هشاشة العظام ليست، كما يعتقد الكثيرون، مرضاً لا يصيب إلّا النساء بعد سن الخمسين أو الستين. فهي تبدأ الزحف على الهيكل العظمي قبل ذلك بكثير.
تُظهر الدراسات الاستقصائية التي تجرى في مختلف أنحاء العالم أن أكثر من 80 في المئة من النساء الشابات يفترضن أنهنّ لسن معنيات بالإصابة بمرض هشاشة العظام، الذي كما يدل اسمه يجعل العظام هشة ونافذة وقابلة للتقصف والانكسار. صحيح أن المرض في حد ذاته لا يظهر عادة لدى النساء، إلّا ما بعد سن الخمسين، إلّا أن الخطوات والتدابير التي يتم اتخاذها منذ العقدين الثاني والثالث، بل والرابع أيضاً من العمر، تلعب دوراً أساسياً في تحديد مستوى صحة العظام في سن لاحقة. وكانت دراسة حديثة نشرتها مجلة أميركية متخصصة في أبحاث التهاب المفاصل والروماتيزم، قد أظهرت أن حوالي 4 في المئة فقط من النساء الشابات يتخذن الخطوات الضرورية لوقاية أنفسهن من هشاشة العظام. وتقول اختصاصية العظام، الأميركية البروفيسورة ميريام نيلسون، الأستاذة المساعدة في علوم التغذية في جامعة تافتس الأميركية، إن العديد من النساء يرتكب خطأ الاعتقاد أن كوب الحليب أو اللبن اليومي الذي يتناولنه كافٍ لمنحهنّ الوقاية اللازمة من هشاشة العظام. غير أن الواقع مغاير لذلك تماماً. ويورد اختصاصيو العظام وأمراضها عدة حقائق علمية متعلقة بالوقاية من هذا المرض الذي يصيب نسبة كبيرة من النساء، ويؤثّر سلباً في نوعية حياتهنّ.
1- بناء العظام وتقويتها أمر ممكن في كل سن: مثلها مثل خلايا الجلد، تخضع خلايا العظام لعمليات تجدد مستمرة. وفي سن الشباب تكون عملية نمو العظام أسرع بكثير من عملية اضمحلالها. غير أن هذه السرعة تتراجع مع التقدم في السن، ومع بلوغ سن 18 يكون ما نسبة 90 في المئة من النسيج العظمي قد تشكل، ويصل نمو النسيج العظمي أقصاه عند سن 30. وفي العقدين التاليين تأخذ الهرمونات في لعب دورها. فعندما تبدأ مستويات هرمون الإستروجين الذي يحمي العظام، في الانخفاض، يصبح تراجع كثافة العظام أسرع من عملية استبدالها والتعويض عنها. ويقول اختصاصي العظام الأميركي، الدكتور دافيد هامرمان، إن النساء يخسرن حوالي 20 في المئة من كثافة العظام لديهنّ بعد مرور ما بين 5 و7 سنوات على بلوغهنّ سن اليأس. من هنا ضرورة الحرص عل زيادة المخزون على هذا المستوى، أو الحفاظ على المخزون المتوافر، وذلك عن طريق اعتماد النظام الغذائي المناسب، وممارسة أنواع معينة من التمارين الرياضية وذلك منذ العقدين الثاني والثالث من العمر.
2- لا تشكل أنواع الرياضات كافة وقاية للعظام: صحيح أن السباحة وركوب الدراجة وتمارين البيلاتس تساعد على تنشيط العضلات وتقويتها، إلّا أننا نحتاج إلى أكثر منها لبناء وتقوية العظام. وتقول نيلسون إن كل التمارين الرياضية التي تتضمن رفع أوزان أو تحمل ثقل الجسم، والتمارين التي تسرع ضربات القلب وحركة التنفس (الأيروبيكس) مثل الركض، تسهم في حفز عملية تشكل العظام. فخلال ممارسة هذه التمارين يحاول الهيكل العظمي التأقلم والتعامل مع تأثير الجاذبية عن طريق بناء المزيد من الخلايا العظيمة. وينصح الاختصاصيون بممارسة تمارين رفع الأوزان من مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع، إضافة إلى تمارين القفز مدة تتراوح بين 10 و20 دقيقة ثلاث مرات في الأسبوع أيضاً.
3- الأطعمة المقوية للعظام متوافرة في المنتجات الطبيعية: يعزو الناس الكثير من الفضل في الوقاية من هشاشة العظام، إلى الحليب ومشتقاته بسبب ارتفاع نسبة الكالسيوم فيها. غير أن الهيكل العظمي يحتاج إلى دعم من عناصر مغذية أُخرى كي يحافظ على قوته. وقد تبين في إحدى الدراسات التي نشرتها مجلة أبحاث العظام والمعادن الأميركية، أن النساء اللواتي يتناولن قدراً كبيراً من الفيتامين C، يتمتعن بأعلى نسبة من الكثافة العظمية، بينما تنخفض هذه النسبة إلى أدنى مستوياتها لدى النساء اللواتي يتناولن أقل قدر من هذا الفيتامين. لذلك من الضروري تناول كميات وفيرة من المنتجات الطبيعية مثل البروكولي، الحمضيات، الفلفل الأحمر والكيوي، فجميعها غنية بهذا الفيتامين. ويتوجب أيضاً المواظبة على تناول الخضار الورقية الخضراء مثل السبانخ والجرجير، فهي غنية بالفيتامين K الذي يعزز إفراز الأستيوكالسين، وهو البروتين الذي يثبت الكالسيوم في النسيج العظمي. أما ثمار البحر والأسماك، خاصة بعض أنواع التونة، فهي تعتبر مصدراً مهماً للمغنيزيوم الضروري لقوة العظام. فحوالي نصف مخزون الجسم من هذا المعدن موجود في الهيكل العظمي. وينصح الاختصاصيون بتناول حوالي 320 ملغ من المغنيزيوم يومياً، وهو متوافر أيضاً في الأرز البني، زبد الفستق واللوز.
4- فاعلية الكالسيوم مرتبطة بالفيتامين D: كل الكالسيوم الموجود في الحليب ومشتقاته وفي الأقراص، لا يجدي نفعاً للعظام ما لم نتناول معه الفيتامين D. وتقول البروفيسورة سوزان براون، الاختصاصية الأميركية في أمراض العظام، إنه من دون مستويات كافية من هذا الفيتامين، لا يتمكن الجسم إلّا من امتصاص كمية ضئيلة جداً من الكالسيوم الذي نتناوله، ويستفيد منها. ويحتاج الفرد إلى ما يتراوح بين 1000 و2000 ملغ من الكالسيوم يومياً. وهي الكمية المتوافرة في 3 و4 حصص من مشتقات الحليب خفيفة الدسم، كما يحتاج إلى ما بين 400 و800 وحدة دولية من الفيتامين D، وذلك عملاً بتوصيات المؤسسة الوطنية الأميركية لمرض هشاشة العظام. ويتوافر هذا الفيتامين في سمك السالمون، القريدس، الحليب أو عصير البرتقال المقوى. كذلك يعتبر التعرض لأشعة الشمس مدة ربع ساعة يومياً مصدراً مهماً للحصول على الفيتامين D، ولكن يتوجب القيام بذلك في وقت مبكر صباحاً، تفادياً لأشعة الشمس القوية في ساعات الظهيرة. وينصح الاختصاصي الأميركي في أمراض العظام الدكتور روبرت هيني، الأشخاص الذين يفتقرون في نظامهم الغذائي إلى هذا الفيتامين، باستشارة طبيبهم بشأن تناول أقراص مكملة منه.
5- بعض الأطعمة تستنزف الكالسيوم: إضافة الحليب الخالي من الدسم إلى رقائق النخالة في وجبة الصباح، أو إضافة الجبن إلى سلطة السبانخ ظهراً قد تبدو خطوة جيدة في اتجاه الحصول على كمية الكالسيوم اليومية الضرورية، غير أنها ليست كذلك. فهناك مواد كيميائية، مثل الأوكسالات الموجودة في السبانخ، والفيتات الموجودة في نخالة القمح والفاصولياء، تلتصق بالكالسيوم وتعوق عملية امتصاصه في الجسم. لذلك لا يجب احتساب كامل كمية الكالسيوم التي نتناولها في مثل هذه الأطباق المذكورة ضمن الحصة اليومية الضرورية، بل يجب تعويض النقص عن طريق تناول المزيد من المنتجات الغنية بالكالسيوم في وجبات أُخرى. من جهة ثانية، فإن النظام الغذائي الغني بالمنتجات المصنعة يمكن أن يسهم أيضاً في افتقار الجسم إلى الكالسيوم. وتقول اختصاصية هشاشة العظام، الأميركية الدكتورة فيليسيا كوسمان، إن المنتجات الغذائية المصنعة تكون عادة غنية جداً بالصوديوم، وعندما تقوم الكليتان بالتخلص من فائض هذا الصوديوم، يتم هدر بعض الكالسيوم معه. وهي تنصح بحصر كمية الصوديوم التي نتناولها يومياً في أقل من 2000 ملغ. وذلك عن طريق التركيز على تناول المنتجات الطبيعية الكاملة، واختيار الأطعمة خفيفة الصوديوم والحد من تناول الأطعمة المصنعة مثل رقائق البطاطا، أنواع الحساء الجاهز، اللحوم المصنعة مثل المقانق، والصلصات الجاهزة.
6- الإبكار في الخضوع للفحص الطبي: على الرغم من أن التوصيات الطبية المعمول بها حالياً، تحدد موعد الخضوع لأوّل فحص تصوير طبي خاص بهشاشة العظام مع بلوغ سن 65، إلّا أن بعض النساء يحتاج إلى ذلك قبل هذه السن بكثير. وتقول نيلسون إن على النساء، خاصة المعرضات لبعض العوامل التي تزيد من خطر إصابتهنّ بهشاشة العظام، أن يطلبن من طبيبهنّ الخاص إجراء هذا الفحص في وقت مبكر، ولا ينتظرن تقدمهنّ في السن، فالوقاية من هشاشة العظام وعلاجها، مثل أغلب الأمراض، أسهل عندما يتم اكتشافها في وقت مبكر. وعند اكتشاف بدايات المرض يقوم الطبيب عادة بوصف أقراص الكالسيوم والفيتامين D بالجرعات المناسبة، إضافة إلى إدخال بعض التعديلات على نمط الحياة والتغذية والأنشطة البدنية. أما أبرز العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بهشاشة العظام، فهي:
- انخفاض الوزن عن 56 كيلوغراماً، لأن ذلك يعني عادة هيكلاً عظمياً صغيراً، أقل تحملاً وصلابة.
- وجود حالات إصابة في العائلة، خاصة إذا كانت القرابة وطيدة ومباشرة.
- تناول أنوع من الأدوية التي تتسبب في خفض كثافة العظام مثل بعض مضادات الحموضة، وأدوية الربو، وهرمونات الدرقية وأدوية السرطان.
- الإصابة بكسر عظمي أو أكثر في سن الرشد. فهذا الكسر قد يكون مؤشراً إلى كون كثافة العظام أقل من مستواها المطلوب.
- المعاناة من أمراض الاضطرابات الغذائية مثل الأنوركسيا أو البوليميا. فتعريض الجسم لحرمان غذائي شديد قد يفقده العناصر المغذية ويسرّع عملية تراجع كثافة العظام.
- غياب العادة الشهرية مدة ثلاثة أشهر أو أكثر. إذا لم تكن المرأة حاملاً أو مرضعة، فإن ذلك قد يشير إلى انخفاض مستويات الإستروجين في الجسم.
- التدخين، لأنه يؤدي إلى خفض مستويات الإستروجين الذي يحمي العظام، ويتدخل في عملية امتصاص الكالسيوم في الجسم.
- الاكتئاب، لأنّه قد يزيد من إفراز الجسم بروتيناً مسبباً للالتهابات، ويسرّع ظاهرة تراجع كثافة العظام.