في مبنى سفارة دولة الكويت بالقاهرة قابلت السيد خالد الجار الله نائب وزير خارجية الكويت، الدبلوماسى صاحب الخبرة الطويلة والأمين على أكثر ملفات الخارجية الكويتية حساسية، والذي تلمس فيه جوانب الشخصية الكويتية العروبية التي تؤمن بدور بلادها التاريخي في القضايا العربية، وفي الوقت نفسه تؤمن بالدور المصري التاريخي في المنطقة، حيث أجرت معه صحيفة الأهرام هذا الحوار الذي جاء في نهاية يوم طويل من النشاطات الدبلوماسية للسيد الجار الله الذي مثل بلاده في الاجتماع الدوري لوزراء خارجية الدول العربية قبل قمة عمان،
وقد أكد دور الكويت التاريخي في السعي الدائم لاحتواء الخلافات العربية العربية وإلى تفاصيل اللقاء:
 
 
 
 
 
كيف تقيمون العلاقات المصرية الكويتية؟
أقيم هذه العلاقات تقييما عاليا جدا، فنحن والأشقاء فى مصر نرتبط بعلاقات أخوية وتاريخية متميزة، ونتذكر دائما دور مصر وعطاءها للكويتيين، ومازلنا نتذكر دور البعثة التعليمية المصرية التى علمت وثقفت أبناء الكويت ومكنتهم، من هذا المنطلق نتذكر وندرك البعد التاريخى لهذه العلاقة وأثره على ربط العلاقات وتماسكها بين البلدين. اليوم نحن ندعم مصر ونقف إلى جانبها كما وقفت إلى جانبنا فى أحلك الظروف. فقد ساهمت مصر بلاشك بدور رائد وجبار عندما امتزج الدم المصرى بالدم الكويتى في تحرير الكويت، وسبق أيضا أن امتزج الدم الكويتى بالدم المصرى عندما شارك أبناء الكويت فى حرب أكتوبر من عام 1973 فى مواجهة إسرائيل، مراحل ومحطات هذه العلاقة مشرفة ومشرقة، ولدينا رصيد كبير يمكننا البناء عليه. اليوم مصر فى حاجة إلى أشقائها فى الخليج وفى الكويت، والكويتيون يقفون بكل فخر واعتزاز مع مصر ومع شعبها ومع قيادتها،هذه القيادة الشابة الواعدة بمسقبل زاهر لمصر، نحن في الكويت ندعم هذه القيادة، ونساعدها ونشد على أيديها لتواصل دورها فى بناء مصر واستقرارها وأمنها ودورها فى محيطها العربى، وعندما نقدم الدعم لمصر فإننا نرد لها بعض الدين. لذا أنا متفائل وأتطلع بمزيد من الأمل لمستقبل هذه العلاقة التاريخية المميزة بين مصر والكويت، واللقاءات بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والأمير صباح الأحمد الجابر الصباح تجسد عمق هذه العلاقة، وحجم التفاهم والتفاعل والترابط بين القيادتين والشعبين.
ما هو مستقبل وآفاق تطوير العلاقات المتميزة بين البلدين؟
عندما نتحدث عن مستقبل العلاقة بين البلدين، فلابد أن تكون هناك استثمارات كويتية فى مصر، فمصر بلاشك سوق واعدة للاستثمار، وهى الآن تتمتع بدرجة عالية من الاستقرار السياسى والمالى، وقد صدر العديد من القوانين المصرية لتشجيع الاستثمار، ولدينا أفق واسع من العلاقات الإقتصادية والاستثمارية مع مصر، فهناك العديد من شركات القطاع الخاص الكويتية التي تعمل فى مصر، وبالتالى فإن ترابط المصالح وخلق مصالح مشتركة بين البلدين هو التوجه السليم لوضع هذه العلاقة فى إطارها الصحيح، هناك ايضا شركات مصرية تعمل فى الكويت وتسهم فى مشاريع بنية تحتية عملاقة، من بين هذه المشروعات طريق جمال عبدالناصر، الذي تنفذه شركة مقاولات مصرية، وهو من أكبر المشروعات، وايضا هناك مشروع مستشفى الشيخ جابر وهو من اكبر المستشفيات فى المنطقة وينفذ من قبل شركات مصرية، وهناك مجال كبير جدا لمشروعات جبارة فى الكويت يمكن أن تشارك فيها الشركات المصرية، وهناك أيضا تعاون عسكرى مع مصر، ومازلنا نعتقد أن هناك مجالات أخرى لم يتم التطرق إليها، وهناك تفكير فى زيارة لأمير الكويت إلى مصر.
ونحن على أبواب قمة عمان, هناك أنباء عن وساطات كويتية لتنقية هذه الأجواء.. إلى أين وصلت هذه الجهود؟
الحقيقة الكويت منذ نشأتها واستقلالها دأبت بالفعل على العمل من أجل تنقية الاجواء العربية، ومحاولات وجهود ومبادرات الكويت لم ولن تنقطع فى هذا المجال، هذا هو ديدن السياسة الخارجية الكويتية، لذا فإن الكويت عندما تتحرك لاحتواء أى خلاف أو أى تصعيد فى سماء العلاقات العربية، فهذا تحرك منطقى وطبيعى ومتوقع دائما منها .
الكويت تلعب أيضا دورا مهما جدا لاحتواء التوتر والاحتقان في العلاقات الإيرانية الخليجية، وتسعى بكل الجهد لتنقية الأجواء بين دول مجلس التعاون وإيران، ومبادرات الكويت مستمرة لن تتوقف.
هل هناك أى أخبار مبشرة بشأن أى من هذه الوساطات والتحركات الكبيرة التى تقوم بها الكويت؟
نحن متفائلون حقيقة بحجم رصيد الكويت وبأميرها، ومتفائلون أننا بهذا الرصيد يمكن أن نقدم الكثير لأمتنا العربية، وكذلك بقدرتنا على إحتواء الخلافات العربية، أما فيما يتعلق بإيران فالكل يدرك أن هناك اتصالات تمت بين الكويت وإيران، وكانت هناك زيارة مؤخرا للنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الكويتى لإيران، والتي حمل معه فيها رسالة من أمير الكويت للقيادة الإيرانية بتكليف من دول مجلس التعاون فى محاولة جادة، تمثل حرص الكويت على امتصاص هذا الاحتقان وأن تكون هناك علاقات طبيعية بين دول مجلس التعاون وإيران، الرسالة كانت تتضمن أيضاً أسساً محددة لطبيعة الحوار الذى يجب أن ينشأ بين الطرفين، ونعتقد أن أهم منطلقات هذا الحوار هي» عدم التدخل فى الشئون الداخلية، واحترام سيادة الدول، وأن يتم التعامل مع إيران على أساس مبدأ الدولة المدنية وليس الدولة الطائفية، وألا يسعى أي طرف إلى تغذية النزعات والنعرات الطائفية فى المنطقة، وقد حملت الرسالة هذه الأسس.
هل كان هناك تجاوب إيرانى؟
لقد زارنا مؤخرا الرئيس الإيرانى حسن روحانى، وأستطيع أن أقول إن هذه الزيارة كانت زيارة إيجابية تم الحديث فيها عن مضمون الرسالة.. وعن أسس الحوار المرتقب، ولقد لمسنا تجاوبا إيرانيا معها، ووعد الجانب الإيرانى بأن يتم الرد على هذه الرسالة خطيا، لننطلق إلى خطوات مستقبلية تهدف فى النهاية إلى إرساء حوار مبنى على هذه الأسس.
عاد المبعوث الدولى لليمن إلى الكويت مؤخرا .. كيف ترون آفاق التسوية فى اليمن؟
نحن استضفنا المفاوضات لأكثر من 3 شهور، وعايشنا إخوتنا اليمنيين في تفاصيل تلك المشاورات، كنا دولة مضيفة والأمم المتحدة ترعى هذه المشاورات، أحيانا كان يتم اللجوء إلينا لتسهيل بعض الأمورإذا استعصت بعض القضايا الشائكة بينهم. بكل أسف لقد انتهت تلك المشاورات إلى لا نتيجة، وقد كان ذاك الأمر مؤلما، كنا نتوقع ونأمل بعد نهاية هذه المشاورات أن تكون هناك اتصالات ولقاءات وسعى مشترك من قبل الأطراف اليمنية لاستئناف المشاورات لفترة محددة، وأن يتم تحديد موعد لتوقيع الاتفاق فى دولة الكويت، لكن بكل أسف تداعيات وتطورات الموقف قادتنا إلى نتيجة لم نكن نتمناها على الإطلاق، فقد زادت فى اليمن المعاناة والمجاعة والأوضاع الإنسانية الصعبة وتصاعدت الحرب، وكل مانراه الآن فى المشهد اليمنى هي عوامل تعقيد وتحول دون الوصول لأى تفاهمات فى اليمن، لكن الأمل يظل معقودا على أن تكون هناك فرصة لتوافق سياسى ولجهود يقوم بها المبعوث الدولى، وأيضا دول المنطقة لخلق أرضية مشتركة لتفاهم الأطراف اليمنية حيال أى تصور مستقبلى للحل فى اليمن، ذلك الحل الذي نعتقد انه يجب أن ينطلق على أسس محددة، وهى المبادرة الخليجية، والحوار اليمنى ومخرجاته، وقرارات مجلس الامن وبالذات القرار 2216.
ما الذى تتوقعونه من قمة عمان؟
فى اجتماع وزراء الخارجية العرب الجميع كان يتحدث عن قمة عمان بتفاؤل وأمل، فقد وصلت الأوضاع العربية بكل اسف إلى مرحلة صعبة جدا، والتحديات التى تواجه الأمة العربية متصاعدة، وقد وصلنا إلى مرحلة نخشى بالفعل فيها من مستقبل مظلم، والآن لدينا فرصة فى قمة عمان المقبلة لتحقيق النقلة النوعية لعملنا العربى المشترك، وفرصة لتنقية أجواء العلاقات العربية، وأن يكون الفضاء العربى نقيا وصحيا، وأعتقد بكل ثقة وأمل وتفاؤل أن القمة العربية فى عمان تشكل نقطة تحول فى مستقبل أمتنا العربية وقدرتها على مواجهة التحديات الجسيمة التى تواجهها فى كل مكان، ولذلك ستكون مشاركة الكويت فى هذه القمة على أعلى مستوى، وستكون مشاركة فاعلة، وأعتقد أنه ستكون هناك زيارة لخادم الحرمين الشريفين لعمان قبل القمة، وقد تصب هذه الزيارة فى النهاية فى مصلحة القمة العربية وتوجهات الأمة العربية، وفى خدمة مصالح الأمة العربية ككل، إننا متفائلون بهذه القمة، وقد استمعنا لكلام يتسم بالمسئولية من وزير خارجية الاردن حول تصورهم لهذه القمة واستعداداتهم لها، وهم يتحدثون عن إعلان يمكن أن يصدر عن قمة عمان، يتضمن فى الحقيقة الكثير من الشجون والقضايا العربية والتحديات أيضا التى تواجه الدول العربية وسبل مواجهتها، والوثيقة التى ستصدر عن قمة عمان، أعتقد أنها ستكون وثيقة في منتهى الأهمية والخطورة وستجسد تلك الوثيقة وتعكس تطلعات قادة أمتنا العربية لمستقبل هذه الأمة.
القضية الفلسطينية الآن فى وضع حساس وهناك حديث يدور الآن عن استبعاد الولايات المتحدة وإسرائيل لحل الدولتين.. ما هى رؤية الكويت في هذا الشأن؟
عندما نتحدث عن مسيرة السلام فى الشرق الأوسط فهى بلاشك مسيرة متعثرة، والتعثر أساسه التعنت الإسرائيلى وتراخى المجتمع الدولى فى مواجهة هذا التعنت، هناك محاولات ومبادرات وتحركات على رأسها المبادرة الفرنسية وهى مبادرة جادة لاستئناف عملية السلام ومواجهة التعنت الإسرائيلى، وقد استمعنا لوزير خارجية فلسطين وتصورهم للمرحلة المستقبلية، وهناك اقتراح من الأشقاء فى مصر بإيجاد آلية تشاور بين جامعة الدول ومجلس الأمن وهى آلية فى منتهى الأهمية والخطورة، ويجب أن نتحرك بشكل جدى لتفعيل قدراتنا العربية والتشاور مع المجتمع الدولى ممثلًاً فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ومن جانبنا فى الجامعة العربية، هذا التنسيق والتشاور سيصب فى خدمة قضايانا العربية وفى مقدمتها القضية الفلسطينية.
كيف تنظر لمستقبل العلاقات الكويتية والخليجية مع الولايات المتحدة فى ظل الإدارة الأمريكية الجديدة؟
لا أنظر إطلاقا بأى تشاؤم لمستقبل هذه العلاقات التى تحكمها مصالح للولايات المتحدة فى المنطقة العربية، ومصالح للدول العربية مع الولايات المتحدة، فى الكويت هناك تحرك، وسيقوم وزير المالية الكويتى يرافقه وفد استثمارى كبير بزيارة عدد من الولايات الأمريكية المؤثرة والفاعلة فى القرار السياسى والاقتصادى الأمريكى، من أجل إيجاد المزيد من المصالح المشتركة مع الولايات الالمتحدة الأمريكية، فى الوقت نفسه يزور وزير التجارة الكويتى واشنطن حيث سيلتقى بقيادات الشركات الامريكية، وبالتالى عندما تسألنى ككويتى عن مستقبل العلاقات الكويتية الأمريكية اقول لك إننا ننظر إليها بتفاؤل، وكذلك مستقبل العلاقات الخليجية الامريكية وقد بدأنا لقاءات على مستوى القمة فى كامب ديفيد، ثم فى الرياض فى عهد الإدارة السابقة، وهناك حديث عن لقاء مستقبلي بين قادة دول مجلس التعاون والقيادة الأمريكية، ونعمل بشكل متواصل لتطوير المصالح المشتركة، وننظر دائما بتفاؤل وأمل لمستقبل هذه العلاقة، صحيح أن هناك بعض المطبات، ولكنها لا يمكن أن تكون بأى حال من الأحوال عائق أمام بناء هذه العلاقة.
كيف تنظرون لتطورات الأزمة السورية ؟
سوريا هي قصة محزنة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان، ولاتزال سوريا جرحا نازفا، وقد تداعت الظروف والأحداث فى سوريا لنصل إلى ما وصلنا إليه اليوم، وهو فى الحقيقة شىء دام، الشعب السورى يُطحن ويجوع ويتعذب يوميا، ونحاول بكل ما نملك في الكويت التخفيف من هذه المعاناة، قد لا تكون لدينا القدرة فى التأثير على مجريات العمل السياسى فى سوريا، لكن حتما لدينا قدرة على العمل الإنسانى فى سوريا، لذلك سعت الكويت بالفعل ودعت إلى عقد ثلاثة مؤتمرات في الكويت وشاركت فى المؤتمر الرابع، والآن تشارك فى الخامس، لم تغفل دولة الكويت الجانب الإنسانى للمأساة السورية على الإطلاق، تبقى التحركات السياسية التي دخلت بكل أسف في تعقيدات كبيرة جدا على صعيد البعدين الإقليمى والدولى، الآن هناك تحرك على مستوى الأمم المتحدة ومبعوثها ستيفان دى ميستورا فى مباحثات جنيف4 الأمر الذي يشير إلى أن هناك ضوءا ما فى نهاية النفق، لقد بدأوا يتحدثون للمرة الأولى عن الانتقال السياسى، وهذا تطور كبير، فى البداية لم يكن هذا الأمر مطروحاً أو مقبولا، وهذا سيدخل المفاوضين في مرحلة جدية، وهناك مؤشرات إيجابية نحن ندعمها.