fiogf49gjkf0d
استغلت البنوك الوضع الحرج الذى تمر به المالية العامة، من خلال رفع سعر الفائدة بشكل مبالغ فيه على أذون وسندات الخزانة الحكومية التى تطرحها وزارة المالية أسبوعياً مقاربة نسبة الـ3.75%، وهو ما اعتبره الخبراء مؤشراً خطيراً تجاه الوضع فى المستقبل، فى ظل اعتماد الحكومة على تمويل الجزء الأكبر من العجز من خلال الاقتراض الداخلى من البنوك.

وحذر محللون من خطورة اعتماد الحكومة الحالية فى تمويل عجز الموازنة على طرح أذون خزانة قصيرة الأجل، وقصرها على المتعاملين الرئيسيين المحليين فقط خصوصاً البنوك، التى (البنوك) بدأت فى رفع سقف الفائدة التى يطلونها حتى تخطت 3.75% وهى فائدة عالية جدا سوف تجعل البنوك تحجم عن تمويل الشركات ومنح القروض، اعتماداً على أنها تحصل على فوائد عالية من أذون الخزانة، وهو ما سيصيب الاقتصاد بكارثة خصوصا مع توقف الشركات عن العمل أو استكمال نشاطاتها بسبب توقف التمويل.

تعنت البنوك فى طلب فائدة كبيرة للأذون تسبب فى قيام البنك المركزى بإلغاء مزاد للسندات خلال الأسبوع الماضى إلا أنه عاد وقبل طلب البنوك رفع الفائدة تحت ضغط الأزمة المالية التى تمر بها البلاد وحاجة الحكومة للتمويل، وهو ما اضطر نائب رئيس الوزراء ووزير المالية حازم الببلاوى إلى اللجوء للدول العربية لإقناعها بشراء أذون وسندات الخزانة المصرية حتى لا يعتمد فقط على البنوك المصرية، عندما قال مؤخرا "إن الحكومات العربية أو أذرعها الاستثمارية قد تشترى أذون الخزانة المصرية لمساعدة الحكومة على تقليص الفوائد المرتفعة على تلك الأذون والتى قفزت لأعلى مستوياتها منذ 2008"، ونقل موقع بلومبرج الإخبارى عن الببلاوى - فى مقابلة معه بواشنطن قوله "إن مصر تجرى محادثات مع السعودية والإمارات العربية المتحدة لشراء الأدوات المالية من أذون خزانة وصكوك وسندات"، وأضاف: "هذا الأمر قد يتحقق فى أى وقت ولكننا لم ننته بعد من الاتفاق، كما أننا نشعر فعليا بالقلق من ارتفاع أسعار الفائدة".

صلاح حيدر - محلل فني- قال إن الوضع الحالى لسوق الدين بعد تصاعد العائد على أذون الخزانة يؤثر سلبيا على قدرة البورصة على اجتذاب استثمارات جديدة خاصة من جانب البنوك، كما أنه يؤثر سلبا على قدرة الشركات على زيادة حجم الطروحات من السندات خاصة وأن العائد الحالى لأذون الخزانة يلزم الشركات بأن تصل بمعدل العائد على أى طرح على ما يزيد على 15% وهو معدل مرتفع جدا.

وأضاف حيدر أن الفترة الحالية شهدت غيابا للاستثمار المؤسسى فى سوق المال المصرى نتيجة هذا التصاعد غير المحسوب فى العائد على الأذون وهو ما يستلزم ضرورة الإسراع بإيجاد موارد جديدة للدولة لتمويل الموازنة، موضحا أن طرح شرائح جديدة لشركات قوية حكومية فى البورصة قد يكون إحدى هذه البدائل.

أما محسن عادل نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار فقال إن عائدات أذون الخزانة المصرية سجلت مستويات مرتفعة لم تشهد البلاد مثلها منذ عام 2008 فى خضم الأزمة المالية العالمية، مشيرا إلى أنها قد تواصل الارتفاع ما لم تتمكن الحكومة من الحصول على تمويل خارجى لتغطية عجز الميزانية أو رفع حجم الطلب على أذون الخزانة بما يمكنها من خفض أسعار الفائدة عليها.

وكشف عادل عن أنه فى 2008 تراجعت العائدات سريعا لكن فى الوقت الحالى لا يوجد ما يشير إلى ذلك حتى الآن وهو ما يستدعى إعادة صياغة سوق الدين المحلى وزيادة عدد أدواته مع تنشيط سوق السندات فى البورصة المصرية فى ظل أحجام البنوك عن الدخول فى التزام طويل الأجل فى ظل ارتفاع العائدات وسط تراجع نسبى لاهتمام المستثمرين الأجانب بأدوات الدين المصرية.

وانخفضت احتياطيات النقد الأجنبى بواقع 11 مليار دولار منذ ديسمبر لتصل إلى 25.01 مليار دولار فى أغسطس ورغم تباطؤ وتيرة التراجع استمرت الاحتياطيات فى الانخفاض.

وقال نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، إن الدولة لا يمكنها الاعتماد على التمويل من البنوك المحلية فقط كما يحدث الآن، منوها إلى أن البنوك المصرية تشعر بالضغط وتطلب عائدات مرتفعة فى مزادات أدوات الدين وأحيانا ما تطلب عائدات أعلى من أن يقبلها البنك المركزى، إلا أنه أكد أن السوق المحلية قادرة على تمويل العجز ولكن الضغوط على البنوك المحلية تتزايد.

ورغم ذلك عبر عادل عن تفائلة ببعض التغييرات فى السياسة الاقتصادية التى تعتزم الحكومة المصرية تنفيذها من بينها إصلاح نظام الدعم، مضيفاً أن التوترات فى سوق الدين ترتبط بالغموض السياسى ولن تستقر ما لم تكن هناك رؤية واضحة عما ستكون مصر عليه، مؤكداً على قدرة الاقتصاد المصرى على التعافى من الظروف الطارئة التى تؤثر سلبا على أدائه، وبأن مؤشرات الأداء للاقتصاد المصرى ستتجه إلى التحسن.

وقد توقع تقرير حديث لمؤسسة بيزنس مونيتور الدولية عدم استقرار عملية سداد الدين المحلى لمصر خلال الفترة القادمة بسبب اتجاه الوزارة لطرح المزيد من أذون الخزانة المحلية، والابتعاد عن اللجوء للسندات الدولية، ورفض عرض صندوق النقد لإقراض مصر 3 مليار دولار.

وقالت الدكتورة ماجدة قنديل المدير التنفيذى للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، أن البنوك تستغل الموقف المالى الحالى الذى يتطلب تمويل العجز من خلال الاقتراض الداخلي، لصعوبة الاتجاه للاقتراض الخارجى الذى يشكل خطورة على سعر صرف الجنيه المصرى.

وتوقعت قنديل، أن ترتفع أسعار الفائدة على أذون وسندات الخزانة خلال الفترة المقبلة، خاصة وأنه حتى الآن تعد هذه هى الوسيلة المتاحة فعليا لسد عجز الموازنة، فى ظل الرفض السياسى للمجلس العسكرى للاقتراض من الخارج.

وأشارت قنديل إلى أن العرض الذى تم الاتفاق عليه بين وزير المالية السابق الدكتور سمير رضوان وصندوق النقد الدولى لإقراض مصر 3 مليار دولار، كان مناسبا خاصة وأن سعر الفائدة لا يتعدى 1.5%، إلا أن الرفض السياسى للاقتراض الخارجى يحول دون إمكانية إيجاد بدائل أخرى لتمويل عجز الموازنة العامة، فى الوقت الذى يتراجع فيه موارد النقد الأجنبى والاحتياطى النقدى.

من جانبه، قال الدكتور عبد المنعم لطفى خبير اقتصاديات المالية العامة والباحث بمكتب وزير المالية، أن البنوك تستغل الموقف الحرج للحكومة، والتى ليس أمامها بديل سوى الاقتراض عبر طرح أذون وسندات الخزانة.

وأكد لطفى أن الحل الوحيد أمام الحكومة فى ظل رفض الاقتراض الخارجى، هو البحث عن تحسين كفاءة النظامن الضريبى لزيادة الحصيلة، وترشيد الإنفاق العام، لافتاً إلى أن وزارة المالية مضطرة فى الوقت الحالى لقبول أسعار الفائدة المرتفعة من البنوك لتمويل عجز الموازنة البالغ 134 مليار جنيه خلال العام المالى الحالى.

وأشار لطفى إلى أن استمرار مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص فى الحصول على تمويل البنوك سيكون له آثار سيئة للغاية، فى ظل تفضيل البنوك تمويل عجز الموازنة بأسعار فائدة مرتفعة ودون مخاطرة، على أن تقرض القطاع الخاص بنفس أسعار الفائدة ولكن بمخاطرة مرتفعة.

وتوقع الخبير المالى أن ترتفع أسعار الفائدة بشكل أكبر فى ظل استمرار تدهور الوضع المالي، مما سيؤثر بشكل كبير على تفاقم حجم الدين الداخلى للحكومة، موضحا أن الحل يمكن فى التعجيل بإجراء الانتخابات الرئاسية حتى يستقر الوضع السياسى والاقتصادى.

الدكتورة سلوى العنترى مدير عام قطاع البحوث فى البنك الأهلى سابقاً، أكدت أن رفع سعر الفائدة على إقراض الحكومة هو وضع طبيعى نتيجة زيادة الطلب على الاقتراض.

وأشارت العنترى إلى أن وزارة المالية مضطرة لقبول عرض البنوك، على اعتبار أن عملية طرح أذون وسندات الخزانة تخضع لطبيعة اقتصاد السوق، وعندما يزداد الطلب من وزارة المالية، من الطبيعى أن ترتفع أسعار الفائدة.