على الرغم من التقدم العلمي الهائل في فهم طبيعة مرض السرطان ومحاولة علاجه بمختلف الطرق الحديثة كزراعة الخلايا الجذعية والعلاج البايلوجي وإستخدام تقنية النانو؛ إلا إن السرطان يبقى أحد أهم الأسباب المؤدية إلى الموت في العصر الحديث. فمنذ أن أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون الحرب على السرطان في 23- كانون الاول 1971 , لا يزال السرطان يقتل أكثر من عشرين ألف شخص يوميا, ولا يزال الأمل قائما مع كل إكتشاف جديد , معلنا عن جولة أخرى ضد هذا المرض.
                                                       
 بم يختلف السرطان عن الأمراض الأخرى؟
السرطان ليس كشلل الأطفال أو الإنفلونزا حيث يمكن تجنبه بلقاح أو علاجه بمضاد حيوي. بل هو منظومة من الأمراض التي تستهدف السيطرة على الخلايا وغزو الأنسجة والإنتقال من عضو إلى آخر. ومما يزيد الأمر تعقيدا هوأن الجسم البشري يحتوي على 206 نوعا من الخلايا, ومن الممكن أن نجد عدة أشكال من السرطان في نوع واحد من الخلايا, الأمر الذي يجعل السرطان عبارة عن أكثر من مائتين مرض.
ومن الجدير بالذكر أن أغلب الخلايا السرطانية هي خلايا متمردة لاتخضع لنظام، لكنها تشترك في خصائص معينه تمكنها من الإستمرار والإنقسام، حيث إن الخلايا السرطانية تتجنب الموت الخلوي المبرمج الذي تخضع له الخلايا الطبيعية. كما أن الخلايا السرطانية لها القابلية على إستحداث أوعية دموية جديدة لتزويد الخلايا بالدم والأوكسجين.
السرطان ليس كشلل الأطفال أو الإنفلونزا حيث يمكن تجنبه بلقاح أو علاجه بمضاد حيوي بل هو منظومة من الأمراض التي تستهدف السيطرة على الخلايا وغزو الأنسجة والإنتقال من عضو إلى آخر
بوجود هذه الخصائص المتعدده التي تمتاز بها الخلية السرطانية فإنه من الصعب إستهدافها والقضاء عليها بإستخدام علاج واحد. ولعل الواقعية التي عبر عنها (بيتر كرامر) الباحث في مركز أبحاث السرطان الألماني حين وصف ” إن علاج السرطان هو أكثر تعقيدا من الهبوط على القمر” يعطي إنطباعا عن مدى الصعوبة في علاج هذا المرض.
مفهوم الصحة بمنظور الوقاية
لو اردنا اتباع نظام صحي متوازن يجنبنا مشقة المرض وتكاليف العلاج, ماعلينا إلا إتباع التعاليم الاسلامية في التغذية السليمة التي تجمع بين جودة الغذاء وحسن التصرف بالإكتفاء وتلبية جاجات الجسم والروح معا. كذلك تجنب العادات السيئة كالتدخين, المشروبات الكحولية, الكسل واليأس التي من شأنها ان تزيد من وبائية مرض السرطان. ومن هذه العوامل التي يجب النظر اليها بعين الاعتبار :
1. النظام الغذائي :  35 % من وفيات السرطان يرجع لأسباب غذائية وتبني نظام غذائي يعتمد على الأكلات السريعة, الأغذية الصناعية والمشروبات الغازية الغنية بالسكريات. وينصح خبراء التغذية أن لايزيد الإستهلاك اليومي من السكر عن 20 غرام . إذ يعتبر السكر بمثابة الوقود للخلايا السرطانية. كذلك هو الملح, فقد لوحظ أنه يرتبط بحوالي 14% من حالات سرطان القولون والمعدة في بريطانيا. وينصح أن لايزيد إستهلاك الملح اليومي عن 6 غرامات.
2. التدخين : التدخين أحد أهم أسباب سرطان الرئة، الفم ، المثانة، القولون، البنكرياس. فقد قامت الوكالة العالمية لأبحاث السرطان بتصنيف التبغ على إنه مادة مسرطنة. وتشير الإحصائيات إن التدخين مسؤول بصورة مباشرة عن 22% من مجمل وفيات السرطان. وقد لوحظ في العديد من الدراسات إنه كلما زادت جرع وفترات التدخين كلما زاد مستوى التطفير في جين P53, وهو من الجينات الكابحة للأورام السرطانية وإن أي خلل في هذا الجين يؤدي إلى نمو وإنتشار الورم بصورة عشوائية.
3. المشروبات الكحولية :  أوضحت الأدلة العلمية إن تراكمات مادة (acetaldehyde) المسرطنة , الناتجة من شرب كميات كبيرة من الكحول ترتبط بالحمض النووي DNA , وتقوم بتحطيم جزيئات حمض الفوليك مما يؤدي الى تشوهات خلوية وإضطراب في العمليات الأيضية. كما إن نسبة الطفرات في الجينات تزداد إلى ثلاث أضعاف لدى الأشخاص المدمنين على الكحول مقارنة بالأشخاص الذين لايتناولون الكحول. ويزداد خطر الإصابة بمرض السرطان بنسبة 50% لدى الاشخاص المدخنين والمدمنين على شرب الكحول في نفس الوقت.
4. السمنة :  السمنة هي أحد الأسباب في زيادة نسب سرطان القولون , البنكرياس, الثدي والكلية. حيث يساهم الوزن الزائد برفع مستويات الخطر في هذه الأنواع من السرطان الى خمسة أضعاف مقارنتا مع الذين يتمتعون بوزن طبيعي. وبالرغم من إن آلية الإرتباط ين السمنة والسرطان لاتزال غير مفهومة من الناحية الجزيئية, إلا إن دور السمنة واضح في تعطيل الوظيفة الحيوية للخلايا الشحمية التي تقوم بمهمة تخزين الدهون في الأنسجة الضامة, مما يؤدي الى خلل في توازن الطاقة وهرمون الانسولين .
تشير الإحصائيات إن التدخين مسؤول بصورة مباشرة عن 22% من مجمل وفيات السرطان
5. الإكتئاب :  لا شك إن العامل النفسي يلعب دورا مهما في سير العمليات الحياتية في النظام الخلوي. إذ إن أحداث الحياة المتسارعة والمشحونة بالتوتر لها إرتباط مباشر بحدوث خلل في بعض الهرمونات والأنزيمات الداخلية. حيث تشير البحوث العلمية إن إنخفاض نسبة هرمون البروجيستيرون يؤدي إلى تقليص دور انزيمات الاكسدة التي نقوم بحماية الجسم من الجذور الحرة مما يزيد من نسب الخطورة بالإصابة بسرطان الثدي. كما إن الضغط النفسي المستمر قد يولد التهاب خلوي مزمن , يساعد على نشوء بيئة خصبة لإستمرار ديمومة الخلايا السرطانية.
6. الرياضة :  يعتبر النشاط الرياضي أحد أهم العوامل التي تحافظ على الصحة . وقد أوعز باحثون من المعهد الوطني لبحوث السرطان في الولايات المتحدة سبب هذه العلاقة الحميدة إلى قابلية النشاط البدني على كبح الخطوات الأولى من عملية تكوين الخلايا السرطانية من خلال زيادة إنزيمات مضادات الأكسدة التي بدورها تحسن من عملية إصلاح الحمض النووي DNA الذي يقلل من نسب الطفرات وعمليات النسخ الخاطئة.
لذلك فإنه من الضروري تفعيل دور الوقاية من اجل الحد من انتشار هذه الامراض القاتلة.