يبدو أن خطط وبرامج التحفيز الاقتصادي التي اتبعتها العديد من حكومات العالم بتكلفة تجاوزت التريليون دولار بدأت آثارها تتخطي المراحل الصعبة من الأزمة العالمية.
وفي تطور آخر قد يعكس بدء تفاعل الاقتصاد المصري بمؤشرات ايجابية مع بوادر انتعاش الاقتصاد العالمي وخطط التحفيز المالي الذي اعتمدته الحكومة المصرية جاءت التوقعات الايجابية للاقتصاد المصري خلال عام2010 خاصة فيما يتعلق بمؤشرات النمو والأداء الاقتصادي والتشغيل والاستثمارات الأجنبية المباشرة.
يأتي ذلك علي خلفية تصاعد معدلات النمو بشكل جيد خلال العام المالي2010/2009 حيث رفع توقعات التقديرات الحكومية في معدلات النمو في الاقتصاد الكلي المقرر تحقيقه في العام الجديد ليتجاوز5%.
لقد لعبت الاستثمارات الحكومية دورا اضافيا ومحوريا في دعم قدرات النمو الاقتصادي فضلا عن الاستهلاك النهائي بشقيه الحكومي والخاص فقد حافظ علي قوة الدفع للاقتصاد المصري بنسبة87% من الناتج المحلي الاجمالي. ومن ضمن عوامل التفاؤل عشرة مليارات جنيه ستبدأ الحكومة في ضخها وهو ما يمثل حوالي ثلثي ما تم انفاقه من خطط التحفيز مما سيسهم في زيادة معدلات التشغيل والنمو.
وهو ما يتفق معه الدكتور طارق مرسي استاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة معتمدا علي توقعاته بان الحكومة مهيأة حاليا لاتاحة المزيد من فرص العمل في السوق المصرية وليست بالضرورة الدائمة المؤقتة ـ أي أنها تنتهي مع الانتهاء من المشروعات في اطار خطط التحفيز ـ إلا أنه من المفترض ان تؤدي إلي اتاحة من400 إلي450 ألف فرصة عمل جديدة مما سينعكس علي زيادة الطلب المحلي وتنشيط الأسواق وهو ما يعني في نفس الوقت ضرورة توجيه الانفاق في المجالات الأكثر تشغيلا و الاسراع في انفاق الاعتمادات الاضافية.
ويتوقع أن يشهد النمو الاقتصادي تحسنا ملحوظا خلال عام2010 إلا أنه لن ينعكس علي الفور في خفض معدلات البطالة.
وعلي الجانب الآخر تأتي التوقعات المتفائلة من قبل المراقبين بانخفاض معدل البطالة إلي9.3% في2010 ثم إلي8.5% في2011 في حين قد بلغ معدل البطالة9.37% في الربع الثالث من عام2009 مقابل9.04% في ذات الفترة من عام.2008 ووفقا لما يتوقعه د. طارق مرسي فان معدل نمو الدخل القومي سيسجل ارتفاعا يتراوح بين1% و1.5% خلال عام2010 معتقدا أن معدلات التضخم ستبقي في الحدود الحالية وبالتالي من المرجح ان يظل تهديد ارتفاع معدلات التضخم محدودا ما لم يحدث تأثيرات كبيرة من جراء أزمة ديون دبي.
أما الدكتورة أمنية حلمي أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد جامعة القاهرة فتتوقع ان يصل معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي إلي3.5% عام2010 مسجلا بذلك نموا محدودا وبطيئا نسبيا مقارنة بمعدل النمو المحقق خلال الربع الأول من عام2010/2009 البالغ4.9% وذلك بعدما سجل نموا بلغ4,2% في العام المالي2009/2008 وان كانت هذه المعدلات أقل من المعدلات السابقة خلال العامين السابقين للأزمة العالمية والذي بلغ7.2% إلا أن د. أمنية حلمي تعتبره إنجازا حميدا ومن المؤشرات الايجابية للاقتصاد المصري إذ يعد من أقل الاقتصادات تأثرا بالأزمة مقارنة بدول أخري وأيضا في ظل الركود الذي خيم علي الاقتصاد العالمي.
وتقول انه يبدو أن انعكاسات الأزمة ستظل واضحة بالنسبة لأداء قطاع قناة السويس والخدمات السياحية تأثرا بتراجع التجارة العالمية والتباطؤ الاقتصادي.
وبالرجوع إلي بيانات وزارة التنمية الاقتصادية فقد حقق قطاع قناة السويس نمو سالبا بنسبة19% في الربع الأول من عام2010/2009 كما تراجع معدل نمو قطاع السياحة إلي أقل من النصف من11.5% إلي5.4%.
بينما تأتي التوقعات أكثر تفاؤلا بالنسبة لتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال2010 حيث توقعت د. أمنية حلمي زيادتها خاصة الاستثمارات العربية التي دعمتها مؤشرات تقييم الأداء الاقتصادي التي تحركت بشكل ايجابي في اتجاه التعافي من الأزمة العالمية مسجلة ارتفاعا لأول مرة بمقدار5 نقاط مئوية في الفترة من يوليو/ سبتمبر.2009
وبالنسبة لحركة التجارة الخارجية تصديرا واستيرادا تشير التوقعات إلي تراجع الصادرات بسبب تباطؤ الطلب في السوق العالمية فقد سجلت الصادرات المصرية تراجعا بلغ33% سنويا في يوليو.2009 أما عن الواردات من السلع والخدمات فتفيد التوقعات استمرارها في الانخفاض وبنفس النسب المحققة في عام2009 حيث سجلت تراجعا بلغ14.2% في يوليو من نفس العام.
وقد يسجل سعر صرف اليورو ارتفاعا ملحوظا أمام الجنيه المصري في عام2010 مع استقراره أمام الدولار الأمريكي وترجح د. أمنية أن يؤثر ذلك علي ارتفاع تكلفة الواردات من دول الاتحاد الأوروبي التي تعد الشريك التجاري الأول لمصر وقد يؤدي ذلك الي تحفيز صادراتنا لتلك الدول إلا أن الأمر يتوقف علي الطلب في الدول الأوروبية.
وعلي صعيد تحويلات العاملين في الخارج فإنها تعتبر مصدرا مهما من مصادر الدخل القومي في جميع دول العالم خاصة الدول النامية كما تمثل أداة لاعادة توزيع الدخل بين الدول ذات الدخل المرتفع والمتوسط والمنخفض بالاضافة إلي مساهمتها بشكل كبير في تحقيق التنمية الاقتصادية وتخفيض معدلات الفقر. فقد بلغت تحويلات العاملين في الدول النامية74.5% من إجمالي التحويلات في العالم عام.2006 ومن ناحية أخري بلغت اجمالي تحويلات المصريين في الخارج حوالي6.3 مليار دولار عام2007/2006 مقابل3 مليارات دولار عام1992/1991, كما بلغت نسبة مساهمة التحويلات في الناتج القومي الاجمالي2007/2006 حوالي4.7% مقابل6.7% عام92/91.
ووفقا للبيانات الرسمية سجلت التحويلات تراجعا خلال الربع الثالث من العام المالي2009/2008 بنسبة15% مقارنة بالربع المناظر من العام السابق هذا فضلا عن ما توقعه الكثيرون من الخبراء من قدوم الموجه الثانية من الأزمة المالية وبأن الأمر قد يحتاج إلي وقت طويل لكي يستعيد الاقتصاد العالمي الثقة مرة أخري. في هذا النطاق تشير التوقعات بأن يشهد عام2010 انخفاضا ملحوظا في تحويلات المصريين العاملين في الخارج باعتبارها من أكثر الآليات الاقتصادية والاجتماعية تأثرا بالأزمة العالمية وأزمة ديون دبي.
ومن ناحية أخري تشير د. أمنية حلمي إلي أن الانفاق الحكومي المتمثل في خطط التحفيز سيكون أحدي الركائز الأساسية لتنشيط ونمو الاقتصاد المصري عام2010 ومن المتوقع أن يبلغ الانفاق علي البنية التحتية زيادة تصل إلي1% من الناتج القومي الاجمالي.