مرة
أخري خفضت مؤسسة' موديز' للإستثمارات العالمية تصنيف مصر الإئتماني بسبب تزايد
المخاطر السياسية, وهذا التصنيف الذي إنخفض سبع درجات عن مرتبة الإستثمار بمثابة
رسالة للمستثمرين أن استثماراتهم في مصر محفوفة بالمخاطر.
ومن قبل حصلت مصر علي رقم دولي جديد لتكون
الدولة الأخيرة بين140 دولة من حيث الأمن. كل هذا يعني أن الدولة المصرية عليها
عبء تدبير الإستثمارات اللازمة للمرحلة المقبلة بمفردها أو بالتعاون مع القطاع
الخاص الوطني. وفي ذات الوقت لم تعدم الدولة وسيلة في بث رسائل القلق والذعر لدي
المستثمر المحلي تارة برفع الدعم عن الطاقة كلية, وتارة أخري بالضرائب التصاعدية, وتارة
ثالثة بالمنع من التصرف في الأموال أو بالمنع من السفر. والغريب أن يتضمن الأمر
مستثمرين عرب عاشوا عمرهم بأكمله في مصر يستثمرون بها ويفتحون بيوتا وأرزاقا للناس.
نحن الأن في مفترق طرق, وما بقي من إحتياطي من النقد الأجنبي علي المحك, ومن ثم
فإن علي الدولة والحكومة سرعة إتخاذ التدابير اللازمة لإستعادة الثقة وبث حالة من
الطمأنة لدي جموع المستثمرين, إضافة لتعزيز جهود وزارة الداخلية لضبط الأمن
الداخلي وتأمين المصانع التي تتعرض اليوم لفرض إتاوات من البلطجية, او تزيد
التكلفة لديها بسبب إعتمادها علي الحراسة الخاصة التي ترهق ميزانيات الشركات في
حين أنهم يدفعون الضرائب ليحصلوا علي خدمات المنفعة العامة وفي مقدمتها' الأمن'. مما
لا شك فيه أن ثورة الخامس والعشرين من يناير تستهدف في الأساس تحقيق المزيد من
الرفاهية للمواطن المصري, وإتاحة فرص العمل للشباب, وتوزيع ثمار الإصلاح في عدالة
تامة, ولكن حالة الكر والفر بين التيارات السياسية علي المسرح السياسي تعوق قدرة
الحكومة علي إتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة الموقف الراهن.
إذا
أضفنا لذلك أن حالة الضعف الداخلي دعوة للأخرين للإنقضاض علي المصالح المصرية, فنحن
نخسر الكثير ولا عجب من إنضمام جوبا للإتفاقية الإطارية لحوض نهر النيل, ولا عجب
في توجه إثيوبيا لإقامة أربعة سدود علي النهر, طالما أن الدولة المصرية منشغلة بفض
حالة الإشتباك في الداخل.
الفكرة
السائدة في محاربة جماعة الإخوان يجب أن تنتهي فنحن جميعا علي متن قارب واحد, ولا
أدري ما هو الجدل العميق حول أن الجماعة محظورة أو غير محظورة, فالواقع يشير إلي
أن قيادة مصر من هذا التيار, وعلينا أن نحترم ذلك, ولكن في ذات الوقت يجب أن تدرك
جماعة الإخوان أن إستمرار حالة العنف والعنف المضاد, وحالة القلق السياسي, وحالة
التردي الإقتصادي أرهقت أول ما أرهقت المواطن البسيط الذي سعت الجماعة بكل السبل
قبل الثورة وعلي مدي سنوات طويلة في إحتواءه والوصول إليه, واليوم هذه الذخيرة المؤيدة
للتيار الإسلامي خرج منها الكثيرون بسبب عدم إتخاذ إجراءات فعلية علي أرض الواقع
لإصلاح الأحوال الإقتصادية, ويكفي أن طابور البطالة زاد بواقع مليون ونصف المليون
عاطل بعد الثورة. وإذا كان النظام السابق إتخذ كافة التدابير لمنع إندلاع ثورة
جياع, غير مدرك أن الثورة سيقودها المثقفون وأبناء الطبقة المتوسطة, فإن علي
الإدارة الحاكمة في البلاد معرفة أن ثورة الجياع يمكن أن تتحقق إذا ما إستمر الحال
علي ما هو عليه. المطلوب وقف الحرب ضد القطاع الخاص وفورا, فرجال الأعمال لا
يصنفون سياسيا ولا يحسبون علي تيار أو حزب ولكن محركهم الأول هو نشاطهم الإستثماري
والتنموي وبالتالي فهم ليسوا خصوما سياسيين ولكن شركاء في التنمية لا يجب أن
نخسرهم. الأمر الثاني وقف كافة التشريعات المقيدة لحرية حركة رؤوس الاموال, التعامل
الحذر في موضوعات الضرائب بما لا يغل يد المستثمرين أو يرهبهم أو يزيد التكلفة
عليهم في الوقت الراهن الذي نعاني فيه من الوضع السياسي العام المضطرب. يجب حماية
دخل المواطن, وعدم تطبيق أية قرارات أو قوانين بأثر رجعي وخاصة للعاملين في
الحكومة وما يتعلق مؤخرا بفكرة الحد الأقصي للدخل لكبار الموظفين في الدولة. يجب
أن نتسامح, ونرفع راية التسامح مع الجميع وخاصة الكفاءات التي بدأت تهرب للخارج
فهذه الكفاءات هي التي ستشارك في عملية إعادة البناء.
الإقتصاد
المصري قواعده قوية, ولدينا بنية أساسية جاهزة تم بناءها بمثات المليارات ولن
نحتاج لإعادة بناء وتكلفة جديدة بل نحتاج لتفعيل هذه البنية وفتح الطريق
للإستثمارات الجديدة بكل الطرق. نحتاج لبث روح الأمل والتفاؤل, نحتاج من الطرف
الأخر المعارض أن يفتح الطريق للحوار الوطني المخلص, نحتاج من جماعة الإخوان
إحتواء الجميع, فلن يصل أحد لهدفه إذا ما تحولنا إلي فرق نعادي بعضنا البعض. لازلت
أذكر كلمة لخيرت الشاطر القيادي بجماعة الإخوان بعد الثورة وقبل الإنتخابات
الرئاسية في أحد الندوات, ووضعتها عنوانا للندوة' الشاطر يطلب فرصة' حيث وعد مصر
بالإزدهار والنماء فقط إذا ما أعطي المجتمع المصري للتيار الإسلامي الفرصة. والأن
حصل التيار الإسلامي علي أكبر فرصة, ولا يجب أن يهدرها في تعقب الماضي, فنحن في
مرحلة جديدة من عمر الوطن, نحتاج أن نعبر جميعا هذا الجسر الضعيف الذي يوصلنا
للمستقبل, وإذا إنهار جسر التوافق, فلا غالب ولا مغلوب. عام2013 عاما مفصليا
بالنسبة للإقتصاد المصري, وما بقي في' الحصالة' لن يكفينا للأبد. التسامح والحوار
أول الطريق, فلنبدأ وكلنا أمل في أن ينجح التيار الإسلامي ففي النهاية كلنا مصريون,
والنجاح سيكون للجميع, والفشل سيكون للجميع أيضا.