وجه حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه كلمة الى الكويتيين بمناسبة العيد ال50 للاستقلال والذكرى ال20 للتحرير وذكرى مرور خمس سنوات على تولي سموه رعاه الله مقاليد الحكم.
وفي ما يلي النص الحرفي للكلمة بسم الله الرحمن الرحيم "رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات" صدق الله العظيم الحمد لله الذي اكرمنا بنعمه التي لا تحصى وجعل لنا وطنا آمنا مستقرا وأفاء علينا من فضله بالرخاء والخير الوفير والصلاة والسلام على سيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه الاكرمين.
ايها الاخوة والاخوات..يا أبناء ديرتي الاحباء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
أتوجه اليكم اليوم بأرفع آيات التهنئة والتبريكات بمرور خمسين عاما على تكريس ثوابتنا المبدئية في الاستقلال والسيادة ومرور عشرين عاما على الوقفة المشرفة لابناء هذه الارض الطيبة بصمودهم وبسالتهم وتضحياتهم المشهودة في مواجهة الاحتلال الغادر والتفافهم حول قيادتهم الشرعية لتحرير الوطن العزيز وبذلهم للغالي والنفيس من اجل الحفاظ على وطنهم عزيزا مكرما.
وفي هاتين المناسبتين التاريخيتين فانكم تشاطرونني مشاعر الوفاء والحب والعرفان لفقيدينا الكبيرين الراحلين صاحب السمو الامير الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح وصاحب السمو الامير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح رحمهما الله وطيب ثراهما الطاهر اللذين سيبقى دورهما البطولي الامثولة في مواجهة الغزو البغيض وما قدماه من جهود وانجازات في خدمة كويتنا الغالية اضاءات ساطعة في ذاكرة كل الكويتيين وقد واصلا مع المخلصين من ابناء هذا البلد الطيب الليل بالنهار من اجل استعادة الحق والحرية والكرامة متفانين في اعادة اعمار البلاد بعد الغزو الهمجي المدمر خلال فترة قياسية كانت محل تقدير العالم اجمع.
كم هو شعور مهيب مليء بالعزة والكبرياء ان نستذكر بكل الفخر والتقدير مئات الشهداء والاسرى والمفقودين الذين ضحوا بدمائهم ونفوسهم الابية للدفاع عن تراب الوطن الغالي فللشهادة مقامها الجليل ومكانتها العالية عند الله نسأله تعالى ان يتغمدهم بواسع رحمته ورضوانه وينزلهم منازل الابرار مع الشهداء والصديقين انه سميع مجيب.
هذا وحري بنا في هذا المقام ان نستذكر بكل امتنان وتقدير مواقف اشقائنا في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والدول العربية الاخرى الشقيقة والدول الصديقة وقادتها الذين وقفوا الى جانب الكويت ابان فترة الاحتلال العصيبة وساهموا مساهمات جليلة معنا في تحقيق النصر المؤزر في ملحمة امتزجت فيها الدماء الزكية دفاعا عن مبادئ الحق والحرية والعدالة.
ويطيب لي في هذه المناسبة ان اتقدم باسم اهل الكويت جميعا بالشكر والترحيب برموز المبدأ والموقف ضيوفا اعزاء في هذه المناسبة الجليلة مؤكدا بأن شعبنا الوفي لن ينسى وعلى مدى الدهر هذه المواقف الشريفة الشجاعة.
كما لا يفوتني ان اسجل بالعرفان والتقدير الدور البارز لمنظمة الامم المتحدة والتفويض الذي منحه مجلس الامن للدول المتحالفة مع الكويت باستخدام جميع الوسائل الممكنة لتحريرها وعودة الشرعية اليها وضمان حدودها وتحقيق الامن والاستقرار في المنطقة الامر الذي اعتبر وبحق احد انصع وابرز انجازات الامم المتحدة.
الاخوة والأخوات الكرام...
ان كويت الدولة التي ننعم بأمنها وامانها لم تقم اليوم وليست المواثيق والثوابت فيها جديدة كما لم تكن وليدة الصدفة ولم تكن املاء وانما هي بتوافق شعبها وحكامها.
ان كويت الوطن لم تكن يوما لجماعة بذاتها او لفريق دون آخر ولم تكن في سماتها ابدا قبلية او طائفية او فئوية وكل ما تحقق من مكاسب وانجازات انما هو بفضل تآلف وتكافل وتلاحم اهل الكويت جميعا مستكملين مسيرة الآباء والاجداد وهم يغالبون شظف العيش على صحرائها وفي عرض البحار والمحيطات والديمقراطية فيها صوت الضمير لديهم امتثالا لقوله تعالى "وشاورهم في الامر" ووحدة اهلها فيها هي الارادة المشتركة الجامعة لهم على مواجهة التحديات وهي ملاذنا ومستقرنا ما بين المهد واللحد الى يوم الدين.
واذ اجدد اليوم التأكيد بأن التزامنا بالنهج الديمقراطي وبالحرية المسؤولة ثابت وراسخ ومتجذر وهو خيارنا جميعا الذي لا رجعة فيه فان الدستور يمثل العقد الذي ارتضيناه حكما عادلا يعمل الجميع تحت سقفه وفي اطاره وهو الانجاز الحضاري الذي نفتخر به ونعتز وسأعمل دوما من اجل صيانته وحمايته.
ولا شك بأن الديمقراطية تعني لغة الدستور والقانون والحرية المسؤولة المحكومة بالأطر القانونية المحددة التي تحقق المصلحة الوطنية العليا وتتيح الرقابة والمساءلة والنقد الموضوعي لكل خلل او تقصير ولم تكن يوما اداة للفوضى والانفلات والتشكيك والتحريض.
فطوبى لكل من عاش من أهلها على ترابها ضارعا مرضاة الله في وطنه وطوبى للحكومات والمجالس التشريعية المتعاقبة وطوبى لكل مخلص كان له شرف المشاركة في مسيرة بناء الدولة العصرية دولة القانون والمؤسسات.
ان هذه المسيرة الطيبة لم تتحقق عن طريق الاحلام والخطب والتمنيات وانما هي ثمرات جهود دؤوبة مبرورة وارادة حرة خلاقة والتزام صادق بأمانة المسؤولية في العمل والانجاز وتواصل حي في الوفاء والعطاء جيلا بعد جيل.
مستذكرين بالشكر والعرفان فضل الأولين من رجالات الكويت ونسائها الذين سطروا بأعمالهم وانجازاتهم الخالدة نماذج وضاءة من العطاء والاخلاص للوطن كل في موقعه وحسب قدراته فقد حمل هؤلاء للأجيال القادمة امانة الكلمة والاخلاص في العمل والتفاني بحب الوطن والاستقامة في الخلق.
ولم تكن هذه المسيرة خالية من العثرات التي تجاوزها ابناء الكويت باجتماعهم على كلمة سواء متحصنين بروح المسؤولية وبرصانة الحوار وسعة الرؤية متسلحين بالعلم والمعرفة متعاونين دائما بما يجعل الكويت هي الرابح الأكبر.
ان من الصفحات الوضاءة في مسيرتنا الوطنية تلك الخطوة الريادية المباركة نحو تعميق المشاركة الشعبية بدخول المرأة الكويتية محراب البرلمان لتمارس حقها السياسي والدستوري في الانتخاب والترشيح وهي خطوة تمت بارادة كويتية خالصة وبوعي ديمقراطي لافت اثار اعجاب واحترام العالم كله.
ومن هذه الصفحات الناصعة تلك المبادرات التي انفردت بها الكويت فأكسبتها المكانة المرموقة التي تستحق في محيطها والعالم وفي مقدمتها تسليط الضوء على اهمية محاربة الفقر والجوع والمرض وقد انشأت مع استقلالها اقدم مؤسسة تمويلية في العالم العربي والشرق الاوسط وهي الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية لتقديم العون والمساعدة الى الدول الشقيقة والصديقة والدول المحتاجة حتى وصل هذا الامر الى اقصى ديار المعمورة.
هذا وقد دأبت الكويت على انفتاحها الايجابي المتوازن فيما يحكم سياستها الخارجية التزاما بثوابتها الوطنية المبدئية واحتراما للشرعية الدولية تأسيسا لروابط وعلاقات اقليمية ودولية قائمة على التعاون البناء في اطار المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
ولقد سلكت الكويت طريق الخير في دعم القضايا العادلة بتعاونها مع الدول العربية والاسلامية وسائر الدول الصديقة في العالم لا سيما شقيقاتها دول مجلس التعاون الخليجي وبمساندة المنظمات الدولية وتعزيز دورها في المحافظة على الامن والسلام الدوليين.
الأخوة والأخوات الكرام ...
اننا في الكويت ندعو دائما الى التخطيط الشامل سبيلا علميا وعمليا لتحقيق التنمية المستدامة وانجاح مشروعاتها المستهدفة وانني اؤكد على ان قضيتنا المركزية في التنمية تقوم على بناء الانسان باعتباره المكون الاساسي في مواجهة قضاياها ولا يفوتني ان أنوه بدور شبابنا الواعد في صناعة الغفد المأمول فهو حجر الزاوية في اي بناء وانجاز وانني على يقين ثابت بقدرة ابنائنا من شباب الكويت على تلمس السبيل الصحيح وهو حريص على تجاوز تحديات المستقبل متوسما ان تعيش الاجيال الكويتية قوية محمية من الصدمات والنوائب شريكة في المسؤولية الوطنية عاشقة لبلدها متصلة بتاريخها وتراثها.
الاخوة والاخوات الكرام ...
مع مرور نصف قرن على الاستقلال وعقدين على التحرير اجد نفسي وقد تشرفت بحمل امانة مقاليد الحكم لخمس سنوات خلت انني على العهد في الحديث اليكم من القلب وفي غمرة الفرحة واجواء البهجة والسعادة التي نعيشها هذه الايام في ظل مناسباتنا الوطنية المجيدة وما تجسده من معاني العزة والفخر وما تنطوي عليه من استحقاقات واجبة علينا الا ننسى ان امامنا تحديات جسيمة لا يمكن لواع مخلص ان يتجاهلها وقدرنا ان تتربع ارضنا الطيبة على رأس الخليج العربي متوسطة بذلك منطقة مثقلة بتفاعل الاحداث والتطورات والمتغيرات المتسارعة وهو ما يقتضي منا التزام الحذر واليقظة وحسن ترتيب الاوليات في ضوء قراءة نافذة ومتابعة واعية لتداعياتها واسقاطاتها امنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وان نهيئ العدة لدرء الاخطار والتحديات التي تحملها الى ساحتنا المحلية قبل فوات الاوان.
اننا في مرحلة عامرة بالملفات والالتزامات وعلينا كل في موقعه أن نسارع الى حسن التخطيط واستثمار الوقت والامكانات والتفاني في العمل وأداء الواجب بما يجنبنا التساهل والاسترخاء وانفلات الزمام واستباحة المحظورات بتبعاتها باهظة الأثمان ولنعلم أنه لا طاقة لنا في مواجهة هذه التحديات الا بتماسكنا جميعا وتوحيد صفوفنا.
ولقد أثبتت التجارب بما لا يدع مجالا للشك أننا بحاجة الى استيعاب الدروس والعبر في نبذ الفرقة والتباعد والترفع عن التحزب والتعصب وتحكيم العقل والحكمة والارتقاء الى حجم المسؤولية الوطنية في تغليب المصلحة العامة على سواها وفي ذلك سبيلنا لمرضاة الله في وطننا "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم" صدق الله العظيم.
وأعود لأذكركم بنعم الله علينا وما أكثرها وعلينا نحن تقع مسؤولية المحافظة على ما اختصنا به رب العالمين من خيرات وأفضال فمن نعمه أن جعلنا في وطن آمن يبعث الطمأنينة في نفوسنا ويحمي مقدراتنا وخياراتنا في العيش الكريم.
ومن نعم الله المباركة أن جعلنا أسرة واحدة ونسيجا مترابطا نستشعر فيه الألفة والتلاحم والقوة الجامعة في بوتقة وطنية واحدة.
ومن نعمه كذلك تلك الخصوصية الكويتية للعلاقة المتفردة بين الحاكم والشعب بما يحكمها من روابط الأخوة والتلاحم والتكامل والتي كان لها الفضل بعد الله تعالى في تحرير دولة الكويت بعد أن تجسدت الوحدة في المؤتمر الشعبي الذي عقد في جدة ابان فترة الاحتلال الآثم.
ومن نعمه أيضا أننا نستظل بأجواء من الحرية قل نظيرها وهي تعكس السمات الفكرية والحضارية في ابداء الرأي والتعبير والانفتاح على النفس وعلى الغير.
وأيضا من نعم الله أننا في قلعة الديمقراطية الحصينة بالارادة الكويتية في احترام الذات الانسانية والحقوق الآدمية التي حرص مجتمعنا على التمسك بها منذ نشأته.
وأنها لمناسبة أن أدعوكم الى المحافظة على ما حبانا به الله فبحمده تدوم النعم وتيمنا بقوله تعالى "ولئن شكرتم لأزيدنكم" مجددا الدعوة الى الجميع في الحرص على تسييد القانون والحذر من مغبة الاستقواء بغيره داعيا في آن معا الى التحصن بسلطان قضائنا نزيها عادلا مستقلا والالتزام بمنظومة دولة القانون والمؤسسات.
يا أبناء ديرتي الأحباء نملك كل مقومات الانطلاق والتقدم والنماء بكم ومعكم أتطلع الى مستقبل أرحب من الحاضر باذن الله حيث تتجدد الآمال وتتسع فسحات التفاؤل "ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم" صدق الله العظيم.
اننا نؤمن بالله جل جلاله ملتزمين بتعاليم ديننا الحنيف متمسكين بالمواريث والقيم الفاضلة المستقرة في أعماقنا ثوابت عاصمة لنا فيما نقول ونعمل لاستكمال بناء الدولة العصرية التي نتطلع اليها ونطمح.
ندعو الله العلي القدير أن يعيننا على أداء الأمانة وأن يكتب لنا السلامة في الرأي ويجمع كلمتنا على الحق ويسدد مقاصدنا وخطانا فيما يعود على كويتنا الحبيبة وأهلها المخلصين الأوفياء بالعزة واليمن والخير الوفير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.