اتهامات متتالية وحقائق غائبة، وثقة توشك على النفاذ ما لم يكن هناك عقلاء ينادون بالبحث الهادئ عن الحقيقة.. بهذه الارتباك تحركت العلاقات المصرية ـ الإيطالية منذ جريمة القتل الغامضة التى راح ضحيتها الباحث الشاب جوليو ريجينى، والذى تتهم أطرافاً داخل روما الأمن المصرى بالوقوف ورائها، مقابل أطراف أخرى ودوائر رسمية وشبه رسمية تؤمن بعدم وجود دافع لدى السلطات المصرية لارتكاب مثل هذا الحادث، وتؤكد حرصها ـ من أن إلى آخر ـ على العلاقات مع القاهرة.
وبعد غياب السفير الإيطالى عن القاهرة، وفى الوقت الذى ينادى فيه نواب برلمان إيطاليون ورؤساء أحزاب ومسئولين سابقين وحاليين داخل روما بعودة التمثيل الدبلوماسى بين البلدين لمستوياته الطبيعية، وتأكيدهم ضرورة الحفاظ على ما هو قائم مع مصر من علاقات اقتصادية وأمنية وتنسيق مفتوح فى ملفات عدة، خرج المحلل الإيطالى البارز جييدو تاييتو فى تقرير له بصحيفة "البيريماتو نوتيسيا" واسعة الانتشار ليشير صراحة بأصابع الاتهام إلى بريطانيا، محملاً الاستخبارات البريطانية مسئولية مقتل الشاب الإيطالى بهدف الوقيعة بين القاهرة وروما.
ريجينى الذى بدأ حياته البحثية دارساً فى جامعة كامبريدج البريطانية، كان بحكم طبيعة أبحاثه عن النشاط العمالى، ودور الكيانات والتنظيمات العمالية فى دول وبلدان الربيع العربى ومن بينها مصر، محل اهتمام العديد من دوائر صنع الأمن والاستخبارات داخل لندن بحسب تقارير غربية عدة، إلا أن ذلك لم يكن كافياً ليقدم أى من المراقبون على توجيه الاتهام للأمن البريطانى باستهداف ذلك الشاب بشكل مباشر أو عبر وكلاء، فى الوقت الماضى، ليبادر الجميع منذ العثور على جثمانه بشكل لافت يحمل الكثير من المؤامرات، باتهام الأمن المصرى بالوقوف وراء الحادث.
كل تلك المؤشرات دفعت المحلل الإيطالى لطرح العديد من الأسئلة فى تقريره اليوم، الثلاثاء، قائلاً: "غالبية وسائل الإعلام الإيطالية ركزت على الجانب المصرى والتحقيقات حول مقتل ريجينى، لحماية المناصب السيادية الإيطالية، وتجاهلت الجانب الأهم وهو رفض جامعة كامبريدج والاستخبارات البريطانية التعاون مع السلطات الإيطالية حول العثور على حقيقة مقتل ريجينى، والذى يثير العديد من الشكوك ويؤكد أن هناك شئ مشبوه خاص حول دور بريطانيا فى هذه القضية".
وكانت الحكومة الإيطالية السابقة برئاسة ماتيو رينزى اتهمت جامعة كامبريدج البريطانية بتعطيل التحقيقات وإخفاء معلومات فى قضية مقتل الباحث الإيطالى.
وأضاف تاييتو أنه "بعد أكثر من عام من مقتل ريجينى، وإغلاق السفارة الإيطالية بالقاهرة، إلا أن العلاقات المصرية الإيطالية مستمرة بقوة وهو ما يثبت أهمية ذلك البلد العربى بالنسبة لروما، ومنها اكتشاف شركة إينى حقل ضخم للغاز الطبيعى فى الأراضى المصرية، والتطور الأخير فى ظل رفع سقف الاستثمارات المتوقعة لإينى فى مصر خلال عام 2018 لـ3.5 مليار دولار، ولذلك فأصبح هناك ضرورة لعودة سفير إيطاليا إلى القاهرة.
وأشار تاييتو فى تقريره إلى ضعف دور إيطاليا فى ليبيا، وذلك بسبب عدم وجود اتصال مع حكومة مصر المستقرة، حيث أن مصر لها دور حاسم فى اللعبة الجيوسياسية فى ليبيا، وأيضا بالنسبة للهجرة، بالإضافة إلى الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابى، واستقرار المنطقة، وعدم وجود سفير لروما فى القاهرة أثر سلبا على دورها فى طرابلس، وسمح لفرنسا أن تتدخل فى تلك الأزمة وان تحل محلها".
وأكد الباحث أنه لابد من معرفة حقيقة مقتل ريجينى وأن يكون هناك عملية استخباراتية جيدة من بعض الحكومات الأوروبية ولكن من دون تخريب العلاقات بين إيطاليا ومصر، مستبعدا أن يكون للسلطات المصرية أى يد فى قتل الشاب الإيطالى، والدليل على ذلك أنه تم العثور عليه بسهولة فى الصحراء، فإذا كانت مصر هى وراء مقتله لكان عملية العثور على جثته أصبحت أصعب من ذلك بكثير، مؤكدا أن مقتل الطالب الإيطالى مجرد "خدعة" من بعض الدول التى ترغب فى تدمير العلاقات بين القاهرة وروما، وتتضييق الخيارات الجيوسياسية لإيطالية فى المستقبل.