مع إنه العيد ما صارله خالص يومين ، ورجعت عالشغل اليوم ، إلا إني بلشت أحس بالملل من هلأ !
وصلت المكتب من ساعة تقريباً ، عملت كاسة نسكافيه وصورت أكمن فيديو عسنابشات وقعدت قدام كمبيوتري .. لسة المدير ما إجا ، الله أعلم شو حنستلم مشاريع جديدة بعد العيد ، مكتبنا الهندسي ماشالله عليه طلب ، ودايماً عنا أشياء جديدة ، بس بدنا نستنى مستر (غسان) لما ييجي عشان نعرف شو نعمل ، أو وين نطلع ، ومين نوخذ معنا .. 
فجأة إجاني تليفون من مرتي ، غريبة لسة الساعة 9 الصبح ، مالها (صفاء) بتتصل فيي من هلأ ؟ شو صحاها أصلاً ؟
- ألو .. اه يا (صفاء) ..
- عندكم تلفزيون في المكتب يا (ياسر) ؟
- اه ليش ؟
- افتح عقناة (رؤيا) بعد ربع ساعة ، في خبر عاجل ومهم كتير عبرنامج (دنيا يا دنيا) ! كل الفيسبوك بيحكوا إنه لازم نحضر شو حيحكوا .. في إشي مهم جداً ، قال (ناسا) إلها علاقة بالموضوع ! 
سحبت نفس عميق من السيجارة اللي كنت هلأ لسة مولعها ، وقلت :
- ولا ناسا ولا غيرو ، ترديش عالحكي الفاضي .. أكيد رفعة أسعار جديدة ، أو الله اعلم شو في قرار جديد يسم البدن .. مش عارفة كيف حكومتنا يعني ؟ أكيد مقلب!
قالت بسرعة ، وصوتها كان فيه توتر :
- لأ الموضوع جد كبير ، إنت مش متخيل! حتى القنوات العالمية كلها، كل القنوات، بعد ربع ساعة رح يحكوا شو الموضوع، شكله إشي عالمي!
التمست أنا!
جد بتحكي؟ بسم الله الرحمن الرحيم! إيش في؟
قمت عطول وهي لسة عالخط، فتحت التلفزيون عالقناة، المذيعة (دانة أبو خضر) قاعدة وشكلها زي المصدومة، وفي عداد تنازلي عالشاشة، 79 دقيقة بالزبط، شو هدول؟ 
مسكت الريموت وقلبت عالجزيرة، عالعربية، عال CNN، عأكثر من قناة، كلهم نفس الإشي، المذيعين شكلهم مش مزبوط، مخبوطين، حطيت عالتلفزيون الأردني بس كانوا حاطين مسرحية (العيال كبرت)، شكله مش واصلهم الموضوع اللي أبصر شو هو أصلاً !
فتحت فيسبوك، كل الدنيا بيحكوا عن تصريح أو بيان حيطلع بنفس اللحظة من كل القنوات التلفزيونية بالعالم، وبكل اللغات! نقزني قلبي، صور كثير وتوقعات كثير وكومنتات كثير، تضارب هائل بالآراء، إشي مش طبيعي، حسيت قلبي بنبض بجنون!
سكرت مع (صفاء) وقعدت قدام الشاشة، قعدنا أنا وبقية الشباب بالمكتب نحكي ونحلل، وإنه أبصر شو في وألله يستر، صارت الساعة 9 وثلث، رجعت عقناة (رؤيا) وتنحنحت المذيعة، وبلشت تقرأ من ورق بإيدها، يمكن لأول مرة :
- أعلنت وكالة الفضاء والطيران الأمريكية (ناسا) عن اقتراب كوكب (نيبيرو) من الأرض، الكوكب ظهر فجأة على بعد مئات آلاف الكيلومترات من كوكب الأرض ولم يتم التنبؤ باقترابه قبل هذه اللحظة لأنه كان خلف سديم أسود من الغبار الفضائي الذي جعله بعيداً عن الملاحظة حتى هذه اللحظة ..
اتطلعت عاللي حوالي بخوف، والمذيعة بلعت ريقها وقالت وصوتها بلش يرجّ :
- بعد 70 دقيقة من الآن سيرتطم (نيبيرو) بكوكب الأرض! قوة الاصطدام ستكون كبيرة وسيئة وسينتج عنها انفجارات في كل مكان، وأمطار غزيرة حمضية وزلازل، ومن المحتمل حصول موجات بحرية هائلة في كل مكان ..
وفجأة وقفت ورمت الورقة من إيدها وصرخت :
- يا دوب معكم ساعة قبل ما الكوكب يضرب الأرض! ودعوا اللي بتحبوهم، ودعوا اللي بتحبوهم ، ودعــ ..
ما كملت كلامها لأني ما سمعته، مجرد ما وقفت وقالت أول الحكي كنت طالع من المكتب وبركض، حسيت أعصابي تالفة عالآخر وأنا بتمنى نكون بكابوس..
مستحيل! 
مستحيل! 
اللي بصير خيال علمي! مستحيل حقيقة! حاسس قلبي بدو ينط برة صدري! 
نزلت عالشارع، فوضى، وناس بصرخوا، وناس حاضنين بعض، وولاد بركضوا لحالهم، وبنات وصبايا فاقعين بكا، وأزمة سير مش طبيعية، سيارات بكل مكان، ولكم يا مجانين وين رايحين؟ وفي حريق من بعيد، وورق بتطاير .. 
ضايل ساعة!
مش فاهم إشي، بس إذا ضايل ساعة لازم أروح عالبيت بأسرع وقت وأشوف (ًصفاء)، مرتي الحامل بالشهر السادس!
بيتي بعيد عن المكتب 4 كيلو تقريباً، بأول تلاع العلي، يا إلهي كيف كان الوضع عند دوار الواحة وآخر الجاردنز، فوق ما هو أزمة كانت الأزمة دبل بألف مرة، السير ما عم يمشي أصلاً، والناس بكل مكان زي الرز، المنظر مش ممكن تصدقه إلا إذا شفته بعيونك!
بركض، وبركض، ووصلت البيت ونفسي بدو ينقطع، قطعت المسافة بوقت قياسي رغم الأزمة والتعب والنفسية المدمرة وطول الطريق (صفاء) بترنّ علي، وإمي كمان، وصلت البيت وأول ما دخلت أخذت (صفاء) بحضني وصرنا نبكي، حضنتها وأنا مش مصدق شو حيصير! وبدون كلمة ضلينا طالعين الطابق اللي فوقنا عطول واللي ساكنة فيه إمي مع خواتي الصغار الثنتين، دخلنا وصار في حفلة أحضان جماعية، وبكاء، ودموع، وكلام مش مفهوم، ومشاعر جياشة كلها حزن!
ما بعرف فجأة كيف كلنا ومن غير تخطيط قمنا توضينا وبلشنا نصلي، اللي صلى ركعتين واللي صلى 4 ركعات، وطولنا في السجود وإحنا ندعي، خلصنا صلاة، و..
سمعنا هداك الصوت!
صوت إشي ضخم بيمشي بالشارع، زي صوت سيل أو ميّ، وصوت صراخ، ناس كثير بصرخوا، وسيارات بتزمر، وأشياء بتتكسر، المشكلة بيت أهلي مش مطل عالشارع، حكيت لإمي تضل بالبيت وبدي أنزل عالشارع، نزلت (صفاء) معي، وأول ما طلعنا عالشارع انصعقنا..
موجة مي عملاقة، هائلة، طولها أكثر من 300 أو 400 متر يمكن، جاي من بعيد بسرعة رهيبة، حاملة ناس وجثث وسيارات وحُطام وأشياء كثير مكسرة مش معروف شو هي، وجاي باتجاهنا ..
صرخت (صفاء) وشبه انهارت عالأرض، سندتها وقرّبتها مني، والمي بتقرب أكثر وأكثر، وغمضنا عيوننا، واستسلمنا.
وفجأة صحيت من النوم هديك ياللي بيصير لما بنقعد نسمع كلام الإعلام عن نهاية العالم.