تناول العقاقير ليس السبيل الوحيد إلى علاج العقم المرتبط بعملية الإباضة، فهناك وسائل طبيعية يمكن اللجوء إليها بشكل آمن وفاعل لتعزيز خصوبة المرأة.

* قد يكون الحمل والإنجاب أمرين طبيعيين وبسيطين، بالنسبة إلى معظم النساء، غير أنهما يتحولان إلى محنة نفسية وفيزيولوجية حقيقية، بالنسبة إلى النساء اللواتي تفشل محاولاتهن المتكررة في الحمل. وغالباً ما يلجأ الأزواج في هذه الحالة إلى المتخصص في التخصيب، الذي يصف العقاقير المختلفة، أو ينصح بالخضوع لعمليات طبية مُضنية. وتُعلِّق المتخصصة الأميركية الدكتورة كريستيان نورثراب فتقول: إنّ هناك مُبالغة في اللجوء السريع إلى التقنيات الطبية، في الوقت الذي تتوافر فيه الكثير من الطُّرق الطبيعية الكفيلة بتعزيز الخصوبة. وهي تنصح بإبقاء التقنيات ملاذاً أخيراً بعد فشل جميع المحاولات الأخرى.

والواقع أن الكثير من الدراسات العيادية، يؤكد أن الطرق الطبيعية، مثل: تخفيف مستويات التوتر والإجهاد النفسي (يعيد التوازن إلى مستويات الهرمونات) وعلاج الوخز بالإبر (يعزز انسياب الدم إلى الرحم). وهي طرق فاعلة في رفع درجة الخصوبة لدى المرأة. إضافة إلى ذلك فإن هذه الطُرق الخالية من العقاقير تقوي الجهاز المناعي، وترفع درجة الوعي، وتساعد على توطيد الرابط بين المرأة وجسدها. وكل ذلك يُحسِّن النوعية العامة للصحة وللحياة بشكل عام. ويورد المتخصصون في العلاجات الطبيعية عدداً من الطرق التي يمكن للمرأة اللجوء إليها، قبل أن تطرق باب العقاقير والعمليات، وأهم هذه الطُرق:

1- تغيير النظام الغذائي:

يؤكد الدكتور جورج شافارو، الباحث في قسم التغذية في جامعة "هارفرد" الأميركية، أن إدخال تغييرات في النظام الغذائي وفي نمط الحياة يساعد على الوقاية من العقم المرتبط بالإباضة، كما يزيد من إمكانية علاجه. وكان شافارو قد أشرف على تحليل المعلومات المتعلقة بالنظام الغذائي في الدراسة الشهيرة، التي أُجريت في عام 1989، التي شملت أكثر من 123 ألف ممرضة، كانت 18555 منهنّ يحاولن أن يحملن. وتَبيَّن من النتائج التي نُشرت في عام 1994، أن تناول الأطعمة غير الصحية يؤثر سلباً في الخصوبة، خاصة إذا كانت تحتوي على دهون ترانس، المعروفة أيضاً باسم الدهون المهدرجة أو المهدرجة جزئياً. وغالباًَ ما نجد هذه الدهون في المنتجات الغذائية المخبوزة المعلبة والمسوّقة تجارياً، والأطعمة المقلية والمصنّعة. ويعتقد شافارو أن هذه الدهون تعوق الإباضة، لأنها تؤثر في وحدات استقبال خلوية تتحكم في الالتهابات وفي أيض الغلوكوز وحساسية الجسم تجاه الأنسولين. وأبرز النصائح الغذائية المفيدة هي:

- تَجنُّب السكر والدقيق الأبيض أو التخفيف من تناولهما: تنصح نورثراب النساء بتناول الأطعمة التي تساعد على استقرار مستويات سكر الدم. وهذا يعني التخفيف من تناول المنتجات، التي تحتوي على السكر المكرَّر أو الدقيق الأبيض أو تجنبها بالكامل. وتشمل هذه المنتجات كل المعجنات والمخبوزات من نوع المدُّونات، الكعك والفطائر، والخبز الأبيض، المعكرونة المحضرة من الدقيق الأبيض، الأرز الأبيض، والكثير من رقائق الحبوب المحضرة من الحبوب المقشورة والغنية بالسكر.

- شراء منتجات الزراعة العضوية: يجب الحرص على تناول المنتجات العضوية، للتخفيف من تعريض النفس للمبيدات. فالكثير منها يحتوي على مواد تؤثر سلباً في الغدد الصماء، إضافة إلى المواد السامة التي تضرُّ بالجهاز التناسلي. وفي حال تعذُّر شراء الأنواع العضوية من جميع المنتجات التي نأكلها، يجب التأكد من تناول الأنواع العضوية من الأطعمة، التي تحتوي عادة على مستويات عالية من المواد المضافة أو بقايا مبيدات الحشرات، مثل اللحوم، الدواجن، الأرز، الشوفان، الخضار (خاصة البصل، البطاطا، الكرفس، السبانخ، والفاصولياء الخضراء)، إضافة إلى الفواكه (مثل الفراولة، الدراق، التفاح، العنب، الموز).

- الحصول على كمية كافية من البروتينات: تقول المتخصصة الأميركية جيل بلاكواي: إنه يجب على المرأة تناول 75غراماً على الأقل من البروتينات يومياً. فالبروتينات تحتوي على الأحماض الأمينية، الضرورية لإنتاج البويضة ولإفراز الهرمونات المعزِّزة للخصوبة. والبروتينات متوافرة في اللحوم، السمك، البيض ومشتقات الحليب، العدس، الفاصولياء، الأرز البني، الكينوا وبذور دوّار الشمس.

- الحصول على بعض الدهون: تقول بلاكواي: إن تناول كمية صغيرة من الدهون، ضروري لإنتاج الهرمونات التي تلعب دوراً في التخصيب. وهي تنصح بتناول حفنة من المكسرات والبذور للحصول على الدهون غير المشبعة، والقليل من الدهون المتعددة غير المشبعة الموجودة في السمك يومياً. والأحماض الدهنية الأساسية متوافرة في الأسماك الدهنية، زيت كبد الحوت، زيت بذور الكتان، مشتقات الصويا. كذلك يمكن تناول قرص يحتوي على مزيج متوازن من أحماض "أوميغا/ 3" و"أوميغا/ 6" الدهنية.

2- الحفاظ على وزن الصحي:

تَبيّن من الدراسة المذكورة، التي أُجريت على الممرضات، أن صعوبة الحمل تزداد لدى النساء ذوات الوزن الزائد، تماماً مثلما تزداد لدى النساء النحيلات، اللواتي تقل أوزانهن عن المستوى الطبيعي الصحي. وأفضل طريقة للتعرّف إلى الوزن الصحي، هي قياس مؤشر كتلة الجسم (BM1)، الذي يعتمد على النسبة الموجودة بين وزن الجسم وطول القامة. ويتم حسابه عن طريق قسمة الوزن على مربع الطول. وإذا كان الناتج أو المؤشر، يتراوح بين 20 و24، فهذا يدل على أن وزن المرأة طبيعي، ويتماشى مع شروط التخصيب الجيد. أما إذا كان المؤشر أدنى من 20، فعَلَى المرأة المعنية، العمل على زيادة وزنها، مثلما يتوجب على المرأة التي يزيد المؤشِّر لديها على 24 العمل على تخفيف وزنها.

3- الاستعانة بطريقة الوخز بالإبر:

تَبيّن من دراسة أجراها الأطباء في مركز "كورنيل الطبي الأميركي" في عام 2003، أنّ الوخز بالإبر يمكن أن يزيد من فرص التخصيب، عن طريق زيادة منسوب الدم الذي يصل إلى الرحم. كذلك فإنه يساعد على إعادة التوازن إلى المحور، "تحت المهادي، النخامي، المبيضي" أو مركز التحكم في الهرمونات. يقول المتخصصون في الطب الصيني التقليدي: إنّ الوخز بالإبر يُعزّز انسياب "تشي" أو طاقة الحياة، ويفتح المسارات المغلقة ويخفف من مستويات التوتر. ومن وجهة نظر الطب الغربي، يقول الدكتور بروس غيلبرت، وهو متخصص في أمراض المسالك البولية في نيويورك: إنّ الوخز بالإبر يؤدي إلى استجابات انعكاسية. فوخزة الإبرة تطلق إشارة كهربائية تنطلق من الأعصاب الحسية إلى العمود الفقري، ثم تعود عبر الأعصاب الحركية، ما يُعزز في آخر الأمر من انسياب الدم إلى الأعضاء التناسلية. إضافة إلى ذلك، فإن الوخز بالإبر يخفف من مستويات هرمونات التوتر، التي تؤثر سلباً في عملية الإباضة، ويساعد على ضبط مستويات الهرمونات التي تُنظّم خروج البويضة من المبيض. وقد تبيّن أنّ الوخز بالإبر يساعد النساء اللواتي يعانين متلازمة التكيُّس المتعدّد في المبيض، التي تزيد من صعوبة الحمل، كما أنه يُسهم في زيادة إمكانية الحمل لدى النساء، اللواتي يخضعن لتلقيح في المختبر. وينصح الدكتور رايموند شانغ، المتخصص في الوخز بالإبر والأستاذ المساعد في الطب في جامعة "كورنيل"، جميع النساء اللواتي لا يرغبن في تناول العقاقير، واللواتي يعانين "أكياس المبيض" ويُردن زيادة فرصهنّ في الحمل، بالخضوع لجلسات بوخز الإبر.

4- الإسترخاء:

تتردّد على مسامع معظم النساء، اللواتي يجدن صعوبة في الحمل، نصائح من قِبَل الأقرباء أو الأصدقاء، أو حتى الجيران، يدعونهنّ فيها إلى الاسترخاء والتوقف عن التوتر، إذا أردن الحمل فعلاً. وعلى الرغم من أنّ هذه النصائح غالباً ما تُضايق النساء المعنيات، إلا أنها صحيحة. وتُعلِّق نورثراب قائلة: إنه كلما ازداد توتر المرأة بشأن عدم قدرتها على الحمل، تراجعت قدرتها هذه. ونظراً إلى الارتباطات القوية بين فصّي الدماغ الجبهيين (مركز انطلاق الأفكار والتفكير المنطقي) والوطاء أو تحت المهاد (قسم في الدماغ مسؤول عن ترجمة الأفكار للنظام الهرموني)، فإن الأفكار السلبية تؤدي إلى إفراز هرمونات التوتر التي تتفاعل مع تلك الهرمونات، التي تتميَّز بتأثيرها المباشر في الخصوبة.

وفي محاولة لكسر الحلقة المفرَغَة، التي تدخل فيها النساء المتوترات، بشأن قدرتهنّ على الحمل، قامت البروفيسورة الأميركية أليس دومار، مديرة أحد المراكز المتخصصة في صحة الذهن والجسم، بعلاج 185 امرأة غير قادرات على الحمل. وقامت بتقسيم هؤلاء النساء إلى 3 مجموعات، حيث خضعت المجموعة الأولى لعلاج المؤازرة النفسية، وركزت المجموعة الثانية على علاجات الاسترخاء، مثل اليوغا والتأمُّل، واكتفت المجموعة الثالثة بتناول عقاقير التخصيب فقط. وبعد مرور سنة، تمكن أكثر من نصف نساء المجموعتين الأولى والثانية من الحمل، مقارنة بـ20% فقط من نساء المجموعة الثالثة.

وتنصح دومار النساء الراغبات في الحمل كافة، بممارسة اليوغا والتأمُّل وتمارين التنفُّس العميق، فجميعها تساعد على تخفيف التوتر الذي يعوق التخصيب. ومن المفيد أيضاً الانضمام إلى مجموعة دعم. فالتواصل مع نساء أخريات يعشن التجربة نفسها، يخفف من وطأة الحالة ويُروِّح عن أنفُس النساء. وغالباً ما تُقدِّم مجموعات الدعم هذه سنداً عاطفياً وذهنياً، إضافة إلى التثقيف، الذي تحتاج إليه النساء في مواجهة ضعف الخصوبة لديهنّ.

5- خلق الحيّز اللازم للطفل:

تقول بلا كواي، إنها تقلق عندما تشاهد امرأة تستخدم هاتفها النقّال لإرسال بريد إلكتروني أو رسائل نصيّة إلى المكتب، وهي مستلقية على السرير، وتخضع للعلاج بوخز الإبر، بهدف مساعدتها على الحمل. وتُعلِّق قائلة: إنّ "على المرأة أن تكون واثقة برغبتها في إنجاب طفل، وأن تكون مستعدة لتخصيص حيّز كبير من حياتها لهذا الطفل، وعليها أن تؤكد لجسمها، عن طريق سلوكها، أن هذا الحيِّز قد أصبح جاهزاً لاستقبال الطفل".

6- الاستعانة بالتنويم المغناطيسي:

يمكن للعلاج بالتنويم المغناطيسي، أن يعزز الارتباط القوي القائم بين الذهن والجسم. وتُعلِّق هيلين أدريان، المستشارة في الجمعية الأميركية للتنويم المغناطيسي العيادي، فتقول: إنّ التنويم المغناطيسي يساعد أيضاً على التعامل مع الشعور باليأس، وضعف الثقة بالنفس، وكثرة الانفعالات. أما إليزابيث موير، وهي طبيبة نفسية ومتخصصة في التخصيب في لندن، فتقول: إنّ التنويم المغناطيسي يمكن أن يُزيل المعوقات العاطفية الخاصة لدى كل امرأة. فيمكن أن تكون المرأة في لاوعيها، غير مُرحِّبة بفكرة إنجاب طفل لأسباب معينة. إذ يمكن أن تكون خائفة من عملية الوضع، أو تواجه مشاعر متضاربة حول الأمومة.