تبدو رحلة القصب الأحمر، الذي أطلق عليه الصعايدة هذا الإسم بسبب لونه أو قصب «البس»، طويلة ترجع لأكثر من 178 سنة، منذ أن سافر عمر أفندي أخصائي السكر في عهد محمد علي باشا في القرن التاسع عشر في رحلة طويلة لأوروبا، ثم أمريكا الجنوبية، كي يجلبه من هناك ويطلع علي صناعة السكر في جزر الأنتيل، والتي كانت تطمح مصر آنذاك في إقامة مصانع للسكر في الصعيد علي نسقها.
وتعيش ذكري القصب الأحمر حتي الآن في أذهان الصعايدة وخاصة الصعايدة العجائز، الذين عاصرو زراعته، والذين طالبوا منذ عدة أيام في مؤتمر موسع بقرية حجازة بقوص جنوب قنا، بزيادة سعر توريد طن القصب للمصانع لنحو 800 جنيه بدلا من 500 جنيه، بسبب تحرير سعر الصرف، وغلاء الوقود والأيدي العاملة.
وتؤكد المصادر التاريخية، أن المحارب العظيم إبراهيم باشا، بعد أن استطاع السيطرة علي الصعيد وقمع ثوراته وطارد المماليك، حت السودان، وبعد أن نجح في مطاردة وهزيمة الحركة الوهابية والدولة السعودية الأولي في الحجاز، طلب من محمد علي باشا والي مصر أن يمنحه ألف فدان من أطيان الأبعادية في الصعيد وخاصة في محافظات جرجا وأسيوط لحسابه الخاص.
قام والي مصر الأقوي محمد علي باشا، بمنح والده الذي كان يجله ويعشقه ما أراد، حيث يؤكد المؤرخ المصري الكبير الدكتور أحمد الحتة في رسالته للدكتوراه تاريخ الزراعة، في عهد محمد علي الكبير، أن إبراهيم باشا الذي جلب الكثير من الأشجار لأوربا، أرسل أحد الأشخاص إلي الوجه القبلي للبحث له عن أطيان تصلح لزراعة قصب السكر، الذي نجحت زراعته في الوجه القبلي منذ أن استقدمه المصريون من الهند في العصر الأموي.
يضيف الدكتور حتة، أن مصر رغم أنها كانت تنتج الكثير من السكر إلا أن انتاجها كان فقط يغطي الاستهلاك الداخلي، حيث كانت مصر تعتمد علي السكر الأوروبي، لافتا أن إبراهيم باشا أرسل في عام 1838م الأمين علي أسراره عمر أفندي، أحد الأخصائيين في صناعة السكر إلي جاميكا بأمريكا الجنوبية، والتي كانت من أوائل المستعمرات الأنجليزية انتاجا للسكر علي مستوي العالم آنذاك، فمن أجل السكر نشبت حروب.
وتم استعباد الأإنسان وتحويله كعبد حيث تجزم المصادر التاريخية أن الأنجليز والأسبان، استقدموا آلاف الأفارقة العبيد للعمل في السكر في جاميكا ثم استبدلتهم بعمالة من الهند والصين، بعد أن تم توقيع انجلترا علي معاهدة تجريم التجارة في العبيد، وهي العمالة التي صارت ضمن أهالي السكان الأصليين من مواطني جاميكا حتي الوقت الحالي .
رحل عمر أفندي للقارة الأمريكية، وأحضر من جاميكا نوع من القصب الأحمر، حيث تمت زراعته في الصعيد حيث استمر الأهالي يقومون بزراعته حتي سبعينيات القرن الماضي، وكان يطلق عليه الأهالي قصب "البس"، بجانب القصب الأحمر، كما استقدم عمر افندي نوعين من الأنجليز، لإنشاء مزارع القصب الكبيرة وإنشاء مصانع للسكر في الصعيد، وتمت زراعة الأصناف الثلاثة في الصعيد.
في سياق متصل، قال الدكتور محمد سيد، رئيس قسم المحاصيل بجامعة جنوب الوادي بقنا، في تصريح خاص لـ«الأهرام الزراعى»، إن قصب السكر لا يعتمد علي البذرور مثل المحاصيل الآخري، وأنما يعتمد علي العقدة مما يجعل الحفاظ عليها صعبا مثلما حدث مع القصب الأحمر، لافتا أن هناك أنواع كثيرة بخلاف القصب الأحمر كانت تتم زراعتها في الصعيد مثل إحدي الفسائل، التي أطلق عليها الأهالي خد الجميل، والتي كان يستهلكها الصعايدة في الأكل.
وأضاف رئيس قسم المحاصيل بجامعة جنوب الوادي بقنا، أنه يوجد بنك الجينات في وزارة الزراعة المصرية، الذي يضم مئات الأصناف التي تمت زراعتها في مصر، لافتا أن المتحكم في زراعة أنواع فسائل القصب هي شركات السكر والمزارعين، الذين يهدفون للربح، لذلك تم استبدال الكثير من الفسائل، التي أثبتت عدم جدواها وأصيبت بالتفحم مثل فسيلة جيزة 310، وتم استبدالها بالفسيلة جيزة توان 54 سي9، وهي التي تتم زراعتها ا في الصعيد حاليا.
وأوضح الدكتور محمد سيد، أن تغيير فسائل القصب، يقتضي فترة كبيرة ومكلفة للمزارع، ومصانع السكر، لأن التجديد لن يتم في فترة قصيرة، مما يجعل الفسيلة المتواجدة الآن، هي الأنجح في الزراعة وفي