إن نمط الأسئلة التي يتعلم الطفل أن يطرحها، ويجيب عنها هو أمر له أهميته وله أثره، فنحن عادة ما نطلب أن يكون الطفل أديبا وهادئاً، ومطيعاً لنا، إذا ما حاول أن يطرح مشكلة واجهها في المدرسة أو تعرض لها خارجها، وبخاصة إذا كان سيتحدث عن ذلك أمام نفر من الناس أو حاول أن يطرح سؤالا على رجل كبير السن، وقد لا يقرّ المعلم أن مثل هذا التصرف والسلوك هو أمر مقبول ويبعث على الرضا إذا حدث ذلك داخل البيت والأسرة.

ويواجه الأطفال صعوبة وأنهم في مأزق في المدرسة إذا لم يعتادوا الإجابة عن أسئلة يطرحها عليهم الراشدون وكبار السن، وبخاصة إذا اعتقدوا وبشكل مسبق أن هذا الشخص الذي طرح عليه السؤال هو معلم، يعرف الإجابة ويعترف بها.

وكثيرا ما يقوم الأبناء الذين يألفوا أنماط الأسئلة التي تطرح على الطلبة في المدرسة بطرح أسئلتهم عن أشياء يجهلونها ولا يعرفونها، ويريدون أن يتزودوا من الطفل بمعلومات قريبة من تلك التي يطرحها المعلمون على طلبتهم في المدرسة مثل: ماذا تعمل هذه البنت التي تراها في الصورة؟ وقد تكون لذلك إجابة حاذقة تدل على ذكاء ملحوظ، مثل: لماذا تسألني، ألا ترى ذلك بنفسك.

إن الأسئلة التي تبدأ بكلمة من الكلمات التالية (متى، أين، كيف، لماذا، من)، تتطلب الإجابة عنها تفكيراً بارعاً في التحليل، والتركيب.

إن المهارات اللغوية وحدها لا توحي بنجاح مؤكد في المدرسة أو تفوق في الإنجاز المدرسي وانما وحتى يكون لها أهمية أكبر وأوسع كلما تقدم الطالب في السن، يجب أن يشفعها نمو وتطور في الفهم والإستيعاب لجمل أكثر تعقيداً وأكثر تركيبا أو تلك التي تتطلب الإجابة عنها ثروة لغوية أوسع، وقدرة على الربط والتسلسل والإستنتاج.

وقد يستخدم المعلمون مثل هذا الطراز من الأسئلة لمعرفة ما عند الطالب من مواهب وقدرات أو يستدلون بوساطتها على ذوي المستوى المتدني في التفكير والإنجاز.

إن اللغة وكما يقول (Dr. Jerome Bruner)، هي احدى الوسائل الشائعة التي يستخدمها المتعلم ليمسك بها زمام الأمور في عملية التعليم دون أن يجعل عملية التعلم نفسها هي الضابط والمسيطر على اللغة.

إن الكثير من الآباء يعتقدون وبشكل مغلوط أن الهدف من قراءتهم لأطفالهم هو تعليمهم القراءة أكثر من أن نجعلهم يعرفون حقيقة ما يقرأون.

إن الهدف من قراءاتهم لأطفالهم وعلى مسمع منهم أن نجعلهم كيف يحبون لغتهم، وكيف سيتعلمونها هي، فضلاً عن تذوقهم لهذه اللغة وتقديرهم لها وما نقرؤه لهم من قصص من الكتب تهدف كذلك إلى تعليمهم القدرة على توظيفها في مواقفنا الحياتية المختلفة، بشكل توحي أصواتهم لها بما عندهم من شعور وأحاسيس، ومن عواطف داخلية وتعلمهم كذلك كيف ينقلون مثل هذه المشاعر والأحاسيس إلى المستمعين ليشاركوهم فيها عن طريق السماع وما توحي لهم به هذه الأصوات من مشاعر داخلية.

إننا إذا هدفنا أن يتّحلق أطفال الروضة في المدرسة حول مقاعدهم ليرسموا الحروف والكلمات التي أمامهم، نكون بذلك قد عملنا على أعدادهم إعداداً سيئاً وضعيفاً لمستوى أعلى من التفكير.

وكلما كنا نعرف ونفهم كيف تعمل العقول، كلما ازدادت معرفتنا وبشكل أفضل كيف نثقف الطفل وكيف نعلمه، لا مجرد كلمات ورموز مجردة، وإنما تفعيل عقله وتقوية قدرته على التفكير، وقدرته على التذوق والإحساس وكيف يستمتع بما يقرأ، ويؤثر في سامعيه عن طريق التأثر والتأثير وتسرب المشاعر والأحاسيس وليس عن طريق القواعد والقوانين، أو إصدار التعليمات والإرشادات.

وإذا كان هناك من مشاكل في تعليم الأطفال فعلينا أن نعمل بجدٍ على تغيير الأسلوب الذي نعلمهم به، وبخاصة في السنوات الأولى من طفولتهم فليس المهم ما الذي نعلمه لهم فحسب وإنما كيف نعلمهم والأسلوب الذي نعلمهم به بحيث يكون له الأولوية في تعليمنا وبشكل يتناسب مع مستوى النضج الذي بلغوه أولاً وأن يكون هذا الأسلوب الحافز لهم على الإهتمام بما نعلمهم فيثير إهتمامهم، ويحفزهم على التفكير ويدفعهم إلى الإستزادة من المعرفة وسعة الإطلاع.

إن الكثيرين من أصحاب الخبرة والتجربة يرون أن القدرة على حل المشكلة والإقبال على التعلم وأعمال التفكير يعود إلى البيئة والجو العام المادي والمعنوي الذي يحيط بالطفل ويعيش فيه سواء أكان ذلك داخل البيت والمدرسة أم خارجهما، ومدى ما يتوافر في هذه البيئة من شحذ للهمم وإثارة للإنتباه والإهتمام والحفز على تفعيل ما عنده من مواهب وقدرات والعمل على تنميتها وتطويرها بإهتمام ذاتي ودافع داخلي نابع عن رغبة ذاتية تشبع ما عنده من ميول وتلبي ما لديه من إهتمامات وليس بدافع الإكراه والإجبار.

ومن الواضح أن البيئة الإنسانية هي أكثر تعقيدا من بيئة الحيوان، وأن أثرها على من بها من الناس ابعد من تلك التي تتركها بيئة الحيوان عليه، من خلال ما يجري من دراست حول هذا لموضوع وأثره على رفع مستوى الذكاء وتفعليه، تبين أن الطبيعة هي عامل قوي وحاسم في تنمية الذكاء ورفع مستواه كما أن للتنشئة التي ينشأ عليها الطفل ونوع التربية التي يتلقاها لها أثارها ونتائجها عليه وما يطرأ على أسلوب التفكير عنده وطريقة إستعماله لعقله من تغيرات وتوحيد أسس الذكاء المختلفة وأنواعه المتعددة وما يبدو عليه من مظاهر معينة، وما عنده من مزاج وحساسية وفي قدرته على التكيف الإجتماعي علماً بأن مستوى الذكاء ليس هو المقياس الوحيد والمحك الصحيح أو الدليل القاطع على نجاح الطفل في حياته العامة، عندما يدخل مرحلة النضج والبلوغ.

إن علينا نحن الكبار- أن نعدّ للأطفال خبرات وتجارب عديدة ومتنوعة وواسعة لأعمال العقل وتفعيله، ومن شأنها أن تعمل على تطوير العقل وتنميته، وعلينا في ذلك أن نسير مع الطالب على نظام صارم وحازم مع منحه قسطاً من الحرية والإختيار يجد في إستخدامها تركيزا لذاته، وبناء شخصيته.

فالأطفال لا يختارون دائماً الأصلح لهم والأنسب فيما يقراونه ويزاولونه من أنشطة وقد لا تتوافر لهم القدرة على معرفة ما قد يعود عليهم من نفع أو يعود عليهم من ضرر جراء ذلك كما أن الطفل الرضيع بحاجة إلى ممارسة العديد من التجارب الحسية مع التغذية الصالحة والمناسبة، وهم كذلك بحاجة إلى قسط من الحرية لإستكشاف الطبيعة من حولهم وممارسة بعض التجارب ممارسة ذاتية وعملية.

إن إقامة العلاقات الشخصية والإتصالات مع الكبار أمر على غاية من الأهمية. ولذا حين يكبر الأطفال ويقدرون على السير والتجوال ويقتربون من السن التي تسمح لهم للإلتحاق بالروضة يحتاجون في برامجهم إلى ممارسة حل مشاكلهم مهما كانت بسيطة وبغض النظر عن أنواعها أو أسبابها ومسبباتها، كما يحتاجون عندها إلى تنمية ما عندهم من قدرة على الإنتباه، ومن مهارة على الاصغاء، وتنمية قدرتهم على الحديث الشفوي والنطق بالكلمات بشكل صحيح وواضح عن طريق الممارسة العملية، والسير على منهج آبائهم وأفراد عائلتهم في ذلك عن طريق القدوة الحسنة، والتقليد الحسن، وليس عن طريق التعلّم والتعليم وكذلك علينا أن نشجعهم على التعبير عما يرونه ويشاهدونه بشكل محسوس أو بشكل غير محسوس كالصور والرسوم وكذلك وصف مشاهد لمختلف الأدوات المتنوعة التي تستعمل في البيت والروضة وما يشاهدونه في الحدائق العامة والأسواق والشوارع كما يتحدثون لنا عن طرق إستخدامها ومتى تستخدم أو نمتنع عن إستخدامها وما المحاذير التي يجب أن نبتعد عنها أثناء ذلك، وكذلك الحديث أو الحوار في متطلباتهم العاطفية وحاجاتهم الإجتماعية وما يقومون به من تدريب ويكتسبونه من خبرات مع بيئتهم الطبيعية، وما قد يقومون به من أعمال يدوية أو رقص أو موسيقى أو فن.

وعلينا في مرحلة ما قبل المدرسة أن نشاركهم الجلوس على الأرض أو الكراسي مصطحبين معهم بعض الكتب المصورة، ودفاتر للرسم، وأن نحاول ممارسة ذلك عن طريق اللعب وأن نعلمهم القراءة بأعمال حسابية بسيطة في الرياضيات، ومع أن مثل هذه البرامج نراها تتنامى بشكل متزايد في برامج الطفولة المبكرة، فلا غرابة إذا بوادر التحسن لم تظهر على البعض منهم. أما الأنشطة التي تقوم على فهم اللغة واستيعابها، والمحاكمة المنطقية والعقلية وخلق بوادر إيجابية تجاه التعلم والاقبال عليه وممارسة التعبير والحديث الشفوي فسيكون لها عند الأطفال آثار حسنة وإيجابية بعيدة المدى.