تشق الباخرة «أكيلي لاورو» طريقها في مياه البحر الأبيض المتوسط، وبمرورها بميناء الإسكندرية وتوجهها إلى بورسعيد فوجئ الركاب بسيطرة 4 فلسطنيين، تابعين لمنظمة التحرير بزعامة محمد أبوالعباس، عليها، وحاولوا تنفيذ عملية انتحارية أمام ميناء أشدود الإسرائيلي، وذلك في أكتوبر 1985.
كانوا الأربعة يحملون الأسلحة وقتلوا راكبا أمريكيا على متن الباخرة، وبوقوع الأزمة حاولت السلطات المصرية متمثلةً في الفريق «العرابي»، رئيس الأركان حينها، بإنهاء الأمر، وبالفعل نجحت المهمة بعد يومين بميناء بورسعيد الذي رست فيه السفينة.
وبعد أن استسلم الخاطفون في بورسعيد قررت السلطات المصرية تسليمهم إلى منظمة التحرير الفلسطينية في تونس على متن طائرة، ومع هبوطها في مطار تونس رفض المسؤولون هناك الأمر، لتستمر في التحليق متوجهةً إلى اليونان، ولم يتمكنوا من النزول أيضًا.
ومع رفض أي مطار استقبال الطائرة المصرية، المحملة بالخاطفين، قطع مسيرتها طائرات تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، وأجبروها على الهبوط بمطار «سيكونيلا» التابع لإحدي قواعد حلف الناتو بجزيرة صقلية، بعد موافقة السلطات الإيطالية على طلبهم إذنًا بالهبوط، حسب المنشور بصحيفة «الأهرام».
على متن الطائرة المصرية كان ضمن الخاطفين زعيم تنظيم التحرير الفلسطينية محمد أبوالعباس، وفور هبوطها حاصرتها القوات الأمريكية لاعتقاله هو ورفاقه عدا المصريين، ونقلهم إلي طائرة تابعة لهم متوجهة إلى الولايات المتحدة.
ومن هنا يبدأ المستشار السياسي لرئيس الحكومة الإيطالية، «أنطوني باديني»، بسرد تفاصيل الأمر، نظرًا لتكليفه من قبل رئيس الوزراء الإيطالي «كراكسي» بمتابعة الأزمة.
ويروي «باديني» في حوار له بصحيفة «الأهرام» أن «كراكسي» رفض اقتحام الطائرة المصرية أو اعتقال أي شخص على متنها، وأبلغ الأمريكيين أن موافقته على هبوط الطائرة لم تقترن بأي تعهدات أو التزامات بشأن مصير ركابها.
حينها اتصل «كراكسي» بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وأبلغه أنه وافق على نزول الخاطفين الأربعة فقط ووضعهم تحت تصرف السلطات القضائية الإيطالية، أما البقية يتمتعون بحماية دبلوماسية مصرية.
وطلبت السلطات المصرية من نظيرتها الإيطالية إعادة «أبوالعباس» ومساعده إليها على متن طائرة، وفي تلك الظروف العصيبة تلقى «كراكسي» اتصالًا هاتفيًا من الرئيس الأمريكي «رونالد ريجان»، والذي طالب بنقل كل الركاب إلى الولايات المتحدة بما فيهم زعيم منطمة التحرير، باستثناء المصريين، للتحقيق في مقتل مواطن.
ورفض «كراكسي» طلب «ريجان»، ونتيجة لذلك حاصرت القوات الأمريكية الطائرة لاعتقال كل الركاب ونقلهم إلى الولايات المتحدة، وقابل الأمر وجود قوات إيطالية مضادة للدفاع عن الطائرة المصرية، حتى انسحب الأمريكان حتى لا تتطور الأزمة إلى حرب.
ومن هنا توجه «باديني» إلى مطار «سيكونيلا»، وأعد تقريرًا لـ«كراكسي» يفيد بعدم وجود أي مبرر للتحفظ على «أبوالعباس»، والذي يتمتع بحماية دبلوماسية مصرية كذلك، لتقرر الحكومة الإيطالية عدم تسليم زعيم تنظيم التحرير إلى الأمريكان.
وبالفعل توجه «أبوالعباس» مع بقية الركاب للصعود على متن الطائرة المصرية من جديد للتوجه إلى القاهرة، لكنها تحركت من مطار «سيكونيلا» إلى روما أولًا للتخلص عن الرقابة المفروضة عليهم من قبل الطائرات الأمريكية.
وبوصول الطائرة المصرية إلى مطار روما فرضت القوات الإيطالية درع بشري حولها، وجسد أحد الأفراد شخصية «أبوالعباس» وركب سيارة ضمن موكب، وبإيعاز من الإيطاليين لعب نفس الرجل دور العميل للأمريكان، وأبلغهم بأن زعيم منظمة التحرير في طريقة إلى الأكاديمية المصرية بروما.
في تلك اللحظات كان «أبوالعباس» انتقل إلى طائرة يوجوسلافية بمطار روما لتتوجه به إلى بلجراد، بناءً علي اتفاق بين مصر وإيطاليا ويوجوسلافيا، وعلى الجانب الآخر كان الأمريكان يتتبعون الشخص الوهمي، وكانت صدمتهم الكبرى في اكتشافهم للخدعة.
وباكتشاف الأمريكان للخدعة كانت الطائرة المصرية نقلت المصريون إلى القاهرة، أما نظيرتها اليوجوسلافية وصلت إلى بلجراد وعلى متنها «أبوالعباس»، وعليه لم يستطيعوا إصدار قرار من القضاء الإيطالي بالتحفظ عليهما، وقال «باديني» عن تلك اللحظات: «شعر الأمريكيون بالمهانة».
بعدها حضر السفير الأمريكي إلي مكتب «باديني»، وأبلغه أن هناك تهديدًا بقطع الولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية مع إيطاليا، طالبًا منه اعتذارًا رسميًا، وهو ما رفضه «كراكسي».
ويحكي «باديني» أن حسني مبارك والملك حسين العاهل الأردني تمكنوا من إقناع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بنبذ العنف والاعتراف بإسرائيل لبدء مفاوضات السلام، وليتم ذلك اعترف الاتحاد الأوروبي بمنظمة التحرير.
كما دفع «كراكسي» الرئيس الأمريكي للاعتراف بياسر عرفات، ليتفهم «ريجان» الموقف الإيطالي تجاه أزمة الطائرة المصرية بعد تلك الأمور حسب ما ذكره «باديني».
أما بالنسبة لاختطاف الباخرة عاقبت المحكمة الإيطالية المتهمين الأربعة بحبسهم لمدة 15 : 30 عامًا، والسجن مدى الحياة لـ«أبوالعباس» واثنين آخرين بسبب تدبيرهم للواقعة، وهو ما حدث في يوليو 1986 حسب المنشور بموقع صحيفة «البيان» الإماراتية.
ولم يقضي «أبوالعباس» العقوبة، إلا أن القوات الأمريكية اعتقلته في أبريل 2003 أثناء وجوده في بغداد، قبل أن يتوفى في مارس 2004.