على الرغم أننا نعتبر أنفسنا متقدمين علميًا وحضاريًا عن أسلافنا الذين كانوا يعيشون في كهوف، إلا أننا مازلنا نستخدم الجِلد الأصلي في صناعة العديد من المنتجات بصورة مختلفة تمامًا عن الأساليب العضوية التي كانوا يستخدموها قديمًا، فالجلود الحديثة تقتل الطبيعة المحلية ببطء، والأشخاص العاملين في ذلك المجال يستخدمون "الطين السام"، بالإضافة لمواد كيميائية أخرى.
الإنتاج العالمي من الجلود 
السوق العالمي الحالي للجلود ينتج أكثر من 23 مليار قدم مربع سنويًا، أي ما يساوي أكثر من 77 مليار دولار، وفقًا لتقديرات حديثة نشرت في دورية "Scribes Guild"، والأحذية الجلدية الآن هي ثاني المنتجات الأكثر مبيعًا، بالإضافة للقفازات بقيمة 12.3 مليار دولار، وتشكل 15.9% من مجموع التجارة العالمية.

الملابس، ومفروشات السيارات، والمفروشات المنزلية، وغيرها من المنتجات المصنوعة من الجلد يشكّلون تقريبًا 8-14% من نسبة الإنتاج الأخيرة، أما بالنسبة لصادرات الجلود المصنعة، فتأتي الصين، والهند من بين قادة العالم بنسبة 6.6 مليار قدم مربع، و2 مليار قدم مربع على التوالي في عام 2013 معتمدين على الأيدي العاملة الرخيصة، وأماكن صناعة لا تلتزم بقوانين السلامة البيئية معتمدين على العمالة الرخيصة الثمن في شرق آسيا، والبيع للأسواق الأوروبية.
من أين تأتي الجلود ؟
النوع الأكثر طلبًا عليه في الأمريكتين هو جلد الماشية، والماعز، والضأن، والغزلان، والنعام، والجاموس، ومؤخرًا أصبح حديثًا جلد الكنغر، والثعابين، والتماسيح أكثر طلبًا في أماكن مثل تايلاند.
عملية الدباغة
عملية الدباغة في جوهرها هي عملية تحنيط، وتثبيت المواد التي على الجلد بحيث لا تتعفن أو تتصلب وتكون في شكل قابل للاستخدام، وتعتمد هذه العملية على تنظيم اللحوم، والدهون، وتجريف الشعر، باستخدام معاجين الجير، والتبييض، والتخليل.
الدباغة النباتية
يمكن القول أن هناك فرق بين الجلود المدبوغة، والجلود الخام على أساس ردود فعلهم تجاه الحرارة، والماء، فالجلود الخام تتصلب في الحرارة، لكن الجلود المدبوغة تظل ّمرنة في الحرارة، ولا تتفسّخ عند البلل، وهناك العديد من الطرق المختلفة للدباغة، اعتمادًا على سمات المنتج النهائي، واستخدامه.
بالنسبة لدباغة الجلود النباتية فيستخدمون "العفص" الموجود في الخضار، ولحاء الشجر، والمصادر الطبيعية من المشتقات النباتية الأخرى، فهذه المواد الكيميائية تعتبر مثالية لنحت الجلود وختمها لكنها غير مستقرة جدًا في الماء، فحينما توضع في الماء الساخن تتقلص الجلود المدبوغة نباتيًا بشكل كبير.

الدباغة الاصطناعية
يستخدمون في هذا النوع البوليمرات العطرية مثل "نوفولاك"، و "نيرادول"، و"الميلامين"، وتم اختراعه خلال الحرب العالمية الثانية، ففي حين كان هناك تقنين لعملية الدبغ النباتي بالعفص لتحويلها للمجهود الحربي، كان من السهل جدًا معرفة الدباغة الاصطناعية لأن لون الجلد يصبح أبيضًا.
 الدباغة تقتل المكان 
صناعة الدباغة تشكل الكثير من المخاطر على كُل من البيئة والمكان الذي تتم فيه العملية، فالتهديد البيئي الرئيسي ينطوي على إلقاء النفايات الصلبة، والسائلة التي تحتوي على الكروم، وبقايا المركبات الخطرى الأخرى، وهذا شائع في المناطق التي لا تحظى بمعايير حماية البيئة خاصة في الصين، والهند، وبنجلاديش.
حتى لو كانت هناك مرافق حديثة كاملة، وتُدار بعناية فإنه من المستحيل تقريبًا تنقية كل الملوثات الناتجة من عملية الدباغة، لذلك هناك قاعدة أساسية تقول إن دباغة طنّ واحد يخفي تلقائيًا 20-80 متر مكعب من مياه الصرف الصحي المشبّعة بالكروم بما يُقدّر بـ 250 ميلليجرام/ لتر، ونسبة كبريتيد فيما يقرب من 500 ميلليجرام/ لتر، بالإضافة للمخلفات التي تنتج في مرحلة الإعداد حيث يتم استخدام المبيدات الحشرية أحيانًا للحفاظ على وقوف نمو العفن، ويتم تجاهل 70% من هذه المخلفات غير معالجة في نهاية المطاف.
بالتأكيد هناك طرق للتخفيف من هذه الآثار كما يشير تقرير منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعي فباستخدام حمامات الكروم في إعادة التدوير يؤدي إلى تقليل نسبة الكروم إلى مستويات تصل لـ 21% في مياه الصرف الصحي، بالإضافة لذلك يمكن استعادة الكروم عن طريق تعجيل خروجه من حمام حمض هيدروكسيد الصوديوم، أو باستخدام كربونات الصوديوم، أو إخراجه ببطء باستخدام أكسيد المغنيسيوم وهذا يؤدي إلى تقليل نسبة الكروم بنسبة 25-30%.
المخاطر التي يتعرض لها العامل 
العمل في المدابغ نفسه محفوف بالمخاطر ففي كثير من الأحيان لا تتواجد حماية كافية للعمال فالتعرّض للجير، والأحبار، والأحماض، والقواعد، والمذيبات، والمطهرات، والمواد الكيميائية الضارة، بالاضافة إلى التعرض للآلات الثقيلة، وسكاكين السلخ، ومع ذلك يبقى الجزء الأكثر خطورة في الدباغة هو التعامل مع الكروم الذي يؤدي إلى عدد لا يحصى من الأمراض اعتمادًا على كيفية امتصاصه.
عند استنشاق الكروم يعمل كمثير للرئة، ويؤثر على الجهاز التنفسي العلوي، وزيادة الفرص للتعرض لسرطان الجيوب الأنفية، فالكروم عادة تمتصه الجلود الخام أثناء الدباغة، وهناك علاقة طردية بين زيادة معدّلات الربو، وإلتهاب الشعب الهوائية، والأورام الحميدة في الجهاز التنفسي العلوي، وإلتهاب البلعوم، وتوسّع المنطقة والغدد الليمفاوية ثم يؤدي إلى سرطان.
كيف يمكن أن يقتلك "الجاكت الجلد" أو الحذاء الجلد:
ذلك عن طريق ملامسته جلدك من أول مرة فالكروم يمكن أن يخرج من الجلود المدبوغة حينما تكون متصدّعة، أو بها تقرّحات، ويؤدي ذلك مباشرة إلى مرض إلتهاب الجلد التحسسي، ومضاعفاته الخطيرة.