ظل معظم الهنود الحمر، السكان الأصليين في البيرو القاطنين بالقرب من المرتفعات والجزر الواقعة على طول الساحل البيروفي، وهي ذات مناخ مداري، يعانون من الفقر الشديد الى ان اكتشف فيها ما لم يخطر ببال أحد.

نهى أحمد من سان خوسيه: هذا الاكتشاف لم يحوّل عددا من السكان الفقراء الى أغنياء فقط، بل لعبوا دورًا في اقتصاد بلادهم.

فهم لم يكتشفوا منجمًا للماس أو الذهب بل اتضح لهم بأن نفايات الطيور التي تأتي الى هذه المرتفعات تتخمر وتصبح أفضل سماد طبيعي وأثمنه.

يطلق على السماد اسم ذرق الطائر وهو من شأنه ان يساهم في حل مشاكل بيئية كثيرة للأرض بدل استخدام المزارعين السماد الكيميائي.

فالطيور البحرية تأتي الى هذه المرتفعات والجزر المطلعة على المحيط الهادي، ومنها جزيرة غوانو، بالملايين، كطائر البطريق والغاف وطير اطيش البيروفي، ويوجد من هذا النوع أكثر من 3 ملايين طير لصنع أعشاشها ووضع بيضها أو لكي تنفق وتترك وراءها فضلات بالاطنان.

والملفت أن اطيش البيروفي يصنع عشه من ذرق الطائر أي من الفضلات.

وتأتي الطيور الى الجزر والمرتفعات في فصلي الصيف والخريف فتترك فضلاتها وعبر عوامل طبيعية تتكون مع الوقت كتل سماد زراعي مميز، لانه غني بمركبات عضوية ومن فوسفات الكالسيوم والنيتروجين والبوتاسيوم ونترات مختلفة.

صادرات الى الخارج بملايين الدولارات

تتكون من الفضلات وجيف آلاف الطيورالبحرية وغيرها بالاخص فوق جزيرة نورو طبقة سميكة من ذرق الطائر يصل وزنها سنوياً الى حوالي 300 الف طن، يصدر معظمها الى بريطانيا وبلجيكا والولايات المتحدة الأميركية ووصلت قيمة الصادرات العام الماضي الى 190 مليون دولار.

كنز من الفضلات

ويعتبر هالدبرندو انجيليس دي لا كروس واحد من اكثر العمال خبرة ومهارة في جمع ذرق الطائر، وبالنسبة له ولزملائه، فإن ما يحصلون عليه هو كنز حقيقي لبلاد الأنديز الفقيرة، فبفضل فضلات الطيور لديهم عمل منتظم ودخل لا بأس به يصل شهرياً الى حوالي 400 دولار، أي ضعفي الراتب الذي تحدده الحكومة، وهو سعيد، رغم ان العمل مرهق وعليه جمع ذرق الطائر بيده وليس بمجرفة حفاظًا على طبيعة الارض الا انه اشترى قبل فترة قفازات تحمي يديه ويضع مثل زملائه كمامات على الأنف والفم للتقليل من قوة الرائحة الكريهة، التي تنبعث من الفضلات.

قانون يحمي الطيور

ومن أهم وظائف ذرق الطائر انه يحسن الصرف الصحي والملمس في التربة ويحفز الكائنات الحية في التربة ويعمل كمبيد طبيعي للفطريات ويسيطر على الديدان الخيطية في التربة ويسرع عمليات التحليل، كما وانه سماد ممتاز لتسريع عملية التحلل. ووضعت السلطات البيروفية قانونًا يعاقب كل من يلحق الأذى بتلك الطيور .

انتعاش القطاع السياحي

والملفت ان ذرق الطيور استخدم في القديم من قبل شعوب الانكا، سكان البيرو الأصليين، كسماد زراعي، وفي القرن الـ 19 تحول الى مادة لصنع المتفجرات، وكان يصدر بكميات كبيرة مع السكر والتبغ والقطن والروم الا ان تصديره أهمل ليعود اليوم ويساهم في انعاش منطقة تعتبر من أفقر المناطق في أميركا الجنوبية.

وبعد أن تحول بعض فقراء المنطقة الى أغنياء، يحاولون اليوم بناء فنادق ونزل لاستقبال السياح، بالأخص العلماء، وكل من يهتم بشؤون البيئة والطبيعة، فإلى جانب أكوام الفضلات التي تتحول الى سماد طبيعي، هناك معالم أثرية لشعوب الانكا، وساحل رائع لم يكتشفه السيّاح بعد.