أثار رفض الهيئة العامة للبترول سداد الضريبة المستحقة عليها هذا العام متعللين بعدم توافر سيولة لديهم، وطلبوا من مصلحة الضرائب خصمها مما لهم من مستحقات مالية متأخرة طرف وزارة المالية قضية التشابكات المالية بين الجهات الحكومية المختلفة والناتجة عن تراكم مديونيات هذه القطاعات لبعضها البعض خاصة وزارات المالية والبترول والكهرباء والبريد والتأمينات.
وأمام إصرار البترول على عدم سداد الضريبة أصرت ايضا مصلحة الضرائب على اتباع الاجراءات القانونية المتعلقة بتأخر سداد الضريبة فى الموعد المحدد، والتى تبدأ بغرامة تأخير تزداد بزيادة مدة التأخير وصولا إلى توقيع الحجز على الجهة المتأخرة عن السداد.
أما هانى قدرى وزير المالية فأكد أن الضريبة حساب مستقل لايجوز أن يدخل التسويات المالية بين الهيئات الحكومية حتى لاتزداد الامور تعقيدا وتزداد التشابكات المالية على ما هو موجود ومتراكم منذ سنوات ويشدد قدرى على ضرورة الالتزام بمبدأ استقلالية الضريبة وألا يتم فى اطار تسوية المستحقات بين وزارة المالية وأى هيئة حكومية.
وقال ان المالية ملتزمة من جانبها بسداد قيمة الدعم أولا بأول مع وزارة البترول. وأوضح مصدر مسئول بوزارة المالية ان حجم التشابكات المالية بين الهيئات الحكومية المختلفة بعضها البعض، وبين المالية يتجاوز الـ 500 مليار جنيه لانها متراكمة منذ سنوات وتفاقمت منذ ثورة يناير بسبب تدهور الأوضاع المالية فعلى سبيل المثال الهيئة العامة للبترول لها مستحقات متأخرة طرف المالية تتجاوز الـ 80 مليار جنيه ومديونة لجهات مختلفة بأكثر من 130 مليار جنيه، ومثال آخر وزارة المالية دائنة للكهرباء بأكثر من 20 مليار جنيه وهكذا ويرى ضرورة سرعة وضع آلية لسداد هذه المديونيات المتداخلة بين الوزارات والهيئات وجدولتها والحد من الدخول فى اشتباكات جديدة لأن زيادتها تمثل خطرا كبيرا على الاوضاع الاقتصادية.
من جانبه يوضح الدكتور حازم الببلاوى رئيس الوزراء السابق ووزير المالية فى حكومة الدكتور عصام شرف ان تشابك العلاقات المالية بين الهيئات والوزارات قضية فى غاية الخطورة تحتاج إلى علاج سريع حتى لاتتفاقم أكثر ويزداد تأثيرها السلبى على الحالة الاقتصادية بصفة عامة، ولعل أظهر مثال لذلك هو وضع الهيئة المصرية للبترول التى تحتاج لتمويل دائن لشراء المواد البترولية وفى نفس الوقت لاتدفع الضرائب المستحقة عليها وبالرغم من هذا الضيق النقدى الذى تجريه الهيئة فهى دائنة ايضا لقطاع الكهرباء بأكثر من 90 مليار جنيه لانستطيع الحصول عليها، وهى فى نفس الوقت مدينة كذلك للقطاع المصرفى بأكثر من 60 مليار جنيه طبقا لآخر احصائيات خلال الفترة التى توليت فيها حقيبة المالية ويستطرد الببلاوى مشيرا إلى ان وضع هيئة البترول ليس فريدا فهذا هو حال الكثير من الهيئات فبنك الاستثمار القومى دائن لمعظم قطاعات الانتاج من الكهرباء إلى السكك الحديدية إلى الرى وهو لايستطيع ان يستوفى حقوقه منها، ولكن بنك الاستثمار القومى مدين فى الوقت نفسه لهيئة التأمينات والمعاشات وهيئة البريد فهو يدفع لها فوائد هذه الديون ولكن يؤجل سداد أصل الدين، وهكذا فإن هناك غابة من العلاقات المالية المتشابكة البالغة التعقيد بين الهيئات الحكومية التى تحول الاوضاع الحالية للبلاد إلى حالة من الفوضى العارمة ومن هنا ثارت قضية أموال التأمينات والمعاشات التى هى فى الحقيقة ضحية لهذه الفوضى المالية فهذه الاموال تبدد ولم تسرق ولكنها استثمرت فى قطاعات مهمة للاقتصاد، ولكن هذه القطاعات لاتحقق دخلا يمكن أن يسدد هذه الديون.
ويؤكد الببلاوى أن مشكلة الديون المتشابكة أدت إلى ارتباك عام فى الأوضاع المالية للحكومة وهيئاتها العامة والاقتصادية وهى مشكلة لايمكن حلها بين يوم وليلة وتحتاج إلى احجام هائلة من السيولة لوضع حد لها. مشيرا إلى أن الحجم الحقيقى للدين العام ربما يكون أكبر مما هو معلن نتيجة للتداخلات المالية بين الهيئات الحكومية والاقتصادية والتى تتضمن مديونيات متشابكة بعضها غير قابل للسداد على الرغم من انه قد تكون للاصول المحولة بهذه المديونيات قيمة اقتصادية فى ذاتها.
ويرتبط بهذه التشابكات المالية الصناديق الخاصة، وتخصيص موارد محددة لبعض الاغراض بعيدا عن وزارة المالية والموازنة العامة، وهذا ضد مبدأ عمومية وحدة الموازنة وقد طالبت مراراً منذ سنوات بضرورة العودة إلى المبادئ المستقرة فى المالية العامة وإلغاء أو تضييق الصناديق الخاصة ومنع أى تخصيص لموارد مالية من رسوم أو ضرائب محددة بعيدا عن الموازنة.