مع انتشار فيروسات وجراثيم الرشح والإنفلونزا، وتكاثرها لدرجة إحصاء أكثر من 200 فيروس يسبب الرشح، وظهور أنواع جديدة منها، ليس هناك أفضل من تقوية جهازنا المناعي لمواجهتها. فهي موجودة في كل مكان حولنا، تتربص بنا وتنتظر فرصة تغزو بها أجسامنا التي تدخلها عن طريق الأنف، الفم وآية تشققات في الجلد. والواقع أن التعرض المتكرر للعدوى، حتى في حالات الرشح الخفيف، لا يحدث إلا عندما يكون الجهاز المناعي ضعيفاً. ولتقوية هذا الأخير، هناك استراتيجيات طبيعية عدة يمكن اتّباعها، أبرزها اتباع نظام غذائي صحي، الاستعانة بالأعشاب الطبية، ممارسة الرياضة، وإدخال تعديلات بسيطة على نمط الحياة بشكل عام.

1- اعتماد النظام الغذائي المناسب: تتمثل الوسيلة الأفضل لتقوية الجهاز المناعي في تبني نظام غذائي متوازن، غني بالفواكه والخضار والحبوب الكاملة والبذور والمكسرات، وجميعها غنية بمضادات الأكسدة التي تعزز مناعة الجسم، وتقول الاختصاصية البريطانية تيريزا شونغ إن الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة مثل فيتامين E (جنين القمح، الحبوب الكاملة، البذور، المكسرات، الأفوكادو، بذور الكتان) وفيتامين C (الجوافة، الكيوي، ثمار العليق، البابايا، الحمضيات، المانغو) والسيلينيوم، الزنك والمغنيزيوم، تعزز إنتاج الخلايا المناعية التي تفرز مضادات الأجسام، ما يجعلنا أكثر قدرة على مقاومة جراثيم الرشح. وللحصول على أكبر قدر من مضادات الأكسدة يجب تناول المنتجات الطبيعية ذات الألوان الزاهية، الحمراء، البرتقالية والصفراء والخضراء، وأبرز الأطعمة المقوية للمناعة هي:

- الثوم: واحد من أكثر الأطعمة قدرة على مكافحة الجراثيم والفيروسات والفطريات. ومن المفيد تناوله يومياً، والأفضل أن يكون نيئاً. (وفي حالة طبخه يستحسن تقشيره وتقطيعه وتركه لمدة ربع ساعة قبل وضعه على النار مع محتويات الطبق الأخرى). والثوم فاعل جداً في مقاومة العدوى، وفي علاج الأمراض كافة التي تصيب الجهاز التنفسي.

- الأفوكادو: يحتوي على فيتاميني E وb6 وكلاهما يسهمان في إنتاج مضادات الأجسام، ويقويان قدرة خلايا الدم البيضاء على مكافحة الرشح.

- القرفة: تتميز بخصائصها المقاومة للجراثيم والفطريات، وهي قادرة على تدفئة الجسم بأكمله وتساعد على تقويته أثناء العدوى الفيروسية. ويمكن إعداد نقيع فاعل جداً في تعزيز المناعة، عن طريق وضع عود صغير من القرفة و4 شرائح من الزنجبيل في الماء المُغلى وتركه منقوعاً لمدة ربع ساعة، قبل احتسائه.

- السبانخ: غني بالكاروتينويدز، التي يحولها الجسم إلى فيتامين A لتعزيز مناعته. وهو غني أيضاً بالزنك الذي يقوي خلايا الجهاز المناعي التي تقاوم الجراثيم والفيروسات.

- فطر شيتاك: يُعتبر هذا النوع من الفطر مصدراً ممتازاً لعناصر طبيعية واقية من الفيروسات، وتتوافر الأنواع المجففة منه في المتاجر المتخصصة في بيع المنتجات الطبيعية الصحية أو في تلك التي تبيع المنتجات الغذائية الآسيوية.

- الأسماك الدهنية: غنية بأحماض أوميغا/ 3 الدهنية، الضرورية لإطلاق عمل الخلايا الدفاعية في الجسم، فهي تعزز نشاط خلايا الدم البيضاء التي تلتهم الجراثيم وتكافح الفيروسات. كذلك فإنها تقي الأضرار الناتجة عن فرط ردود الفعل تجاه العدوى. ويمكن الحصول على هذه الأحماض الدهنية أيضاً عن طريق تناول مقدار ملعقة طعام من بذور الكتان المهروسة يومياً أو ملعقة صغيرة من زيتها.

من جهة ثانية يتوجب الحد من تناول الملح، السكر (مجرد 100 غرام من السكر، أي الكمية الموجود في عبوتين من المشروبات الغازية تضعف من قدرة خلايا الدم البيضاء بنسبة 40%)، الدهون المشبعة ودهون ترانس أو الزيوت المهدرجة، مشتقات الحليب كاملة الدسم، اللحوم المصنعة مثل النقانق.

2- الاستعانة بالأعشاب: هناك أعشاب عدة تساعد على تقوية مناعة الجسم أبرزها:

- الإخناصية (Echinacea): واحدة من أهم أنواع الأعشاب التي تساعد الجسم على مقاومة العدوى، عن طريق حثه على إنتاج المزيد من خلايا الدم البيضاء والإنترفرون، التي تكبح عملية تكاثر الجراثيم، وهي فاعلة في مكافحة الفيروسات والجراثيم على حد سواء، ومتوافرة على شكل أقراص تباع في الصيدليات أو متاجر المنتجات الصحية الطبيعية.

- الأستراغالوس (Astragalus): تُستخدم هذه العشبة منذ آلاف السنين في الطب الصيني التقليدي، وذاع صيتها في الغرب، بعد أن أظهرت التجارب قدرتها على تقوية المناعة. وهي مثالية لكل من يعاني ضعفاً في المناعة لأي سبب كان.

- زهرة البلسان (Elderflower): تُعرف هذه العشبة بقدرتها على مكافحة الفيروسات وخفض الحرارة عند الإصابة بالحمى، ومكافحة الإنفلونزا والرشح وتقوية الجهاز المناعي. وتُستخدم لتقوية الغشاء المخاطي الذي يغطي الجدران الداخلية للأنف والحنجرة، ما يساعد على التخفيف من مشكلات عدة مثل الاحتقان، والتحسس، والسعال والنزلات الصدرية.

- جنسنغ سيبيريا (Siberian ginseng): يساعد تناول الجنسنغ على تقوية الجهاز المناعي في مواجهة العدوى ومقاومة الأمراض، وخاصة الرشح والإنفلونزا.

3- الاستفادة من قدرات الجراثيم الحميدة: القليلون منا يعرفون أن الجهاز الهضمي، هو في الواقع أكبر عضور مناعي في الجسم، وأن ما يعرف بالبروبيوتيكس (كائنات حية مجهرية) هي سلاحه السحري، وتجدر الإشارة إلى أن الجهاز الهضمي يحتوي عادة على 400 نوع مختلف من الجراثيم الحميدة، التي تشكل خط الدفاع الأول ضد الفيروسات المسببة للأمراض، كما أنها تعمل على تحلل المواد السامة. ويحتوي بعض أنواع اللبن على أنواع مفيدة من المستنبتات الحية لكنها غالباً ما تكون حساسة جداً، بحيث يؤدي سوء حفظ اللبن مثلاً إلى موتها. لذلك ينصح الاختصاصيون بتناول قرص من البروبيوتيكس من النوع الجيد الذي يحتوي على ملايين من الجراثيم الحميدة، التي تعيد التوازن إلى البيئة البيولوجية في الجهاز الهضمي، وتعزز عملية تشكيل الخلايا المعوية التي تلعب دوراً مهماً في الدفاع عن الجسم. إضافة الى ذلك فقد تبين أن تناول البروبيوتيكس يسهم في خفض الإصابات بالعدوى التي تكثر بعد استخدام المضادات الحيوية إلى النصف، وذلك عن طريق كبحها لنمو الجراثيم الضارة في الأمعاء، وحثها الجراثيم الحميدة على النمو.

4- ممارسة الرياضة باعتدال:

أظهرت إحدى الدراسات أن تواتر الإصابة بالأمراض يتزايد بمعدل 6 أضعاف لدى عدّائي السباقات الطويلة، مقارنة بزملائهم الذين لا يشاركون في هذا النوع من السباقات. غير أن هذا لا يعني ان علينا تبني نمط حياة خمول، بل على العكس، فقد تبين أن ممارسة الرياضة باعتدال تؤدي إلى النتائج المرجوة. ففي دراسة شملت 150 امرأة، تبين أن أعراض الرشح لدى اللواتي كن يمارسن المشي السريع لمدة 45 دقيقة في اليوم، 5 أيام في الأسبوع، كانت تدوم نصف المدة التي تستغرقها لدى الأخريات. وفي دراسة أخرى تبين أن عدد المرات التي يصاب فيها الأشخاص الذين يواظبون على ممارسة الرياضة باعتدال، بالرشح سنوياً تقل بحوالي 25% عما هي عليه لدى الآخرين، الذين لا يمارسون الرياضة أو نادراً ما يمارسونها.

5- التنفّس بعمق: يلعب الأوكسجين دوراً أساسياً في أداء الوظائف المناعية. فقد أظهرت الدراسات أن انخفاض كمية الأوكسجين التي تناسب جسمنا يُضعف قدرتنا على مقاومة الأمراض. وعندما نتنفس بسرعة وبشكل سطحي، فإننا نزفر ثاني أوكسيد الكربون بسرعة كبيرة ونستنشق كمية قليلة جداً من الأوكسجين. وتنصح شونغ بأداء تمرين تنفس بسيط يومياً يساعد على التعود على التنفس العميق. اجلس في مكان مريح وتنفس بعمق وببطء، حتّى يتمدد الحجاب الحاجز وأنت تعد إلى رقم 3، ثم احبس نفسك لمدة 3 ثوانٍ، ثم ازفر ببطء. كرر ذلك عشر مرات.

6- تنظيف اليدين بالماء والصابون والفم بالماء والملح:

ربما كان غسل اليدين بالماء والصابون بانتظام، أفضل وأسهل سبيل للوقاية من الرشح والإنفلونزا. فالمرض ينتشر، إما عن طريق الجزيئات المنتشرة في الهواء عندما يسعل المصاب أو يعطس، وإما عن طريق لمس الأسطح أو الأشياء التي لمسها المصاب. لذلك فإن غسل اليدين بالماء الفاتر والصابون مرات عدة في اليوم، يحول دون انتقال العدوى إلينا عندما نلمس عينينا، أو فمنا، أو أنفنا بأيدينا الملوثة. ويمكن اللجوء إلى المساحيق المعقمة لتنظيف أيدينا عندما يتعذر غسلها، وأفضل هذه المساحيق هي تلك، التي تحتوي على الزيوت العطرية الأساسية مثل زيت شجرة الشاي الذي يتمتع بخصائص معقمة ومضادة للفيروسات، مثله مثل زيت الحامض العطري.

7- تفادي التوتر والضغط النفسي: من المعروف أن حالتنا النفسية ومزاجنا يؤثران مباشرة في جهازنا المناعي. فالضغط النفسي المزمن يُعتبر واحداً من الأسباب الرئيسية لإضعاف الجهاز المناعي. لهذا نجد أننا نكون أكثر عرضة لالتقاط العدوى في الفترات نفسها، التي نكون فيها غير قادرين على الاسترخاء واستعادة الطاقة. ويؤدي التعرض للضغوط النفسية والتوترات لمدة طويلة (أكثر من 5 أيام) إلى ارتفاع مستويات هرمون الكورتيزول، الذي يعتقد العلماء أنه ينقص عدد الخلايا الدفاعية في الدم. من جهة ثانية فإن التوترات تقلل من درجة اهتمامنا بأنفسنا، فنميل إلى الاعتماد على المشروبات الغنية بالكافيين والسكر. والمعروف أن هذا المشروبات المنشطة تضعف المناعة. فضلاً عن ذلك فإن التوتر والضغط النفسي يؤثران سلباً في نوعية ومدة نومنا. وكانت الدراسات قد أظهرت أن النوم المريح يقوي الجهاز المناعي، والافتقار إليه يخفض من مستويات مضادات الأجسام التي تكافح الأمراض. لذلك فإن كل ما يساعدنا على مكافحة التوتر والضغط النفسي، وعلى التمتع بحالة نفسية إيجابية يسهم في تقوية جهازنا المناعي. وربما كان التأمل والتنفس العميق واليوغا من أبرز تقنيات الاسترخاء التي تساعد على ذلك. ومن شأن هذه التقنيات أن تساعد أيضاً على خفض ارتفاع ضغط، والتخفيف من سرعة إيقاع نبض القلب.