امراض الشتاء هذا العام ليست كسابقاتها، فمواسم الرشح والإنفلونزا التي كانت تحل وترحل من دون إثارة الكثير من الضجيج، لا تشبه الموسم الحالي الذي طغى عليه تفشي الإصابة بإنفلونزا الخنازير الخطيرة.
يأتي تكاثر عدد الإصابات بإنفلونزا الخنازير في العالم، خلال فصل الشتاء الحالي، لينبهنا جميعاً إلى ضرورة بذل المزيد من الجهود للتقيد بالقواعد الصحية الوقائية. فإذا كنا في الماضي نتساهل بعض الشيء، ولا نولي مسألة إصابتنا بالرشح الكثير من الأهمية، فإن الحال قد تغيرت اليوم. ويعلق الدكتور وليام شافنير، مدير قسم الطب الوقائي في جامعة فاندربيلت الأميركية فيقول، إن إنفلونزا الخنازير مرض خطير ينتشر بسرعة أكبر من الإنفلونزا العادية. وإن ما يقال عنها ليس مبالغاً فيه، وعلينا جميعاً ان نتعامل مع الأمر بدرجة كبيرة من الجدية.
وفي هذا الإطار تقدم مجموعة من المتخصصين الأميركيين عدداً من النصائح، التي يمكن للجميع تطبيقها لتقوية مناعتهم ولوقاية أنفسهم من الإنفلونزا بأنواعها. وأبرز هذه النصائح:
1- استخدام سلاح الطعام:
أظهرت الأبحاث أن تعزيز نظامنا الغذائي الصحي بأنواع محددة من الأطعمة يزيد من قدرتنا على مكافحة الرشح والإنفلونزا. وأبرز هذه الأطعمة هي:
- اللبن: تبين من خلال دراسة سويدية أن العمال الذين كانوا يتناولون شراباً يحتوي على البروبايوتيكس، أو الجراثيم الحميدة الموجودة في بعض أنواع اللبن، نجحوا في خفض عدد أيام غيابهم عن العمل بسبب المرض بنسبة 30%. ويقول البحاثة إن جراثيم،Bifidus, L.rhamnosus Lactobacillus acidophilus الحميدة تنشط وتحفز خلايا الدم البيضاء التي تقاوم العدوى. وتنصح المتخصصة في التغذية، الأميركية إليزابيث سومر بالتأكد من وجود هذه الجراثيم الحميدة في اللبن قبل شرائه. فكلمة بروبايوتيكس وحدها لا تعني بالضرورة وجود هذه الجراثيم كافة التي تزداد فاعليتها عند وجودها كلها في المنتج نفسه.
- الثوم: في دراسة أميركية حديثة تبين أن الأشخاص الذين كانوا يتناولون قرصين من خلاصة الثوم لمدة 12 أسبوعاً خلال فصل الشتاء كانوا أقل عرضة للإصابة بالرشح بنسبة 60%، وحتى عندما كانوا يصابون بالرشح فإن مدة إصابتهم كانت أقصر بثلاثة أيام، مقارنة بالآخرين الذين لم يتناولوا الثوم. ويحتوي الثوم على اليسين، وهي مادة فاعلة جداً في مقاومة الجراثيم، إضافة إلى مواد أخرى تكافح العدوى، وتعتقد سومر أن الثوم يكون أكثر فاعلية عندما نتناوله نيئاً بشكله الطبيعي، وهي تنصح بتناول فصين منه يومياً.
- الشاي الأسود: يساعد احتساء 5 فناجين من الشاي الأسود يومياً لمدة أسبوعين على تقوية الخلايا الدفاعية في الجهاز المناعي، ما يجعلها تفرز 10 أضعاف كمية الأنترفيرون، وهو بروتين يقاوم عدوى الرشح والإنفلونزا. وتبين في هذه الدراسة التي أجريت في جامعة هارفرد، أن احتساء الشاي الأخضر يعطي النتائج نفسها، ويمكن لمن لا يتمكن من احتساء هذا العدد من الفناجين أن يتمتع أيضاً بنسبة من الفوائد باحتساء عدد أقل منها.
- الفطر: يحتوي الفطر على أكثر من 300 مادة تقوي المناعة، ويؤدي تناوله إلى زيادة إنتاج خلايا الدم البيضاء المقاومة للعدوى، وتقويتها. وأفضل أنواع الفطر، هي Shiitake, Maitake, Reishi فهي تحتوي على أكبر قدر من المواد الكيميائية المعززة للمناعة. غير أن الفطر الأبيض الشائع يفي بالغرض إلى حد ما.
- الأسماك الدهنية: سمك السالمون، الأسقمري والسردين غنية بأحماض أوميغا- 3 الدهنية، التي تزيد من نشاط الخلايا المناعية التي تقضي على جراثيم الإنفلونزا بالتهامها. كذلك تحتوي هذه الأسماك على السيلينيوم الذي يساعد خلايا الدم البيضاء على إنتاج السيتوكينز، وهي بروتينات تساعد في القضاء على الفيروسات. وأظهرت دراسات أخرى أن هذه الأحماض تعزز انسياب الهواء في الجهاز التنفسي وتقي الرئتين عدوى الرشح وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى، وتقول سومر إن أحماض أوميغا- 3 تفيد الجهاز المناعي أيضاً على مستوى أساسي، وذلك عن طريق تعزيز فاعلية أغلفة الخلايا في امتصاص العناصر المغذية والتخلص من السموم.
- حساء الدجاج: هذا العلاج التقليدي الذي كان ولايزال يستخدم منذ قرون، والذي تُسرع جداتنا إلى تحضيره كلما تمت الإصابة بالرشح، هو علاج حقيقي وفاعل. فقد تبين علمياً أن السيستين وهو حمض أميني يطلقه الدجاج أثناء الطبخ، يتمتع بتركيبة كيميائية شبيهة بتركيبة أبرز العقاقير المستخدمة لعلاج التهاب القصبات الهوائية. وحساء الدجاج يخفف أيضاً من كثافة الإفرازات المخاطية ويهدئ عوارض مزعجة مثل احتقان الأنف والسعال. وقد أظهرت الأبحاث أنه حتى أنواع حساء الدجاج التي تباع في السوبر ماركت تساعد على كبح الخلايا المسببة للالتهابات، ما يساعد على التخفيف من حدة عوارض الرشح. لكن الحساء المحضر في المنزل يظل أفضل بالطبع، خاصة لأننا نتمكن من إضافة عناصر أخرى إليه، تعزز فوائده وقدرته على مكافحة الأمراض مثل الثوم والزنجبيل.
2- تحصين النفس من الجراثيم:
أفضل دفاع ضد الفيروسات، هو الابتعاد عنها، وعن الأشخاص والأشياء الملوثة بها. ويقوم تشارلز جيربا، والمتخصص الأميركي في علم الأحياء المجهري في جامعة أريزونا، إن الجراثيم يمكن أن تظل حية على معظم أنواع الأسطح لمدة تصل إلى 3 أيام. وأفضل طريقة لحماية النفس منها هي:
- المواظبة على غسل اليدين بشكل جيد: يقول البروفيسور فيليب تيرنو، المتخصص الأميركي في الطب المناعي في جامعة نيويورك، إن غسل اليدين هو أفضل طريقة لمكافحة الفيروسات والجراثيم، شرط القيام بذلك بشكل صحيح. إذ يجب غسل سطح اليدين العلوي والسفلي بالصابون، من دون نسيان الأظافر، لمدة 20 ثانية على الأقل. وإذا لم يتوافر الماء والصابون يمكن استخدام هلام التعقيم، الذي يحتوي على 60% أو أكثر من الكحول الطبي، فهو يساعد على قتل جراثيم الرشح ويحمي من الإنفلونزا، عن طريق إذابة الغطاء الخارجي للفيروس. ويمكن أيضاً استخدام المناديل المعقمة التي تحتوي على مواد فاعلة، وليس تلك المعطرة فقط.
- استخدام المناديل الورقية: يستحسن الاستعاضة عن مناشف القماش في المطبخ والحمام أثناء موسم الإنفلونزا، بمناديل ورقية تستخدم وترمى. وفي المكتب يجب استخدام منديل ورق لفتح باب الثلاجة أو الفرن أو الخزائن، ولفتح الصنبور في الحمام، ولفتح باب هذا الأخير.
- مسح الأدوات بالسائل المعقم: تبين أن الجراثيم الموجودة على سماعة الهاتف، ولوحة مفاتيح الكمبيوتر، وسطح المكتب أكثر إيذاء من الجراثيم الموجودة على مقعد التواليت. لذلك يجب تنظيف هذه الأسطح كافة بمواد معقمة مع نهاية كل يوم عمل. وفي النادي الرياضي يجب تعقيم الأدوات والمعدات التي يستخدمها الآخرون قبل أن نستخدمها. وفي الفندق يجب تعقيم الهاتف، جهاز التحكم عن بعد، مقابض الأبواب، مفاتيح الكهرباء، فعلى الأرجح أن عمال التنظيف لا ينتبهون إلى هذه التفاصيل.
- الاستعانة بأدوات عازلة: عوضاً عن استخدام أيدينا مباشرة في الأمكنة العامة، يمكننا الاستعانة بأي أداة من شأنها وقايتنا من الجراثيم. يمكن مثلاً الضغط على زر المصعد باستخدام رأس مفتاح السيارة، أو طرف كوعنا. ويمكن ارتداء قفازات أو استخدام قلم أو بطاقة اعتماد مصرفية، للضغط على أي مفاتيح يستخدمها عامة الناس.
- احترام قاعدة المتر ونصف المتر: يجب الابتعاد عن أي شخص يعطس أو يسعل مسافة متر ونصف المتر على الأقل. فالجاذبية تجبر الرذاذ والقطرات، التي تخرج من أنفه وفمه حاملة معها الجراثيم، على السقوط على الأرض قبل أن تقطع هذه المسافة. وعند ركوب القطار أو الحافلة، يجب الحرص على الجلوس على بعد 3 صفوف من أي شخص يبدو عليه المرض.
3- الاستعانة بالمكملات الغذائية:
بعض المكملات الغذائية الطبيعية يساعد في الحفاظ على صحة جيدة طوال الشتاء، وأبرزها:
- أحماض أوميغا- 3 الدهنية، خاصة للأشخاص الذين لا يستسيغون طعم السمك، ولا يأكلونه مرتين أو ثلاث مرات أسبوعياً كما ينصح المتخصصون. يجب تناول قرص يومي يحتوي على غرام واحد من EPAو DHA، وهما أكثر هذه الأحماض فائدة.
- فيتامين D، خاصة للأشخاص الذين لا يتعرضون لقدر كافٍ من أشعة الشمس. وقد تبين في إحدى الدراسات أن الأشخاص الذين كانوا يتناولون أقراصاً يومية من هذا الفيتامين، نجحوا في التخفيف من حالات إصابتهم بالرشح والإنفلونزا بنسبة 70% مقارنة بالآخرين. وتنصح سومر بتناول قرص يحتوي على 1000 وحدة دولية من هذا الفيتامين يومياً.
- جنسينغ أميركا الشمالية: أظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين يتناولون خلاصة هذا الجنسينغ يصابون بنصف عدد حالات الرشح التي تصيب الآخرين. وحتى عندما يصابون فإن العوارض تدوم نصف المدة التي تستغرقها لدى الآخرين. فهذا النوع من الجينسنغ يحتوي على مواد تزيد من عدد خلايا الدم البيضاء، ومن كمية البروتينات التي يعتمد عليها الجهاز المناعي في دفاعه عن الجسم.
- الزنك: مع بداية الإحساس بالإصابة بالرشح يمكن تناول الزنك. ويقول البروفيسور دافيد كاتز مدير قسم الأبحاث الوقائية في جامعة يال، إن تناول 30 غراماً من الزنك مع بداية الرشح يقصر أيام الإصابة به بمعدل نصف يوم. ولكن كاتز يحذر من زيادة هذه الجرعة، فإذا كان الافتقار إلى الزنك، الضروري لإنتاج خلايا الدم البيضاء، يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالعدوى، فان تناول أكثر من 50 غراماً من الزنك يومياً يمكن أن يضعف الجهاز المناعي ويعطل امتصاص الجسم المعادن الأساسية الأخرى.
وفي المقابل يمكن الاستغناء عن تناول نوعين من الأقراص، تبين أنهما لا يلعبان دوراً مهماً في الوقاية من الإنفلونزا والرشح، وهما الفيتامين C، والإخناصية (Echinacea). ففي مراجعة، أجريت في عام 2007، وشملت حوالي 30 دراسة، تبين أنه ليست هناك أدلة تؤكد أن هذا الفيتامين يقي الناس العاديين الإصابة بالرشح. فضلاً عن ذلك فإن الجرعات الزائدة منه قد تسبب الحصى في الكليتين، وتؤدي إلى اضطرابات في المعدة. أما الإخناصية فلا تقي الإصابة بالرشح. وإذا تم تناولها مع بداية الإصابة فإنها قد تقصر مدة الرشح وحدته. غير أن العديد من الأنواع المتوافرة في الأسواق لا تحتوي على كمية الإخناصية اللازمة. وتجدر الإشارة إلى أنها قد تسبب عوارض تحسس لدى البعض مثل الإسهال والطفح الجلدي.
4- الحركة والاسترخاء:
يُعتبر النشاط البدني والنوم عاملين طبيعيين قويين لتعزيز المناعة. وهناك معدلات يجب احترامها في النوم وفي الرياضة للحصول على أكبر قدر من الفوائد.
- النشاط البدني: يقول الدكتور كاتز إن ممارسة التمارين الرياضية المعتدلة لمدة تتراوح بين 20 و30 دقيقة يومياً، تعزز انسياب الدم في الجسم ووصول العناصر المغذية إلى الخلايا، كما أنها تخفض مستويات هرمونات التوتر التي تضعف الجهاز المناعي. وجاء في دراسة نُشرت نتائجها في مجلة "الطب والعلوم والرياضة" الأميركية، أن النشاط البدني المنتظم، شرط ألا يكون قوياً ومبالغاً فيه، يخفف من خطر الإصابة بعدوى أمراض الجهاز التنفسي.
- النوم: تبين أن الافتقار إلى النوم، حتى لليلة واحدة، يمكن أن يضعف الجهاز المناعي. وكانت دراسة حديثة نشرتها مجلة "أرشيف الطب الباطني" الأميركية قد أظهرت أهمية النوم في مكافحة العدوى. وشملت الدراسة 153 شخصاً بصحة جيدة، طُلب من نصفهم النوم لأكثر من 7 ساعات كل ليلة لمدة أسبوعين، وطلب من النصف الثاني النوم لمدة أقل من ذلك، ثم تم بعد ذلك تعريض الجميع لفيروس الرشح. وتبين أن أفراد المجموعة الأولى نجحوا في التخفيف من إمكانية إصابتهم بالرشح بنسبة 300% مقارنة بالآخرين. من جهة ثانية، فإن النوم يلعب دوراً أيضاً في تعزيز فاعلية اللقاح المضاد للإنفلونزا. ففي دراسة أخرى تبين أن النوم لمدة 4 ساعات فقط قبل تلقي اللقاح، يؤدي إلى إنتاج الجسم نصف العدد الطبيعي لمضادات الأجسام.
- رياضة التاي تشي: أظهر البحاثة في جامعة شانغهاي، أن النساء الذين أعمارهن بين 55 و65 واللواتي يمارسن التاي تشي لمدة ساعة، 4 مرات في الأسبوع ، نجحن في رفع مستويات الخلايا المقاومة للأمراض لديهن بنسبة 32% في غضون 4 أشهر. وجاء في دراسة أجريت في جامعة إلينوي الأميركية، أنه مثلها مثل النوم، تساعد ممارسة التاي تشي قبل تلقي لقاح الإنفلونزا على تعزيز فاعلية هذا اللقاح بنسبة 17%. وتتوافر في الأسواق أقراص مدمجة، خاصة بتمارين التاي تشي للمبتدئين لمن لا يريد، أو لا يتمكن من الالتحاق بصفوف خاصة لهذه الرياضة الشرقية، التي تتميز بالتناغم بين الحركات البدنية البطيئة وحركة التنفس.
- تعزيز الحياة الاجتماعية: تبين أن الأشخاص الذين يتمتعون بحياة اجتماعية غنية وناشطة يصابون بعدد أقل من حالات الرشح، حتى عندما يتم تعريضهم عمداً للفيروس. ويعتقد البحاثة أن الأشخاص الاجتماعيين يكونون عادة أكثر إيجابية، ويحافظون على روابط عاطفية جيدة مع الآخرين، وهذا يقوي مناعتهم ضد الأمراض.