لابد أن تتسلح الثورة المصرية بدرجة عالية من الوعي واليقظة حتي لا تسقط الثورة في مصيدة المخططات الاجرامية المجنونة الداخلية والخارجية ولا تقع فريسة للسيناريوهات المشبوهة المعدة سلفا باعتبارها خطوط دفاع حصينة.

تضمن للنظام البائد أن يبقي ويستمر وتحقق له الالتفاف المنظم علي الارادة الشعبية الوطنية وإخماد جذوتها وتوقدها باستخدام جميع الحيل والآلاعيب مهما كانت درجة وقاحتها وتدنيها ونموذجها المعلن مؤامرة الفراغ الأمني وتصاعد حلقاتها قصدا او عمدا لتخويف الناس وبث الرعب في نفوسهم حتي يسهل اضعافهم ودفعهم قسرا للانقضاض عن الثورة بحثا عن أمان زائف يعيد للجلادين جبروتهم وبطشهم ويستوجب ضمان نجاح الثورة الاستيعاب الكامل لشعار الثورة القائل بأن الشعب يريد اسقاط النظام‏,‏ والادراك الواعي لمدلولات ومعاني الاصرار علي اسقاط النظام بجميع رموزه وشخوصه وبجميع تشريعاته وقوانينه وبجميع مؤسساته القمعية والكرتونية‏,‏ ولا يقل عن ذلك أهمية وضرورة حتمية الادراك اليقيني بأن النظام البائد كان لعبة في قلب المخطط الصهيوني الأمريكي الأوروبي الساعي لتدمير مصر باعتبارها رمانة ميزان العالمين العربي والاسلامي وباعتبارها الحارس الأمين علي طموحاته وأحلامه وقضاياه الكبري‏,‏ وأن قادته ورموزه قطع شطرنج قامت علي مدي عقود بالتنفيذ الدقيق للمخطط فاستحقت البقاء والاستمرار واستحقت الحماية التي تتيح لرأس النظام الفاسد أن يبقي آمنا مطمئنا في مدينة مصرية هي جزء من التراب الوطني وأن تكون هذه المدينة في سيناء الرمز الكبير للمواجهة والصراع مع الكيان الصهيوني الغاصب بالرغم من كل الجرائم العظمي التي ارتكبها في حق مصر والمصريين علي امتداد ثلاثة عقود من الزمن بغير خجل وبدون حياء‏.‏

وهناك معضلات كبري تهدد مستقبل الثورة المصرية تستوجب الحسم السريع والعاجل بأعلي درجات الشفافية والعلانية في مقدمتها التوصيف القانوني الدقيق للسلطة العليا التي تحكم مصر وتتحكم في مقاليد الأمور وتمسك بناصيتها حتي يزال الالتباس واللغط حول طبيعة ومفهوم الشرعية الحاكمة القائمة‏,‏ وهل هي كما يقول بعض فقهاء القانون شرعية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالنظام البائد بما يصل في رأي البعض منهم إلي أن رأس النظام الفاسد مازال يحكم الأمر الواقع رئيسا للجمهورية بحكم أن المتغير الوحيد الذي طرأ علي وضعه وسلطاته وصلاحياته تضمن فقط لا غير تفويض هذه السلطات للمجلس الأعلي للقوات المسلحة مع الأخذ في الاعتبار أن الرأس الفاسده الذي لم تقبل الثورة بديلا عن سقوطه هو رئيس المجلس الأعلي وهو القائد الاعلي للقوات المسلحة‏,‏ وبالتالي فإن التفويض كان منه وإليه وهو ما يفسره بقاء الخدمات الرئاسية كاملة كما هي بغير تعديل أو تبديل وبقاء طاقم المعاونين الكبار في أماكنهم ومناصبهم وأعمالهم وفي مقدمتهم زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية وغيره‏,‏ بالرغم من كل ما يحيط بهم من شبهات فساد دامغة وبالرغم من مسئوليتهم المباشرة عن الكثير من الممارسات القمعية والجرائم التي ارتكبت في حق الثورة وأبناء مصر الأوفياء‏.‏

شرعية المجلس العسكري والشفافية الغائبة حول مصدرها

ومعضلة المعضلات التي ترزخ علي الأنفاس المصرية ترتبط بحديث فقهاء القانون عن طبيعة الشرعية الحاكمة حاليا لمصر وارتباطها بتفويض منحه رأس النظام الفاسد البائد في تناقض صارخ وحاد مع حقيقة أن مصر قبل ثورة‏25‏ يناير تختلف بالكامل مع مصر بعد ثورة‏25‏ يناير‏,‏ وكان من البديهيات والمسلمات الوجوبية أن ترتكز الشرعية الحاكمة حاليا علي شرعية الثورة وعلي شرعية نجاحها في اسقاط النظام وعلي شرعية مطلبها بتنحي رأس النظام الفاسد‏,‏ إضافة إلي الارتكان علي شرعية مطالب الارادة الشعبية الوطنية باسقاط كامل النظام ورحيله بغير رجعة وغياب جميع ظلاله وغيومه التي تسببت في عتامة الحياة المصرية وفي تعتيم الوجود والكيان المصري‏,‏ ولكن المحير المقلق الداعي لأعلي درجات الانزعاج أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة انحاز الي خيار الحكم والسلطة تحت مظلة التفويض علي الرغم من أن هذا التفويض بمعايير الواقع الثوري ومستجداته علي أرض الواقع مشكوك في قيامه ومشكوك في صحته ونفاذه لأنه ينتمي الي نظام سقط بالفعل‏,‏ والأمر الواقع بإقرار يصل إلي الأغلبية المطلقة من الارادة الشعبية الوطنية وهو ما كان يستوجب الاحترام وما كان يستوجب التقدير من القوات المسلحة التي وضعها الشعب ووضعتها الثورة وساما علي الصدور المصرية جميعا بغير استثناء واحتلت معها القوات المسلحة مكانة رفيعة في قلوب وضمائر وعقول الثورة وهي أمور تبقي في الأفق علامات استفهام صارخة لا يمكن أن تقبل الا بالتصويب والتصحيح العاجل والسريع‏.‏

ولا بديل عن صدور عدد كامل من جريدة الوقائع الرسمية يتضمن جميع مراحل انتقال السلطة والحكم توثيقا وتدقيقا رسميا قانونيا ودستوريا وفي مقدمتها وثيقة الاستقالة والتنحي عن الحكم بصورة قاطعة لا تحتمل الجدل والتأويل لانها جزء من التاريخ الرسمي المهم للدولة المصرية الذي يفسر ويشرح ما جري وما تم في أم الدنيا من خلال رصد دقيق وأمين حتي يمكن تجديد المسئوليات والواجبات ويمكن حال الخطأ أن يتم العقاب والجرم خاصة وأن اعلان عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية انتقال السلطة للمجلس العسكري لا يكفي ولا يصلح كوثيقة رسمية خاصة وانه لم يتطرق الي التنحي ولم يتطرق الي الاستقالة لرأس العهد الفاسد بشكل واضح وصريح وتطرق فقط بشكل واضح وصريح لتفويض السلطات‏,‏ ومسألة التفويض سيف معلق علي رؤوس العباد وعلي رأس الثورة وعلي رأس كل المصريين‏,‏ لأن من يملك التفويض يملك سلطة الغاء التفويض ومع بقائه في قلب الاحداث وبقاء رموز نظامه الفاسد طلقاء فان ذلك مبرر قوي لان يتخوف الكثيرون من نذر الثورة المضادة التي تتصاعد نيرانها يوما بعد يوم يقابلها الصمت المريب والتغافل العمدي عن شواهدها ومؤشراتها‏.‏

حكومة تصريف الأعمال لا تعرف تعيين وزراء جدد

وتنعقد الظلال الكئيبة للمعضلة الأولي المرتبطة بشرعية ومشروعية سلطة الحكم القائمة علي التفويض من رأس النظام البائد الفاسد عندما يثار الحديث عن الحكومة القائمة التي هي حكومة العهد الغابر‏,‏ وأدت اليمين القانونية في الزمن الماضي ومازالت مستمرة الآن تحت اسم دلع وتدليل هو حكومة تصريف الأعمال وبالرغم من أن حكومات بمثل ذلك التوصيف لا تعد حكومات بالمعني القانوني الدقيق لتوصيف الحكومات الا انها تحولت في الوضع المصري الي حكومة كاملة الأهلية يتم تغيير الوزراء فيها ويتم قبول استقالة الوزراء وتترك مناصب وزارية بلا وزراء‏,‏ في حين أن حكومات تصريف الأعمال في العالم كله تظل لفترة مؤقتة قصيرة للغاية مجرد أيام قليلة لا غير حتي يتم تشكيل الحكومة الدائمة‏,‏ ومع هذه الاوضاع الغريبة فإن فقهاء القانون يؤكدون أن بقاء الحكومة القائمة منذ النظام السابق يعني حجة اضافية باستمرار بقائه واستمرار رموزه بكل ما عليها من ملاحظات قاسية وبكل ما يحيطها من مظالم ومفاسد وانحرافات‏,‏ والأكثر من ذلك أن أداء وزراء جدد اليمين القانونية يعني ويؤكد أن الحكومة لم تصبح مقالة ولم تصبح كأن لم تكن اذا قبلنا بأحاديث تنحي النظام البائد واستقالة كبيرة والتي كانت تعني منذ اللحظة الأولي لاعلانها أن الحكومة غير قائمة لأن من كلفها بعملها فقد سلطاته الدستورية وذهب الي مزابل التاريخ تطارده لعنات الشعب وغضبه ومطالبه بالحساب والعقاب الصارم علي جرائم الخيانة العظمي التي ارتكبها في حق المواطنين وفي حق الوطن وكيانه ووجوده‏.‏

ويعني استمرار الحكومة القائمة في رأي فقهاء القانون أن سلطة تغييرها بحكومة جديدة مازالت قائمة في الوهم ومازالت غائبة في ضباب الشرعية غير المحسومة وأن بقاء الاوضاع علي ما هي عليه يعني درجة عالية من الفوضي والاضطراب كان من الممكن أن يتم حلها بسهولة ويسر منذ اللحظات الأولي بالاعلان عن تشكيل مجلس رئاسي يتولي الحكم استنادا الي شرعية الارادة الشعبية الوطنية وهي شرعية ثورية كان يترتب عليها الغاء الدستور فورا وحل مجلسي الشعب والشوري وإقالة الحكومة وتسريحها وقيام سلطة جديدة واضحة‏,‏ وهو الأمر الذي لم تتمكن من الارتكاز عليه ثورة‏23‏ يوليو عام‏1952,‏ بحكم بدايتها الاولي كثورة للجيش حيث قامت فقط لا غير في المرحلة الأولي بقبول تنازل الملك فاروق عن العرش لولي عهده أحمد فؤاد وبعد ذلك الغيت الملكية وأعلنت الجمهورية وكان هناك في الفترة الانتقالية مجلس وصاية علي العرش بحكم أن ولي العهد قاصر ولا يستطيع تولي الحكم ولكن في حال ثورة‏25‏ يناير فإن الارادة الشعبية الوطنية غير قاصرة ولا تحتاج الي مجلس وصاية حتي تبلغ سن الرشد وهي كاملة الأهلية بالأغلبية الشعبية الكاسحة التي لم تقبل بديلا عن سقوط النظام مما يؤكد غرابة ما يتم وما يجري علي ساحة أحداث الثورة‏.‏

ومما يدعم حجج فقهاء القانون بضبابية الموقف والأوضاع في قمة السلطة الحاكمة أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة بوضعه القائم وبحكم أن المشير محمد حسين طنطاوي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة وليس القائد الأعلي فإن المجلس فوضه بتمثيل المجلس في الأمور الخارجية والداخلية مما يعني أن المجلس مازال يعترف ومازال يعمل وفقا للتفويض الأصلي وأنه لم يتحول الي مجلس رئاسي يملك سلطات رئيس الجمهورية كاملة وأن منصب القائد الأعلي مازال مشغولا بما يقال عنه انه تنحي واستقال وزاح عن صدر مصر والمصريين‏,‏ وهي أوضاع تستوجب مكاشفه ومصارحة تفصيلية من المجلس الأعلي للقوات المسلحة‏,‏ ومن القائد العام للقوات المسلحة حتي تهدأ النفوس ويزول الالتباس وتتبدد الشكوك المتصاعدة حول مستقبل ومصير الثورة ويتلاشي الكثير من المخاوف المتأججة في الافئدة والصدور والعقول‏.‏

الأموال المنهوبة ومسئولية البنك المركزي والبنوك

ولا تقتصر المعضلات الكبري الشائكة علي الأمرين السابقين‏,‏ بل تمتد إلي أوضاع البنك المركزي والبنوك العاملة في مصر وما يحيط بقيادتها من ظلال داكنة وحلقات سوداء مدلهمة لفساد سنوات طويلة سابقة كانت هي المعبر والمصب لحركة أموال ساخنة للفاسدين وللمضارين وللأموال المنهوبة والمسروقة‏,‏ وكانت بوابة العبور المنتظم والآمن لأموال اللصوص من سدنة النظام البائد‏,‏ ومن الحلقات المرتبطة به وما تضمه من كبار المسئولين والوزراء ورؤساء الهيئات الحيوية والحساسة والمهمة الذين مازالت الاحاديث عن ثرواتهم الفاحشة وراء ستار ووراء حجاب من الصمت المريب علي الاخص أن المعروف والمتفق عليه بين العامة والخاصة أن محافظ البنك المركزي فاروق العقدة ونوابه‏,‏ وكذلك رؤساء البنوك العامة‏,‏ وحتي رؤساء البنوك الاستثمارية في البداية والنهاية من الحلقة الشديدة القرب والانتماء والولاء لجمال مبارك‏,‏ وأنهم جميعا بكل المقاييس مافيا التوريث المهمة والرئيسية وركيزته وقاعدته التي تتولي تقنين الأموال القذرة والفاسدة‏,‏ وتضمن غسلها قانونا حتي تذهب آمنة إلي خارج الحدود بأعلي الضمانات القانونية الدولية وبشهادات موثقة من البنك المركزي والبنوك المختصة بالتحويلات حتي يصعب تتبعها ويصعب ملاحقتها‏,‏ وكانت القيادة العليا ــ كما هو معروف ـ تتم تحت اشراف فاروق العقدة محافظ البنك المركزي ونوابه‏,‏ وتولي رئيس البنك الأهلي طارق عامر الذي كان يشغل من قبل منصب نائب المحافظ دورا محوريا في عمليات التحويل للأموال المنهوبة والمسروقة‏,‏ وقام بحراستها وتأمينها مستخدما كل امكانيات البنك الأهلي وتاريخه الطويل وعلاقاته المصرفية العالمية ويساعده محمد بركات رئيس بنك مصر‏,‏ وكانت هناك الذراع المالية المهمة لياسر الملواني رئيس المجموعة المالية هيرمس الصديق الصدوق لجمال مبارك‏,‏ وكذلك الحال بالنسبة لرئيس البنك التجاري الدولي وبنك تنمية الصادرات‏.‏

ووفقا لمظلة تأمين الأموال المنهوبة التي وفرها البنك المركزي والبنوك الأخري فإن جزءا كبيرا من الاموال الفاسدة مستثمرة من خلال صناديق الاستثمار التابعة لهيرمس وغيرها في الصناديق الخارجية في الاوراق المالية للشركات والسندات الدولية سواء سندات الدول بالدولار واليورو وغيرها‏,‏ وكذلك سندات الشركات الكبري والشركات الصغري‏,‏ وقد تفننت بعض الشركات المصرية التي يثار حول أصحابها من رجال الأعمال اتهامات بالنهب والسرقة والاستغلال البشع للنفوذ والسلطات في إصدار سندات دولارية بالبورصات العالمية‏,‏ وكانت مظلة مهمة لتهريب الأموال ووصل الأمر برئيس البنك الأهلي المحصن والمحمي إلي إصدار سندات دولارية في جزر البهاماز المشبوهة‏,‏ وذهبت صرخات الغاضبين والمحذرين إلي الجحيم‏,‏ وهي سندات من يملكها أطراف مشبوهة وتتبعهم صعب وعسير بحكم أن مقرها ومركزها جزر البهاماز المشبوهة التي هي مأوي أموال الجريمة المنظمة والحكام الفاسدين الذين نهبوا أموال الشعب وثرواته‏.‏ وهناك ملكية لجزء هام من الاسهم لبعض شركات رجال الاعمال المشبوهين مثل هشام طلعت مصطفي لشركات مسجلة بالجزر المشبوهة‏.‏

وعلي الرغم من المخاوف المشروعة الحقيقية بأن الثورة ستؤدي إلي تهريب وهروب المزيد من الأموال الفاسدة فإن البنك المركزي حامي حمي الفاسدين لم يضع القيود الصارمة الضرورية والحتمية علي حركة الأموال الساخنة منذ اليوم الأول للثورة واكتفي محافظه بإطلاق تحذيرات كلامية بأن التحويلات ستصل إلي‏9‏ مليارات دولار‏,‏ وهو ما يستوجب التحفظ العاجل علي هذا المحافظ الذي كان يعمل بالمخالفة للقواعد والاخلاقيات والقوانين موظفا لدي البنك الأهلي في فرعه بلندن حتي يحصل كل شهر علي راتب بالملايين‏,‏ ويحصل في نهاية العام علي مكافآت وأرباح بعشرات الملايين في صورة مستفزة من صور الفساد والانحراف‏,‏ كما يجب أن يوضع تحت التحفظ رئيس البنك الأهلي وبنك مصر لتأمين الأوضاع في البنكين الكبيرين ثم محاسبتهم علي مهل علي مخالفاتهم التي لا تعد ولا تحصي‏,‏ والتي تزكم رائحتها الفاسدة والعطنة أنوف كل العاملين بالبنوك لما تشكله من ممارسات فاسدة تفوق كل شطحات الخيال حتي الخيال المريض‏,‏ بحكم أنهم كانوا خدمة الوريث الفرعون المقبل المنتظر القادر علي حمايتهم وتأمينهم وقطع يد العدالة والقانون قبل أن تصل إليهم‏,‏ كما نجح والده الديكتاتور الطاغية من قبل في حماية رموز فساده وانحرافه‏,‏ وعندما ذهب بعضهم مثل محمد إبراهيم سليمان وزير الاسكان السابق إلي النائب العام ذهب ليحصل علي صك البراءة‏,‏ ويحاط بصكوك الغفران والمغفرة وكأن مصر ليس فيها قانون‏,‏ وليس فيها نيابة عامة يفترض أن تحمي القانون‏,‏ وتدافع عنه ولكنها أصبحت مع الفساد العاتي للنظام واجهة لتغييب القانون وتشييعه إلي مثواه الأخير غير مأسوف عليه حتي بدموع التماسيح الكاذبة‏.‏

‏***‏

ما يتم كشفه حتي الآن وهو قليل يثبت أن مصر كانت تتعرض لعملية تجريف منظمة لثرواتها ومواردها وامكانياتها وطاقاتها لصالح عائلة رأس العهد البائد الفاسد‏,‏ كما يتم تجريف الارض الزراعية لحرمان الشعب المصري من قوته وأكله وأمانه في العيش والحياة‏,‏ والاكثر خطورة أن تجريف مصر لمصلحة الطغمة الفاسدة كان يتم تقنينه وحمايته بالقانون واسباغ الشرعية عليه من خلال النظام العام‏,‏ وهو ما يؤكد أن لصوص السلطة قد وصلوا في سطوتهم وسيطرتهم إلي حدود لا نهائية تملكوا فيها كل المؤسسات وتحكموا في مقاليد كل الأمور بغير رادع‏,‏ وبثقة مفرطة في استحالة الحساب والعقاب وكان رئيس مجلس الوزراء أحمد نظيف نموذجا حيا للفساد المروع‏,‏ حيث وصف تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات قرارا واحدا أصدره لتمكين أصحاب المنتجعات السياحية وشركات العقارات من حيازة الأراضي بوضع اليد بأنه اضاع علي خزانة الدولة نحو‏52‏ مليار جنيه في قرار واحد وبطلقة واحدة مما يكشف عن ضخامة النهب المنظم علي امتداد ثلاثة عقود‏.‏

ولا يمكن أن تقف الثورة المصرية ساكنة وساكتة في مواجهة رموز النهب المنظم المروع للثروة المصرية‏,‏ وكتيبة الطابور الخامس الفاسدين ولا يمكن أن يبقي الفاسد الأكبر وعائلته بعيدا عن خطوات فعلية للعقاب والمساءلة حتي في نطاق ما أعلنته السلطات السويسرية عن رصد عشرات الملايين من الفرنكات في حسابات تخصه وعائلته ورموزه الفاسدة‏,‏ لأن مجرد الاعلان عن ذلك لشخص راتبه الرسمي‏24‏ الف جنيه شهريا كفيل بجره إلي زنزانة السجن‏,‏ خاصة أن اقرار الذمة المالية الذي قدمه بتبجح بخلاف ذلك مع الاخذ في الاعتبار أن الميزانية المفتوحة الخارجة عن نفوذ أي سلطة رقابية لرئاسة الجمهورية يجب أن تكون محلا عاجلا للتدقيق والمراجعة الصارمة حتي يتيقن الشعب ان بلاده وضعت اقدامها علي بداية الطريق الصحيح وأن مطلب الإرادة الشعبية الوطنية بإسقاط النظام دخل بالفعل حيز التنفيذ‏,‏ وان الثورة المضادة وترتيبات الانقلاب ستذهب الي الجحيم؟‏!‏