كلٌ له دنياه، لكن التعويم لم يُفرق بين أحد، بينا تجرعت الطبقات الدنيا والمتوسطة من مرارته، وصلت أمواجه أيضًا إلى شواطيء أصحاب الدخول العليا، هؤلاء الذين تربوا على تفاصيل باتت جزءًا من دنياهم، لا يمكن الاستغناء عنها ولو بدت للآخرين أنها رفاهية، مثل احتياجهم الضروري لخادمات أجانب في منازلهم. فيما صار عليهم الاستغناء والبحث عن بدائل لأنهم لن يستطيعوا توفير الدولارات الكافية. منذ أن دخلت ليلى السيد بيت الزوجية بحي الشيخ زايد ووجود خادمة أمرا ضروريا في حياتها؛ لظروف عملها بالتليفزيون والذي يحتل اليوم بأكمله "وده مش قرار اختياري.. من غير خدامة حياتي تتدربك". اختارت ليلى أن تكون خادمتها من أثيوبيا لسمعتهن الطيبة "وقتها كانت بتاخد 500 دولار وزودتها 100 من عندي بس أيام ما كان بيساوي 6 جنيه"، تحكي ليلى بينما يغالبها الضحك وهي تقول "لما حصل فرق الدولار الواحد بقى حاسس إنه بيتكلم عن حاجة حصلت من 30 سنة.. الأسعار بقت مستحيلة".
 
في إبريل 2016 كانت أزمة طاحنة تدور في شوارع المحروسة جراء شح الدولار، وهو ما استعصى على ليلى وزوجها لتوفير أجر الخادمة، فيما جاء قرار الخادمة الإثيوبية بالرحيل من مصر "زعلت جدا لأن هي اللي ربت الأولاد، بس حسيت إن دي إشارة من ربنا"، راحت ليلى تبحث عن بديل غير أن شجار دب بينها وزوجها الذي اتخذ قرارا بالاستغناء عن وجود خادمة بالمنزل "قاللي هناخد 6 شهور هدنة نجرب".
 
 مرت الأيام بصعوبة على نفس ليلى، تعاني في العمل والمنزل، استعانت ببعض الخادمات المصريات في تنظيف المنزل يومين أسبوعيا "للأسف المصريين متطفلين ومبيحترموش اتفاقاتهم.. ولسه هشوف واحدة أجنبية جه الخبر العصيب إن الدولار داخل على 20 جنيه.. وقتها حسيت إني ممكن أسيب الشغل بسبب البيت، يا أما مرتبي كله هيروح للخدامة".
 
بدأت ليلى رحلة جديدة في عالم الخادمات، بات توفير "دولار واحد" حاسما في اختياراتها، كعب داير على مكاتب السماسرة "ودي مافيا كبيرة، ساعات بيرشحوا أي حد عشان ياخدوا عمولة والسلام". راحت ليلى تراجع التصنيفات مع صديقاتها مقارنة بالأسعار "عندك الفلبينيات والأندونيسيات الأفضل بس سعرهم مولع بيوصل لـ700 دولار، وبتوع نيجيريا واثيوبيا بيقبلوا ياخدوا بالمصري، بس غالبا أنت اللي بتعلمهم الشغل، يعني بتجيب خدامة تشتغل عندها مش العكس".
 
في "هوجة التعويم" أضحت "جروبات الفيس بوك" ملجأً للشكوى والتذمر والتماس النصيحة بشأن الخادمات "ناس كتير قالوا مش هنسرق عشان خدامة، وناس تانية استغنوا عن عربية أو غيروا بيتهم، واللي نجوا ناس قبضها بالدولار أو عندهم أم ترعى الولاد وتوفر آلاف بتروح على الأرض". 
 
يبدو استقدام خادمة في المنازل خطوة دالة على الرفاهية، غير أن الشابة "سارة المكاوي" التي تعيش في منطقة التجمع ولديها طفل صغير، تعتبر أن وجود من تهتم بشؤون منزلها وابنها تصرف لا غنى عنه "ناس كتير بتعمل دا، خاصة لما تكون الست بتشتغل".
 
قبل نوفمبر 2016، وتغير أحوال الجنيه، خاضت "سارة" رحلة في عالم استئجار الخادمات، بدأت بالمصريات "بس لقيت مع ناس فيهم عيوب خطيرة، منها إن العالم كله بيعرف إيه بيحصل في بيتي، وفيه واحدة منهم بتعمل تصرفات غريبة وقال أيه بتحضر عفاريت، أه والله" تقولها بوجه تملؤه الدهشة، لذا اتجهت سريعًا إلى الأجانب "الفرق بينهم والمصريات 500 جنيه قبل ما الدولار يضرب في العلالي".
 
ما بين 3 آلاف أو 4000 جنيهًا كانت "سارة" تدفع للخادمات الأجانب اللاتي عملن بمنزلها، توفر لهن غرفة خاصة "وطبعًا بيأخدوا مني فلوس أقل لأني بعلمهم الأكل وكل حاجة في البيت"، وهناك من يدفع أكثر وكلا حسب طاقته المادية.
 
هؤلاء الذين يمتلكون خادمات يُنظر لهم "إنهم أغنيا ومعاهم فلوس زي الرز"، تضيف سارة، غير أن الواقع يختلف "الواحد بيتصرف في فلوسهم بالعافية" لذلك حينما طلبت منها إحدى الخادمات رفع سعرها إلى الضعف "قولتلها مقدرش، أنا بستغنى عن حاجات كتير عشان تبقى معايا".
 
عندما ارتفع سعر الدولار في السوق السوداء، واجهت "سارة" أزمة مع الخادمة النيجيرية التي تعمل لديها "فضلت أدفع لحد ما الدولار وصل لـ 12 ونص، وكنت بصوت"، تتذكر كيف حاولت لبعض الوقت الاحتفاظ بها "مصروفي الشخصي بقى ليها، وبقيت أشترى الحاجات الأساسية للبيت، بس حسيت إني بستغنى عن حاجات كتير وحارمة نفسي".
 
حل التعويم وآثاره، فصار الاحتفاظ بخادمة أجنبية في المنزل دربًا من الخيال "رجعت للمصريات تاني مفيش بديل"، تعرف سيدة تسمى "أم جمال" جاءت لها بفتاة من شبراخيت، تحصل على 2500 جنيهًا شهريًا، لتعود من جديد مع أزماتهن، لكنها أفضل على أية حالة من الأجانب.
 
عامل بأحد المكاتب المخصصة في توفير الخادمات الأجانب، ومقره الزمالك، قال في اتصال هاتفي لمصراوي إنهم اضطروا إلى تقليل أسعار الخادمات نظرًا لأزمة الدولار الأخيرة، بعد التعويم والذي وصل سعره ما يقرب من 18 جنيها.
 
وأضاف أن الخادمات من الفلبين وهم الأكثر رواجا، كانت تتقاضين 700 دولار شهريًا غير أنهن قلصن هذا الرقم، وصار يمكنهن الموافقة على 600 دولار فقط.
وتابع: "الأزمة إنهم لا يوافقون على العمل بمقابل مصري"، إذ تطالبن بالحصول على العائد المادي بالدولار.
 
ويحصل المكتب على نصف المرتب مقابل توفير الخادمة، وفي حالة عدم إعجاب أصحاب المنزل بها يتم تغييرها بأخرى دون رسوم جديدة.
 
ويعد المكتب الراغبون في امتلاك خادمة بتوفير واحدة تملك خِبرة في المنازل 3 أو 5 سنوات، وأن تملك كافة الأوراق اللازمة للتأكد من تواجدها في مصر بشكل رسمي وقانوني.
 
وعن الجنسيات الأخرى، يعرض المكتب خادمات بالسودان مقابل 3 آلاف جنيه مصري، ومن نيجيريا أو غانا بـ 4500 جنيه، ومن أريتريا مقابل 5000 جنيه. على أن يحصلن على يوم إجازة أسبوعيًا.
 
الخادمات أيضًا تأثروا بما جرى للجنيه، "سيدرا" خادمة نيجيرية، تقول لمصراوي، إنها وزميلاتها صرن أكثر تساهلًا في أجورهن "قبلت العمل مقابل 200 دولار شهريًا وهو نصف الرقم الذي أحصل عليه في العادة". "سيدرا" جاءت إلى مصر منذ 3 سنوات، لم تجد صعوبة في العثور على وظيفة بأحد المنازل، بمساعدة أبناء دولتها، عرفت قواعد العمل سريعًا "لا نقبل غير بالدولار، تختلف الأسعار من منزل لآخر، ومتوسط أجورنا 400 دولار" لكن بعد التعويم واستغناء أصحاب البيوت عنهن بات عليهن إتباع قواعد جديدة. "الجميع يعلم الأزمة التي يمر بها الجنيه في مصر، لذا صرنا نقبل الدفع بالعملة المصرية"، كما اضطرت في إحدى المرات خلال العام المنصرم إلى العمل كمديرة منزل -أي تعيش مع العائلة بصورة دائمة- بالرقم نفسه التي تتقاضاه في حالة التنظيف فقط. عدد من زميلاتها قررن الرحيل عن مصر بعد شح الطلب عليهن، لكنها تحب القاهرة وتريد الاستمرار مهما كانت الظروف، وتُدرك جيدًا ما جرى حتى أنها كانت تتعجب من سيدة عملت لديها ظلت تمنحها 400 دولار شهريًا لفترة بعد جنون الدولار "لا أعرف كيف تحصل على تلك الدولارات في ظل الغلاء؟" قالتها ساخرة.