fiogf49gjkf0d
بين الاهمال واللامبالاة يعيش مرضي المستشفيات العامة يتسولون العلاج ويعاملون معاملة العبيد.. ثورة 25 يناير لم تغير من وضعهم بل زاد وضع المرضي تأزماً بسبب الازمة المالية أصبحوا لا يجدون الادوية واصبحوا مطالبين باحضار مستلزمات علاجهم من قطن وشاش وسرنجات وأدوية ودم وغيره من الادوية المطلوبة علي نفقتهم الخاصة القادرون هربوا للمستشفيات الخاصة التي استنزفتهم مادياً وجعلت الديون تحاصرهم من كل جانب.. بل وأجبرت العديد منهم علي بيع أثاث منازلهم.
"الجمهورية" رصدت علي أرض الواقع اكذوبة العلاج علي نفقة الدولة وكشفت عن المعاملة غير الآدمية التي يتعرض لها المرضي في معظم المستشفيات سواء الحكومية أو الجامعية التابعة للتأمين الصحي.. وحتي المستشفيات التعليمية والمراكز المتخصصة لم تخل هي الأخري من الاهمال الصارخ.
في معهد الأورام بفم الخليج.. الصورة صارخة والاهمال والفوضي في كل مكان.. المرضي يفترشون الطرقات منهم من يتألم من شدة المرض ومنهم من يبكي بسبب طول الانتظار.. فالاعداد التي تتوافد غفيرة والطوابير في كل مكان وحجرات الكشف تؤكد أن مصر في حاجة إلي عشرات المعاهد المتخصصة في علاج الأورام.. وفوق كل هذا وذاك المشاجرات التي يفتعلها البلطجية بين الحين والآخر أمام الأبواب لسرقة ما تطوله أيديهم.
ومن بين المرضي سيدة في العقد الرابع من العمر اسمها بخيتة سلمان جلست تحت احدي الاشجار تنتظر زوجة اخيها التي حضرت من صعيد مصر للحصول علي جرعة كيماوي حيث تنتظر دورها في الجلسة منذ التاسعة صباحاً ونظراً لانشغال الاطباء باجتماع طاريء اضطرت للانتظار خاصة انها لا تملك من حطام الدنيا شيئا ولا تستطيع اجراء جلسة واحدة علي نفقتها حيث إن ثمنها يصل إلي ثلاثة آلاف جنيه في الخارج لذلك تضطر للحضور إلي القاهرة كل أسبوعين.
بخيتة تتمني أن يسرع وزير الصحة بانشاء مستشفيات متخصصة في الاورام بمحافظات الصعيد للتخفيف عن الاهالي الذين يتوافدون يومياً بالمئات.
ومن بني سويف جاء الطفل عمر حامد بصحبة والدته التي تركته يبكي في احد الطرقات وذهبت للبحث عن طبيب يمنحه حقنة مسكنة تخفف آلامه حيث حضر من قريته وظروفه الصحية سيئة للغاية لكن الحالة ازدادت سوءا داخل المعهد بسبب الاهمال الشديد الذي تعرض له.. فقررت والدته أن تعود به إلي بلدتها مرة أخري بعد فشلها في العلاج.
ولم تختلف حالة الطفلة تقي طارق 4 سنوات عن حالة الطفل عمر حامد حيث افترشت والدتها احدي الطرقات ووضعتها امامها تجلب لها الهواء بالطرحة التي ترتديها نظرا لحرارة الجو الشديدة وتألم الطفلة التي تعاني من سرطان في الغدد الليمفاوية وبعد ان ضاق بها الحال اضطرت لمغادرة المعهد ونفس المأساة تعرض لها الطفل محمد نصر سعد "عام ونصف العام" بعد اصابته بسرطان في الدم حيث تحضر والدته منذ ثلاثة أشهر للبحث عن سرير خال لانقاذ فلذة كبدها لكن دون جدوي مما يجعلها غير قادرة علي الانتظام في جرعات العلاج الكيماوي المحدد لها وتتمني ان يزور الدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء المعهد زيارة مفاجئة حتي يري الوضع علي الطبيعة.
ومن كفر الشيخ جاء الطفل أبانوب داود 10 سنوات برفقة والدته للعلاج من السرطان بعد الحصول علي قرار علاج علي نفقة الدولة باعجوبة أبانوب يأتي مرة كل أسبوعين للحصول علي جرعة الكيماوي لكنه يعاني الأمرين في سبيل الحصول عليها وتضطر والدته للعودة أكثر من مرة ليحصل صغيرها علي الجرعة.
ويطالب عبدالله ابراهيم المصاب بسرطان العظام باعادة النظر مرة أخري في المنظومة العلاجية في مصر حتي ينال المريض حقه في العلاج دون إهدار كرامته وان يراعي الاطباء ضميرهم المهني في تقديم خدمة حقيقية للمرضي وليس جذبهم إلي عياداتهم الخارجية مشيرا إلي ان معهد الأورام في حالة ملحة إلي تجهيزات طبية تضمن التعقيم الجيد والسليم لعدم نقل العدوي بين المصابين بالاضافة إلي الاهتمام بالنظافة العامة للاماكن المخصصة للانتظار وعنابر المرضي.
ولا يختلف الحال كثيرا داخل مستشفي قصر العيني عنه في معهد الأورام حيث يشهد قسم الاستقبال والطواريء توافد العشرات من سيارات الاسعاف التي تحمل المرضي والمصابين فينتظر كل منهم دوره في العرض علي النائب النوبتجي واحياناً يقضي المريض نحبه قبل ان يعرض علي المختص.
ومن بين الحالات رصدنا مريضا يزحف علي الأرض بعد أن فشلت زوجته في الحصول علي كرسي متحرك حيث جاء للكشف علي ساقه اثر تعرضه لحادث حيث يحتاج إلي جراحة عاجلة ومنذ أربعة أشهر يتم تأجيل اجراء الجراحة حتي ساءت حالته بشكل كبير.
بينما يلعن أحمد مصطفي فكرة العلاج علي نفقة الدولة والتي أذاقته من العذاب الواناً ولو كان يملك الأموال ما لجأ اليها لكنه يعول اسرة كبيرة ودخله محدود للغاية وقد أجري عدة عمليات لازالة ثلاث فقرات من الظهر بعد تعرضه للصعق الكهربائي اثناء عمله وقد فوجيء ان العظام خارج قرارات العلاج حيث باع أثاث منزله من أجل الجراحة الأولي ثم اتضح بعد ذلك احتياجه إلي جراحة أخري.
ويروي هيثم زيدان مأساته مع عدد من المستشفيات عقب تعرضه لحادث فيقول حضرت للمستشفي اثر انقلاب سيارتي علي الدائري واصبت بكسر في الذراع اليسري وكنت احتاج لمسامير وشرائح حيث تم نقلي بسيارة الاسعاف من الطريق الدائري للمستشفي ورغم الالم الشديد لم يتم اجراء الكشف علي في الطواريء رغم أنني كنت أنزف وأصرخ من شدة الألم فيحضر الطبيب وأوصي بجراحة عاجلة ولكن لا يوجد سرير ودوري بالعملية سيكون بعد شهرين نصحوني بالعلاج في مستشفي خاص وإجراء الجراحة فوراً فنقلتني نفس سيارة الاسعاف لمعهد ناصر وأجريت الجراحة.
وهو يؤكد العلاج علي نفقة الدولة مذلة ومهانة وعدم مبالاة بحياة المواطن البسيط ووهم كبير يعيشه الناس.
وتري هالة أحمد أن المشهد المألوف منذ سنوات في قطاع الصحة ان الاطباء الذين يعملون في المستشفيات الحكومية هم أنفسهم يعملون في المستشفيات الخاصة ولكن طرق العلاج تختلف والمعاملة والاهتمام بالمريض واحترامه موضحة ان العلاج المجاني وهم كبير وأغلب المترددين عليه يعلمون ذلك ولكن "ما باليد حيلة" نظراً لعدم وجود بديل. المأساة الكبري عندما يأتي الاستشاري في أي مستشفي حكومي ويقوم بتحويل المريض إلي عيادته الخاصة أو المستشفي الخاص الذي يعمل به بزعم خطورة الحالة والمزيد من الرعاية والاهتمام. وقتها علي المريض ان يبيع كل ما يملك من أجل رحلة العلاج التي لا يعرف أحد متي تنتهي.
الرحلة انتهت داخل مستشفي حلوان العام الصورة لم تختلف الاهمال في كل مكان والمعاملة السيئة هي عنوان المكان والبلطجية يتحرشون بالمرضي في وضح النهار.
في وحدة الغسيل الكلوي يرقد رأفت أحمد حسين كان يبكي بمرارة بعد مطالبته باحضار كيس دم اللازم لعملية الغسيل الكلوي تصل قيمته إلي 120 جنيهاً وهو لا يملك من حطام الدنيا شيئاً في كل مرة كان يضطر للاتصال باحد أقاربه للتبرع حتي يجري جلسة الغسل الكلوي في موعدها المحدد لكنه هذه المرة لم يجد من يتبرع له؟!
ورغم أن الامر داخل المستشفيات لا يرتبط فقط بالامكانيات بدليل سوء المعاملة التي يتعرض لها المرضي داخل المستشفيات العامة والحكومية والمراكز المتخصصة إلا أن مديري المستشفيات لهم رأي آخر.
يقول الدكتور شريف ناصح مدير عام مستشفيات جامعة القاهرة ان عدد الاسرة في مستشفيات الجامعة يصل إلي 5200 سرير ب 9 مستشفيات بالاضافة إلي 500 سرير بالعناية المركزة والباقي في أقسام الأنف والاذن والحنجرة والصدرية والتخدير ورعاية الاستقبال وهذا لا يكفي آلاف الحالات التي ترد للمستشفيات سنويا.
وأوضح ان ميزانية المستشفي لا تتعدي 160 مليون جنيه يعالج به اكثر من 2 مليون حالة وهذا بالطبع لا يكفي الجراحات الكبري التي تتكلف مبالغ هائلة حيث تعمل المستشفيات بكل طاقتها لتوفير الرعاية الكاملة في حدود المتاح خاصة ان قصر العيني يستقبل حالات من كافة انحاء الجمهورية.
بينما يري الدكتور فهيم رجب مدير مستشفي المنيل التخصصي التابع لجامعة القاهرة أن ما يعانيه المرضي والاطباء حالياً هو الانفلات الأمني الشديد والتعدي علي العاملين وسرقة الأجهزة والسطو المسلح.