«السوق مغلق... التاريخ مغلق!» بهذه العبارة يستقبل سوق المباركية التراثي روّاده اليوم.
مساء اليوم، لا مكان بين جنبات «المباركية» تلك القطعة من الأرض الثريّة بالتراث والناطقة باسم التاريخ والحاضر، لدلّة القهوة وإبريق الشاي، لا مكان لأحاديث كبار السن وضحكات الصغار. مساء اليوم لا صوت يعلو فوق صوت الاحتجاج والإضراب.
فأصحاب المحلات، حسموا أمرهم، وقرروا التصعيد ضد رفع الإيجارات بشكل «غير معقول وغير منطقي» على حد وصفهم.
بعضهم يرى أن قرار الشركة المديرة للسوق (تسلّمت إدارته بداية مارس الجاري) بزيادة الإيجارات 3 وربما 4 أضعاف، بمثابة «رصاصة رحمة» تستهدف أرزاقهم، في حين لا يخفي البعض الآخر عتبه الكبير على الحكومة والمسؤولين، معتبرين أن هؤلاء تخلوا عن السوق وأهله.
هل في الأفق مجال لـ «خط رجعة؟». العديد من النواب الداعمين لمواقف أصحاب المحلات أكدوا أن الزيادة مغالى فيها، وشدد بعضهم على أن تقوم الجهات الحكومية بإدارة مرافقها بنفسها، فيما رأى آخرون أن هناك من لا يرغب في رؤية الكويتيين يتجولون في هذا السوق، يتنسمون من خلاله عبق الماضي.
وأيّد النائب عدنان عبدالصمد الاضراب الذي أعلن عنه أصحاب المحلات في المباركية احتجاجاً على زيادة إيجارات المحلات، مطالباً سمو رئيس الوزراء بالتدخل لايجاد حل لهذه المشكلة، لا سيما وأن هذه المحلات تراثية، داعياً إلى اعادة النظر في وجود شركة وسيطة، على أن يكون العقد مباشراً مع أملاك الدولة.
وقال عبدالصمد إن لجنة الميزانيات كانت وما زالت توصي وتشدد على الجهات الحكومية كافة أن تقوم بإدارة مرافقها بنفسها، تحقيقاً للغرض الذي أنشئت من أجله تلك الجهة، بدلاً من إسنادها إلى شركات، لا سيما وأن توسع الجهات الحكومية في إسناد أعمالها الأساسية للشركات بات ظاهرة لها عواقب غير محمودة وفي حاجة الى إعادة نظر.
وأشار عبدالصمد إلى أنه سبق للجنة أن صرحت قبل شهر بعد اجتماعها مع وزارة المالية لمناقشة حسابها الختامي، بأن إفادة مسؤولي إدارة أملاك الدولة كانت متضاربة حول قيام إحدى الشركات المسؤولة عن إدارة سوق المباركية بزيادة القيمة الإيجارية لأكثر من 100 في المئة على أصحاب المحلات التجارية، على الرغم من انتهاء عقد الشركة المسؤولة عن إدارة المشروع مع الدولة لأكثر من سنتين.
وقال النائب الدكتور عادل الدمخي إن ما حدث في محلات المباركية ورفع الايجار يحتاج إلى اجتماع يضم الأطراف كافة، الحكومة والشركة المستثمرة وأصحاب المحلات لانهاء المشكلة، خصوصا أن هناك شراكة بين القطاعين العام والخاص، وعلى الشركة المستثمرة دفع 35 مليون دينار للدولة.
وأبدى النائب خليل الصالح دعمه الوقفة الاحتجاجية التي سيقوم بها أصحاب محلات المباركية اليوم، داعياً إلى عدم الاضرار بأملاك الدولة، وأن تكون وقفة حضارية تعبر عن وجهة نظر بكل رقي.
ودعا الصالح الحكومة إلى إيجاد حل منطقي، مطالباً بمراعاة الوضع التراثي، «لأن المباركية قطعة خالدة من ماضي الكويت الجميل».
وقال النائب صالح عاشور لـ «الراي» إن ما حصل مع أصحاب المحلات في سوق المباركية برفع الإيجارات بطريقة مبالغة جداً، يعد نموذجاً للخصخصة التي تريدها الحكومة.
وأضاف: «ماحدث في المباركية أبلغ رسالة للنواب المؤيدين لقانون الخصخصة، والتي تجعل المواطن وتجار التجزئة الصغار عرضة لجشع بعض التجار»، متسائلاً «هل يعقل ان تقف الحكومة موقف المتفرج أمام زيادات في الايجارات على محلات بسيطة بلغت في بعضها نسبة 500 في المئة؟».
وحمّل عاشور نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية أنس الصالح مسؤولية التصدي لهذه الزيادات، كون السوق يتبع اختصاصه في ادارة املاك الدولة، مؤكداً انه بانتظار بيان أو تصريح من الحكومة ازاء هذه القضية حتى يحدد موقفه منها.
وبدوره، أكد النائب مبارك الحريص لـ «الراي» انه ينتظر تصرفاً من وزير المالية يوقف هذا الاجراء، فإما إلغاء عقد الحكومة مع هذه الشركة أو اعادة صياغة بنوده بما لا يسمح لها بزيادة عقود الايجار بهذه النسبة الجشعة.
وقال الحريص «ان القانون لا يسمح بزيادة تتجاوز 100 في المئة ومن خلال القضاء، ومع ذلك فإن أحكام القضاء في الغالب لم تصل إلى هذه النسب في مثل هذا النوع من المنازعات»، مستغرباً ان تسلم الحكومة هذا الموقع المهم للقطاع الخاص الباحث عن الربحية دون مراعاته للموقع وأهميته وبساطته.
وشدد الحريص على أنه ينتظر إجراء من الحكومة، وعلى ان هذه القضية ستكون محل اهتمام ومتابعة خلال الفترة المقبلة.
وأكد النائب خالد الشطي لـ «الراي» انه بحاجة للاطلاع على عقود المحلات في سوق المباركية، خصوصاً وأن الشركة لاتملك قانوناً رفع الاسعار الى هذه القيمة البالغة 500 في المئة، مشيراً الى ان القانون سمح برفعها إلى 100 في المئة بعد صدور حكم قضائي ومقارنة بالايجارات المناظرة، مشيراً إلى ان الدول المتحضرة تدعم وترعى مثل هذه المواقع ولا تحاربها وأنه ينتظر من الحكومة الكويتية مثل هذه الخطوة.
وشدد الشطي على أن مجلس الأمة لن يتوانى عن دعم أصحاب هذه المحلات، ولن يقف موقف المتفرج إزاء قضيتهم، وسيعمل على متابعتها خلال الايام المقبلة.
وتساءل النائب محمد الدلال «كيف تعطي إدارة أملاك الدولة سوق المباركية إلى شركة في القطاع الخاص من دون ضوابط، وهي منطقة من المفترض أن تكون تراثية؟».
وقال النائب صلاح خورشيد «إن رفع قيمة ايجارات محلات المباركية يوحي وكأن هناك من لا يريد أن يرى أقدام الكويتيين في هذا السوق»، مستغرباً محاولة سرقة الفرحة التي يعيشها الكويتيون وهم يتجولون في المباركية مستذكرين عبق الماضي.
ووصف الأمين العام، سفير حقوق الإنسان في منظمة «كافي» حسين الشمالي، وضع أصحاب المحلات بالحرج، محذراً من رفع الإيجارات.
ونبه الشمالي من أن الزيادة غير المدروسة من قبل الشركة المديرة للمشروع، هدفها إخلاء كثير من المحلات، تمهيداً لادخال شركات جديدة بما يهدّد تراث السوق.
ولفت الشمالي إلى أن دارسة أجرتها المنظمة، وتم رفعها إلى وزارة المالية، استشعرت خطر الأزمة التي تطول أكثر من 500 محل، ومئات العائلات الكويتية، وطالب بمراجعة العقد مع الشركة المعنية، داعياً «المالية» إلى الحلول مكانها في إدارة السوق.
بدوره، قال الناطق باسم «كافي» صياد العنزي، إن قرار رفع القيمة الإيجارية لمحلات سوق المباركية، هدفه مضايقة صغار المستثمرين، معتبراً أن «المالية» سلمت إدارة السوق لشركة تعمل على «تطفيش» أصحاب المحلات.
ودعا مدير ادارة تنمية المشاريع السابق في بلدية الكويت المهندس باتل الرشيدي وزارة المالية ممثلة في ادارة املاك الدولة، إلى التدخل لوقف الزيادات في ايجارات محلات سوق المباركية.
وقال الرشيدي ان سوق المباركية يعتبر من الاسواق التراثية في البلاد، والذي أصبح محط أنظار الكثير من الزوار، سواء الخليجيون أو العرب وحتى الاجانب، مشيراً إلى ان غالبية البضائع التي يتم بيعها رخيصة الثمن ولا تحقق نسبة عالية من الارباح لاصحاب المحلات.
وتمنى الرشيدي من أصحاب المحلات ألا يقوموا بخطوتهم التي أعلنوا عنها بإغلاق محلاتهم واللجوء إلى وزارة المالية، باعتبارها الجهة المعنية بهذا السوق، مؤكداً أن إغلاق المحلات لا يحل المشكلة.