يواجه الرئيس الفرنسي المنتخب حديثا ايمانويل ماكرون الذى تولى مهامه رسميا اليوم الاحد مهمة شاقة لإعادة ضخ دينامية جديدة في الاقتصاد لكنه تلقى تفويضا استثنائيا جديرا بالاهتمام لتأدية هذه الخطوة الصعبة.
ويضع ماكرون الذي فاز بالرئاسة الفرنسية بتأييد 66 بالمئة من الاصوات في الجولة الثانية من الانتخابات التي اجريت في السابع من مايو الجاري اعادة هيكلة الاقتصاد الفرنسي واعادة توجيه الاولويات الاقتصادية في صدارة برنامجه.
ولم يقف شباب ماكرون (39 عاما) عقبة أمام فوزه بأصوات الناخبين الفرنسيين المتضررين ومنحه فرصة لتحقيق ما فشل فيه الآخرون.
وورث ماكرون من خلفه فرانسوا هولاند حملا ثقيلا في ضوء ارتفاع معدلات البطالة وتباطؤ النمو وانسحاب شركات تنشط بمجال الصناعات الأساسية في فرنسا ونقل مصانعها إلى دول ذات عمالة ارخص.
ويقول ماكرون انه يستطيع ان يعيد تنشيط الاقتصاد من خلال سلسلة من الاصلاحات بعضها سيتم عبر فرض مرسوم.
وربما يتعين على ماكرون اللجوء إلى هذه الخطوة إذا لم يحصل على أغلبية برلمانية صلبة تتيح له اتخاذ القرارات خلال الانتخابات التشريعية المقررة في يونيو المقبل.
ويعتمد نهج ماكرون الاقتصادي على إعادة تخصيص الموارد نحو مجالات أكثر إنتاجية وتشجيع الابتكار والإبداع ودعم الأعمال التي من شأنها أن تولد ليس الازدهار فحسب وانما توفير الوظائف التي تشتد الحاجة إليها في فرنسا.
وتبلغ البطالة في فرنسا رسميا 10 بالمئة أي حوالي 5ر3 مليون شخص لكن مراقبين يقولون إنها أعلى من ذلك بكثير وأن ما لا يقل عن خمسة ملايين شخص لا يستطيعون العثور على وظائف بدوام كامل.
وأشار الرئيس الفرنسي المنتخب حديثا خلال مراسم تنصيبه اليوم الاحد إلى هدفه هو التركز على تحقيق المزيد من الازدهار واعطاء "الثقة" للشعب الفرنسي.
وكان ماكرون قال خلال حملته الانتخابية انه يريد خفض الضرائب بقيمة 16 مليار يورو على الشركات وعلى الثروات وكذلك اعفاء أصحاب العمل من دفع ضرائب الرعاية الاجتماعية على الرواتب التي تمثل الحد الأدنى للأجور.
كما يعتزم خفض الضرائب على المنازل من خلال إلغاء الضرائب المحلية على معظم الممتلكات والإيجارات بنحو 17 مليار يورو.
وفي الوقت نفسه سيخفض ماكرون الضرائب على العمل الإضافي بجانب تقليل الضرائب على بعض الاستثمارات.
وذكر ماكرون في بيانه الانتخابي الذي يستند الى توقعات ببلوغ الناتج المحلي الإجمالي 7ر1 بالمئة أنه سيقلل الانفاق العام لكنه سيستثمر 50 مليار يورو في الصناعات الفرنسية خلال السنوات الخمس المقبلة وبخاصة في مجال تحويل الطاقة.
لكن الجانب السلبي للمستهلكين والأسر الفرنسية يتعلق بعزم تجميد رواتب الخدمات المدنية وتقليل موازنة قطاع الصحة وشطب 120 ألف وظيفة في القطاع الحكومي الذي تشير تقديرات إلى أنه يعمل به نحو 20 بالمئة من القوة العاملة الفرنسية.
كما يعتزم ماكرون تطبيق خفض بمقدار 15 مليار يورو في أموال الدولة للقطاعات العامة لكنه سيضخ 13 مليار يورو في مجالات معينة بخاصة وأنه أكد في وقت سابق أنه يعطي أولوية للتعليم والتدريب بهدف تعزيز قوة عاملة مؤهلة في فرنسا.
كما سيصب ماكرون تركيزه على الاستثمار من خلال الصناعة الفرنسية التي لا تمثل سوى ما يزيد قليلا عن 11 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بما يقرب من 30 بالمئة قبل ثلاثة عقود.
ويمثل مستوى فرنسا اليوم اكثر من نصف حصة الصناعة الالمانية من الناتج المحلي الاجمالي التي حافظت على مستوى 24 بالمئة وسط تقديرات بأن فرنسا فقدت اكثر من ستة ملايين وظيفة في القطاع الصناعي خلال الثلاثين عاما الماضية.
ويؤكد ماكرون انه سيجعل سوق العمل في فرنسا اكثر مرونة وسيضع اصلاحات بشأن التوظيف وتسريع العمال إضافة إلى سن قانون عمل داخلي للشركات.
وهذا مجال قد يواجه فيه مقاومة شرسة من نقابات العمال التي تبدي بالفعل تذمرا من تكلفة المعيشة وعدم الحصول على زيادات كبيرة في الرواتب.
ويعتزم الرئيس الفرنسي الجديد إلغاء تشريعات متعلقة بساعات العمل واتاحة المجال أمام أصحاب العمل والموظفين لتحديد عدد ساعات الدوام لكن بحد أقصى 48 ساعة أسبوعيا مقابل 35 ساعة حاليا.
ومن المتوقع أيضا تقديم مقترحات أخرى بشأن إصلاح ظروف العمل لكن النقابات حذرت ماكرون من الذهاب بعيدا وعدم استشارتها بشأن عملية الإصلاح.
وربما تكون هذه احدى العقبات الرئيسية التي قد تواجه ماكرون والنقابات الفرنسية التي تمثل 11 بالمئة من القوى العاملة الوطنية وتمكنت من شل الاقتصاد الفرنسي في الماضي من خلال عدد من الإضرابات.
كما يتعين على ماكرون أن يضع في اعتباره أنه على الرغم من حصوله على 66 بالمئة من الاصوات فإن معارضين ونسبة من الناخبين وضعوا اوراق اقتراع فارغة وربما يطلق عليها "المعارضة الصامتة التي يمكن أن تصبح صاخبة في المستقبل".
كما أن العقبة الرئيسية الأخرى تتمثل في الحاجة إلى أغلبية برلمانية قوية خلال الانتخابات التشريعية المقررة في يونيو المقبل وعندها فقط سيكون الرئيس الجديد قادرا على تنفيذ إصلاحاته ليس بحماسه المعتاد فحسب لكن بفاعليته أيضا