قد يكون من المنطقى أن يصف الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي، إسرائيل بأنها "آخر معاقل الفاشية والاستعمار والتمييز العنصري في العالم"، لكن المثير للتساؤل والدهشة، هو أن تتوالى التصريحات من قادة ووزراء وسياسيين إسرائيليين في نفس الاتجاه.
مظاهرات لإسقاط الحكومة
وإن اعتبر البعض تظاهر نحو ألف إسرائيلي، قبل أيام في وسط مدينة تل أبيب، للمطالبة باستقالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ورفع لافتات تندد بسياسات الحكومة الإسرائيلية وأخرى تتهمها بأنها يمنية ومتطرفة، أمرًا عابرًا، فإن ما يدعو للتأمل والتوقف عنده، هو جملة على اللافتات التي رفعها المتظاهرون "اليهود والعرب يرفضون أن يكونوا أعداء.. نتنياهو استقيل، فالسلام يستحق".
تلويح بالهجرة
هل سئم الإسرائيليون فعلا من الواقع القائم، ربما تتضح الصورة هذه، إذا نظرنا إليها في ضوء ما قاله المحلل العسكري للقناة العبرية الثانية روني دانييل، بأنه بات يخشى على مستقبل أبنائه داخل إسرائيل، ويفكر جديا بالهجرة منها، خاصة وأن الاوضاع الأخلاقية والسياسية في إسرائيل تزداد بؤسا، وبالتالي لا مفر من مغادرتها في أقرب فرصة.
دانييل لم يكتف بذلك، بل قال إن "هناك بوادر فاشية باتت تظهر في إسرائيل"، مشيرًا إلى ما تتعرض له الأقليات من تهميش حكومي واضطهاد من قبل الإسرائيليين، فضلا عن الانحدار في كافة المجالات، على حد قوله.
حركة عسكرية ضد الحكومة
انتقاد مجموعة أكثر من مائتين من أفراد الجيش الإسرائيلي والاستخبارات الإسرائيلية السابقين، حكومة بلادهم لعدم اتخاذها إجراءات لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، يزيل الغبار عن أزمة حقيقية، أو رغبة باتت تتشكّل لدى المواطن الإسرائيلي في السلام.
فالبيان الذي أصدره أولئك الضباط الذين أطلقوا على أنفسهم، "قادة من أجل أمن إسرائيل"، يتضمن خطة مفصلة وصفوها بأنها قادرة على وضع حد للأزمة، بانسحاب أوسع من الأراضي الفلسطينية المحتلة في حرب 1967، والسماح للفلسطينيين بإقامة دولتهم.
حكومة فاشية
ولم يتوقف الأمر على انتقاد الحكومة فقط بل تعدى لوصفها بالفاشية حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، إن الائتلاف الحاكم في إسرائيل حاليا بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "تظهر عليه علامات الفاشية"، كما وجه الوزير المُقال موشيه يعلون، انتقادات لاذعة لقيادة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وطريقته في الحكم قائلا: وجدت نفسي أخوض في صراعات قوية مع نتنياهو ومع عدد من الوزراء وأعضاء الكنيست في قضايا أخلاقية ومهنية، وحاربت ظواهر التطرف والعنف في المجتمع الإسرائيلي التي بدأت تتسرب أيضا إلى داخل الجيش وتلحق الضرر به.
تصريحات غاضبة
خلال أقل من شهر، توالت تصريحات تصب في نفس الاتجاه، من تصريح عضو الكنيست، دوف حنين، بأن هدم منازل الفلسطينيين فى الضفة "تطهير العرقي"، إلى ما قاله نائب رئيس أركان الجيش، اللواء يائير جولان، قبل يوم من إحياء ذكرى المحرقة اليهودية، حين شبّه العمليات العسكرية الإسرائيلية بالنازية الألمانية.
خبراء: الشعب يريد السلام
يمكن الربط بين ذلك، في نظر خبراء الشأن الإسرائيلي، وبين رفض حكومة نتنياهو مبادرة السلام التى طرحتها فرنسا، ومماطلته في الرد على مبادرة الرئيس السيسي، بخصوص إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، إذ يقول الدكتور طارق فهمى، رئيس الوحدة الإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، فى تصريحات لـ"الدستور"، إن جميع التصريحات السابقة تؤكد أن اتجاهًا عامًا يتبناه إعلاميون وقادة جيش وتكتلات سياسية، جميعها يدعو إلى التمسك بصوت العقل، والسماع للدعاوى العربية التى تهدف إلى حل الدولتين، وشرعنة الوجود الإسرائيلي، والامتثال لمبادرات إرساء السلام.
ويرى الدكتور أحمد حماد، أستاذ الأدب العبري بجامعة عين شمس، أن إسرائيل دائما ما تتجه إلى أفكار استراتجية معينة، لإفشال جميع المساعى لإقامة دولة فلسطينية، كما أنها ليست لديها أى رغبة فى السلام، فهى دائما ما تسير بمبدأ "أفضل الأوضاع الوضع الراهن".
لكنه يختلف مع فهمي، حيث يقول لـ"الدستور"، إن التصريحات التي تتناقض مع سياسة نتنياهو وتصفها بالفاشية، تعكس مساحة الحرية، التي تبيح للمسؤولين انتقاد الحكومة، حتى تظهر إسرائيل للعالم كدولة ديمقراطية، لافتا إلى أن المعارضة تصب فى النهاية فى "المصلحة الإسرائيلية العليا".
وتابع، أن الوضع الراهن فى اسرائيل يقول إن نتنياهو أقوى شخصية فى إسرائيل، وشعبيته كبيرة جدا، فيها وأن فكرة إقالته من على رأس الحكومة مستبعدة، مشيرا إلى أن إقالة وزير الدفاع موشية يعلون، وتعيين ليبرمان له مؤشران، الأول أن ليبرمان يشكل تحديا كبيرا لنتنياهو، والآخر أنه أدخله فى حكومته بهدف استقطابه حتى يستطيع أن يلاعبه فى الوقت المناسب، ليكشف أبعاده للشارع الإسرائيلي وكي يتخلص منه، لأنه لو تركه خارج الحكومة هذا يعنى أن "الحبل متروك له على الغارب"، لذلك أراد أن يضعه تحت عينيه.