منذ أن أطلق رئيس مجلس الوزراء السابق المهندس إبراهيم محلب، لمقولته الشهيرة "الفساد في وزارة الزراعة وصل للركب"، لم يمر عام 2015، إلا ومرت الوزارة بكوارث أطاحت ليس فقط بوزرائها وقياداتها، إنما امتدت أيضًا إلي سمعتها التي ارتدت ثوب الرشوة والفساد، بعد أن حملت ثورتين جاءتا محملتين بالآمال والطموحات للمتعاملين مع وزارة الزراعة أن يحصلون على حقوقهم.
البحث عن فضيحة
بعد أن تولى الدكتور صلاح هلال، وزير الزراعة، المحبوس على ذمة عدد من قضايا الفساد بوزارة الزراعة، مسئولية الوزارة، أعلن أنه نصير الفلاح والبسطاء من الشعب ولم تمر فترة طويلة إلا وبدأت الفضائح تنتشر وتتزايد أكثر وأكثر فكانت البداية بالإعلان عن استيلاء الوزير على شقق تابعة للوزارة دون وجه حق بالإضافة إلى تعديه بالبناء علي مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية بقريته كفر العمار التابعة لمركز طوخ بمحافظة القليوبية، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل امتد إلى مطالبته، مدير منظمة الفاو في المؤتمرات التي عقدت بالعاصمة الإيطالية روما بتوفير فرصة عمل لابنتيه مستغلاً منصبه في ذلك.
وجاءت بعد ذلك الفضيحة الكبرى والتي أثارت الرأي العام، حيث تمكنت شرطة التموين من ضبط كميات كبيرة من اللحوم والدواجن والمنتجات الغذائية الفاسدة تباع في المنافذ التابعة للوزارة، وهو ما أثار حالة من الجدل بين المواطنين، والذين طرحوا تساؤلًا مفاده، هل يمكننا الثقة فيما نتناوله من طعام بعد ضبط تلك الكميات من اللحوم الفاسدة داخل المنافذ الحكومية فماذا سيكون الوضع لدي المتاجر الخاصة؟
وكان من الأسباب الهامة في الإطاحة بهلال وإيداعه خلف القضبان الحديدية، تسهيله لأحد رجال الأعمال الاستيلاء علي أراضي الدولة دون وجه حق مقابل الحصول على رشاوي عينية تمثلت في ساعات وبدل وتأشيرات حج.
فمن الوعود التي قطعها صلاح هلال على نفسه هي تحصيل مليارات الجنيهات من الشركات المخالفة والمتعدية علي الأراضي بطريق مصر الإسكندرية الصحراوي إلا أنه لم يتخذ أي إجراءات بشأنها فلم تكن سوى تصريحات للاستهلاك الإعلامي والجماهيري، فلم يقتصر على إطلاق التصريحات وإنما امتد الأمر إلى تسهيل استيلاء رجال الأعمال عليها وهي القضية المتورط فيها وزير الزراعة وكل من محمد فودة ورجل الأعمال أيمن رفعت الجميل.
لكن الأمر لم يمر مرور الكرام حيث أطيح بالوزير وألقي القبض عليه عقب خروجه من مقر مجلس الوزراء مباشرة وإحالته إلي النيابة للتحقيق معه في كافة الاتهامات التي وجهت إليه والأمر بحبسه علي ذمة تلك القضايا.
** القطن.. ملك فقد عرشه
الوزير نصب من نفسه بطلاً مغوارا مدافعًا عن الفلاح وذلك بإعلانه عن قرار بمفرده ودون عرضه علي مجلس الوزراء لمناقشته، وهو حظر استيراد القطن لحين توريد القطن المحلي، وهو الأمر الذي لم يروق للكثيرين من المتواجدين ضمن دائرة اتخاذ القرار وكان في مقدمتهم وزير الصناعة والتجارة السابق منير فخري عبد النور والذي أعلن رفضه لذلك القرار، في محاولة منه للحفاظ وتحقيق مصالح رجال الأعمال بالإضافة إلي تأكيده عدم دراسة القرار الصادر عن وزير الزراعة وقي النهاية كانت كلمة عبد النور هي العليا دون النظر إلي مصلحة مصر فلاحيها.
وعن القطن فحدث ولا حرج حيث أهملت الحكومة ذلك المحصول الإستراتيجي وفشلت في تسويقه بعد أن أعلنت عن سعر القنطار والذي بلغ 1200 جنيه للأقطان متوسطة وطويلة التيلة، فيما بلغ سعر قصير التيلة 1100جنيه، فيما اعتمد التجار 900 جنيه سعر للقنطار، وهو ما كبد المزارعين خسائر كبيرة، ما استتبعه أيضًا تراجع المساحات المزروعة به الأمر الذي يهدد مصر بفقدان عرشها إلى الأبد.
وعلى طريقة عبد الفتاح القصري في فيلم ابن حميدو ومقولته الشهيرة "أنا راجل وعمر كلمتي ما تنزل الأرض" إلا أنه يتراجع عنها في النهاية، وهو ما ينطبق على وزير الزراعة الأسبق الدكتور عادل البلتاجي عندما أعلن خلال مؤتمر صحفي أن الحكومة أصبحت "تدلل على القطن" ولن تقدم دعمًا لزراعته أو تسويقه الموسم السابق، وأن على الفلاح أن يعلم كيف يسوق محصوله دون تدخل الدولة، لتراجع الإقبال على القطن إلا أنها عادت وأعلنت عن دعمها للقطن بإجمالي 261 مليون جنيه.
الأسمدة.. صداع في رأس المزارع
كما تأتي الأزمة المستمرة التي تعانى منها منظومة الزراعة المصرية والمتمثلة في عدم القدرة على توفير الاحتياجات الفعلية من الأسمدة للمحاصيل الزراعية، وهو ما يتسبب في تراجع إنتاجية الفدان بشكل ملحوظ، بجانب مجاملة الحكومة للشركات المنتجة على حساب الفلاح.
وهو ما يجبر المزارع البسيط للجوء للسوق السوداء للحصول على احتياجات زراعته منها حيث تجاوز سعر الشيكارة في بعض الأوقات إلى 200 جنيه في بعض المناطق بدلا من أن يتم بيعها بالسعر الذي حددته وزارة الزراعة وهو 100 جنيه، بالإضافة إلى فشل وزارة الزراعة في السيطرة على تهريب الأسمدة للسوق السوداء، فتكرار أزمات الأسمدة سنويا أصبح محل تساؤل وحيرة للمزارعين خاصة في الموسم الصيفي.
فوفقاً للدراسات الاقتصادية فإن أرباح صناعة الأسمدة في دول مثل اسبانيا والبرتغال وفرنسا وكندا وغيرها من الدول تتراوح أرباح شركات الأسمدة فيها ما بين 20% إلى 25%.
محاصيل مروية بمياه الصرف
فكما فشلت الحكومة في توفير مستلزمات الإنتاج من أسمدة وتقاوي فشلت أيضاً في توفير مياه صالحة للزراعة الأمر الذي دفع المزارعين للجوء لمياه الصرف الصحي غير المعالج لري محاصيلهم خوفاً من بوار أراضيهم وتعرضهم لخسائر أقل ما يمكن وصفها به بـ"الكارثية".
وترجع خطورة استخدام تلك المياه في الري إلى تحويه من أنواع عديدة من الملوثات من بينها المواد الثقيلة والتي تمثل خطورة كبيره على صحة الإنسان، مما نتج عنهم زيادة حالات الإصابة بأمراض الكبد لاسيما الإصابة بفيروس"c" والتي تزايدت بشكل كبير.
** روسيا تحظر الاستيراد من مصر
وفيما يتعلق بصادرات مصر الزراعية، نجد أن الصادات شهدت تراجعًا ملحوظ خلال عام 2015، حيث فرضت الرقابة الروسية قيودا مؤقتة على استيراد البطاطس المصرية، ومنعت دخولها إلى روسيا مؤقتا، حيث دخل الحظر حيز التنفيذ خلال شهر أبريل الماضي.
وأوضحت هيئة الرقابة الروسية أن الدائرة الاتحادية للطب البيطري والصحة النباتية تأسف أن تقوم بإبلاغ الجميع أنه بداية من 9 أبريل 2015 تم فرض قيود مؤقتة على استيراد البطاطس من مصر ومنع دخولها نهائيا إلى أراضى الاتحاد الروسي.
وأعلنت موسكو في ذلك الوقت أن فرض القيود على استيراد البطاطس من مصر ليس الأول من نوعه، فقد فرضت هيئة الرقابة الزراعية الروسية في شهر يونيو من عام 2011، قيوداً على استيراد هذه السلعة، وتم إلغاء الحظر في شهر أبريل من عام 2012 بعد محادثات مضنية مع الجانب المصري، الذي قدم ضمانات بالتصدير إلى روسيا من المناطق الخالية من البكتيريا.
الأمر لم يقتصر علي غلق روسيا أسواقها أمام البطاطس المصرية حيث سجلت صادرات مصر من المنتجات الزراعية تراجعًا ملحوظًا خلال العام الحالي خاصة إلى دول الاتحاد الأوروبي، مثل البطاطس والبصل والطماطم والفاصوليا والبرتقال والمانجو، وهو ما أرجعه البعض إلى رفض الصادرات المصرية من هذه المواد من قبل الدول الأوروبية نتيجة عدم وجود مشاريع محلية لمكافحة الآفات والحشرات التي تصيب الخضر والفاكهة.
قال الدكتور أحمد الخطيب أستاذ الاقتصاد الزراعي، إن الدولة تستورد الخضر والفاكهة بأسعار منخفضة وجودة مرتفعة مقارنة بما ينتج منها محليا لانخفاض القدرة التنافسية للمزروعات المصرية، مما يعطي فرصة جيدة لدخول المنتجات الزراعية الأجنبية إلى الأسواق المصرية مدعومة بسعرها المنخفض، لافتا إلى أن حجم الصادرات الزراعية انخفضت في الفترة الأخيرة نتيجة العجز في الإنتاج وعدم تغطيتها احتياجات المستهلك المصري، بجانب تراجع نمو القطاع الزراعي بشكل عام في الوقت الذي يتزايد فيه التعداد السكاني، مما ترتب عليه عدم وجود فائض يسمح بالتصدير وارتفاع نسبة متبقيات المبيدات عن المسموح به دوليا.
واقترح لزيادة الصادرات الزراعية كوضع سياسة زراعية تهتم بزيادة الإنتاج الرأسي، بجانب زيادة الاستثمار الزراعي بتوفير القروض والدعم اللازم لتشجيع المستثمرين، في حين أن العائد الاستثماري الزراعي متدني مقارنة بالاستثمارات في القطاعات الأخرى لتعرض تلك الاستثمارات لمخاطر كبيرة في ظل التغيرات المناخية، وفقد الأسواق التصديرية في الفترة الأخيرة مما ترتب عليه تراجع الفلاحين عن زراعة المحاصيل التصديرية واستبدالها بزراعات أقل ضرورة بالنسبة لمائدة المستهلك.
ومن جهته قال الدكتور محمود منصور أستاذ الاقتصاد الزراعي، أن وزارة الزراعة تتبع سياسة المسكنات في التعامل مع الأزمات التي يمر بها المزارع دون أية حلول فعلية لها، مؤكدًا أن الاقتصاد الزراعي جزء لا يتجزأ من الاقتصاد القومي وهو ما يتطلب ضرورة الاعتماد على سياسات وبرامج تنفيذية قائمة على الأسس العلمية للنهوض بمنظومة الزراعة المصرية وعدم الاعتماد على تسويق برامج سياسية.
ولفت إلى أنه نتيجة لعدم تحقيق المزارع لهامش ربح مناسب يساعده على مواجهة غلاء المعيشة أدى ذلك إلى هجرته أرضه والاتجاه للعمل بالمدن في ظل ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج.
وذهب إلى أن الفلاح يعانى من أزمات عده نتيجة تدخل القطاع الخاص مثل أزمات البذور والتقاوي وتوريد محصول القطن، لافتًا إلى أنه مع غياب هذه الأدوات أصبح الفلاح فريسة للقطاع الخاص الذي يورد تقاوي ومبيدات مغشوشة للفلاح حيث إن هدفه الوحيد هو تحقيق الربح المادي دون النظر إلي الآثار التي قد تترتب على ذلك.