كان حمل «سرنجات» الحقن وتعليمه لحلاقين الصحة فى نجوع قرى الواحات المتطرفة، من أهم قدرات الطبيب سمعان بطرس في عام 1918م، للقضاء علي الوفيات بسبب لدغات العقارب.

كان حظ سمعان بطرس، نجار طبيب بمصلحة أقسام الحدود المصرية، أن يكون شاهد عيان علي الواحات المصرية الداخلة والخارجة التي كانت مجهولة في عام 1918م، فأهلها لا يأكلون سوي الخبز والشعير - علي حسب تعبيرات الطبيب سمعان في مقدمة مقاله الذي نشره في مجلة المقتطف.

وأوضح، أن الوفيات من لسعات العقارب المنتشرة في الواحات قليلة جدا، وذلك لسرعة الأطباء الذين يعالجون الأهالى حتى في الليل، حيث كنا نقوم بغسل التشريط بالبوتاس أو النشادر ونعطي لهم حقنة المضادة للسم ومزيجا يحوي النشادر والأثير فيذهب ألم اللسعة بعد مرور 12 ساعة.

وأكد أن موسم العقارب هو شهر إبريل من كل عام وينتهى فى أغسطس علي الغالب، وأن الحقنة المضادة للدغات العقارب لا تؤدي لمضاعفات في القلب والدم من سم العقرب، مضيفا أن أغلب الوفيات التي كانت تحدث من لدغات العقارب كانت في العزب والنجوع المتطرفة من الواحة والبعيدة عن مكاتب الصحة.

وطالب سمعان حينها بإعطاء كل حلاق من الحلاقين بالصحة في القرى حقنة ضد سم العقارب، حيث أن الوفيات التي تسببها العقارب تزيد عن 12 مصابا أغلبهم من الأطفال، والأمل يكمن فى إعطاء حقنة لكل حلاق وهذا من شانه سيقلل من هذا العدد كثيرا.

ويقول سمعان، الذي أجري جراحة نادرة لطفل فى الواحات حين تعلقت في حلقه دودة أرز، وهو يشرب من الينابيع المنتشرة في الواحات، موضحا: "كنا ننتظر أن لا نجد ديدانا في مياه الواحات ولكن دهشنا حين جاء رجل ومعه أبنه وعمره 12 سنة يشكو من دودة عالقة في حلقه تمتص دمه، فسألناه عن مصدرها، فأجاب في أرض مزروعة أرزا فدخلت العلقة "الدودة" حلقه، وصارت تمتص من دمه ويتقيأ دما".

وكان علي الطبيب سمعان أن يجري عملية جراحية للطفل، حيث قام بخفض لسان الطفل، وقال: «لحسن الحظ وجدناها عالقة في مدخل البلعوم، فألتقطناها بالجفت وأخرجناها وأعطيناه غرغرة قابضة ومسسنا مكان تعلقها بسائل في الحلق قطع خروج الدم، وبعد يوم أعطيناه مزيجا من الحديد والزرنيخ».

لم يكتف سمعان الطبيب بإجراء العملية الجراحية، بل قام بفحص كافة الدفاتر الطبية القديمة في الواحات، والتي رصدت الحالات المرضية، ليكتشف أن أحد الأطباء صادفته هذه الحالة الغريبة لتعلق دودة بحلق طفل، حيث قام بإعطائه كأسا من الروم، ثم تقيأها.

واكتشف سمعان أن الأهالي يجزمون على انتشار علق الدم بسبب انتشار زراعة الأرز، حين تكون الأراضي مغمورة بالمياه، لذلك طالب في مقاله المنشور في عدد المقتطف 1 نوفمبر عام 1918م بعدم زراعة الأرز نهائيا في الواحات.

لم نجد في مياه الواحات أصدافا من الأنواع المنتشرة في القطر المصري مثل شرانق البلهارسيا، حيث تخلو الواحة من أي مريض بالبلهارسيا، مؤكدا ورغم أننا شاهدنا إصابات في البول والمثانة للأهالي الا أننا لم نشاهد إطلاقا مرضي بالبلهارسيا.

واكد سمعان، أن الصحة في الواحات كانت قديما أفضل قبل الحرب مع السنوسي أثناء الاحتلال الإنجليزي لمصر، حيث قامت الأخيرة ومعها القوات الحكومية المصرية بالدخول في الحرب مع السنوسي القادم من ليبيا حين أراد أن يعسكر بقواته في الواحات، وقامت بطرد السنوسيين وتم انسحابها خلال شهر سبتمبر 1918م، حيث ركبوا آخر قطار مقل لآخر عدد منهم.

ويؤكد سمعان الطبيب، الذي كان شاهد عيان علي الواحات، أن قوات السنوسي قدمت بأمراض لم يألفها أهالي الواحات مثل الزهري والأمراض الجلدية كالأكذيما المزمنة والقرع وقمل الرأس والجسم والعانة، لافتا أن درجات مرض الزهري التي رأيناها هي الأولي والثانية.

ويعترف سمعان، أن أهالي الواحات يدمنون شرب الشاي الأسود الذي يكون لونه مثل اليود كي يوقف شوكة العطش، إلا إنه يتسبب في الضعف الصحي لأهالي الواحات، حيث يقومون بشربه ساخنا فيتسبب في قروح المعدة، كما يحدث للطباخين والخبازين الذين يأكلون الخبز ساخنا.

ويؤكد سمعان الطبيب، أن أكثر الفحم المتواجد في مصر في عام 1918 من أخشاب الواحات لافتا أن في الواحات تنبت أشجار مثل السكران والحنظل والسنامكي ولا يتاجر الأهالي إلا في السكران، وهو نبات البنج الطبي حيث كان السكران يصدر لألمانيا قبل الحرب العالمية، وحين نشبت الحرب أمتنع تصديره وصار يصدر لإنجلترا يسرد الطبيب سمعان مشاهداته في الواحات، حيث شاهد مريضا من اليونان يشكو من تورم أصابعه، بسبب لدغات الحشرات والبعوض ومنها الناموس التي سبب تورما ملتهبا لليوناني، مما أجبر سمعان علي إجراء جراحة عاجلة له.

وأكد، أنه ممنوع كطبيب إجراء الكشف علي النساء بسبب التقاليد، حيث لا يقدمن له كطبيب للنساء إلا في الحالات المتعسرة، وخاصة إصابة النساء بالأمراض السرية وهي قليلة جدا خلاف الرجال، لافتا أن الواحات ينتابها كل شتاء حمي التيفود حيث أصيب عام 1917 نحو 35 حالة بالتيفود، مات منهم 4.

اجزاء من مقال الطبيب سمعان بمجلة المقتطف

اجزاء من مقال الطبيب سمعان بمجلة المقتطف

اجزاء من مقال الطبيب سمعان بمجلة المقتطف