى دنيا ليست عليا فلا يجوز التسارع من اجلها فالإنسان الذى لا يبغى الدنيا لذاتها دائما يذكر ويذكر غيره بأن الدنيا دار فناء وشقاء والآخرة دار راحة و هناء واستقرار وخلود وصدق وحق فهو يصل كل قول وفعل بالآخرة ويسخر كل ما انعم الله عليه لخدمة ما يريد فيخلصه الله بفضله من التعلق بالدنيا ومفاتنها فهو راض فى كل حال وهو يحاسب نفسه على الصغيرة والكبيرة تمهيدا لحساب أكبر هو على يقين به وانتظار له أصله مش بتاع دنيا