لا يختلف اثنان على ان الشفافية تظل من اهم عناصر نجاح اي مشروع اقتصادي وانعدامها يكون السبب الاول وراء حتمية الانهيار لأي صرح اقتصادي عمد القائمون عليه الى تغييب الشفافية وتعويم الرقابة عليه.

وامثلة غياب الشفافية في عالمنا الاقتصادي عديدة، واقرب مثال عليها هو ما يعيشه العالم اليوم من تداعيات لاكبر ازمة مالية معاصرة عاش العالم وقائعها وتداعياتها منذ صيف العام الماضي واسفرت عن تهاوي الكثير من رموز النظام الاقتصادي الاميركي والاوروبي.

ورغم ان قلة من المحللين الماليين تنبأوا بوقوع الازمة المالية العالمية وحذروا منها، توقع البعض وقائعها وحجمها ربما عن طريق الصدفة وليس عن طريق تحليل مدروس للمعطيات القائمة، كما لعب غياب الرقابة الفاعلة دورا لا يستهان به في ازمة العالم المالية.

وعلى الصعيدين الاقليمي والمحلي الوضع لم يكن افضل ولم يكن استثناء، بل ربما يكون اسوأ، وفي هذا الشأن يقول احد الباحثين ان اشكال غياب الشفافية والرقابة الفاعلة محليا كثيرة ومتعددة ولا يمكن تجاهل دورها في كثير من الازمات التي عصفت بالاقتصاد، وامثلة ذلك عديدة ولا يمكن حصرها، اما اكثرها شيوعا فكانت ازمة المناخ، حيث اللاعب الرئيسي في ظهورها واستفحالها هو غياب الشفافية وافتقاد الرقابة الفاعلة، فراح المتجاوزون يتضاعفون والمخالفون يتسترون ويتخفون وراء غيــاب الادوات الرقابية الفاعلة.

واذا كـان ذلك هو الوضع بالامس القريب، فإنـه لا يختلف كثيرا عما هو قائم اليوم، والامثلة امامنا عديدة، وخير مثال على ذلك هو ما يحدث بين الفينة والاخرى في سوق الكويت للاوراق المالية من غياب للشفافية وتعطيل ، ربما عن عمد احيانا أو عن غير عمد احيانا اخرى. والسوق حافل بالامثلة المؤيدة لذلك، وكان آخرها تعامل السوق مع قضية احدى الشركات المدرجة التي تواجه محاكمة لمخالفات عليها في الخارج وحجم تأثرها دون الكشف عن ذلك لجموع المساهمين وحملة اسهم تلك الشركة.

وهذا على سبيــــل المثـــال لا الحصـــر، اذ يقول المصدر ان غياب الشفافية يخلق الصدمة ومن ثم تعيش الاوساط الاقتصـــادية في تبعات المفاجأة التي عادة ما يكون وقعها سيئا على المؤسسات الاقتصادية، واقرب مثال على ذلك غياب المعلومات الدقيقة والتفصيلية عن حجم تعثر العديد من شركاتنا الاستثمارية الى يومنا هذا، وبعد مرور اكثر من عام على اندلاع الازمة المالية العالمية.

واذا كانت الامثلة السيئة كثيرة، فإن هناك بعض التجارب المضيئة، وخير مثال على ذلك تجربة «جلوبل» مع ذاتها ومع مساهميها ودائنيها، حيث كشفت عن حجم تعثرها منذ اليوم الاول ورسمت خطا واضحا للخروج من عثرتها التي قادتها اليها تداعيات الازمة المالية العالمية، وليس غير ذلك، واستطاعت الوفاء بما التزمت به، حيث سددت 20 مليون دينار من ديونها في وقت استحقاقها وها هي شركة دار الاستثمار على الخطى نفسها تسير والشارع الاقتصادي ينتظر المزيد من الشفافية من القائمين على شركاتنا ومؤسساتنا الاقتصادية.

وتقول مصادر ان غياب الشفافية والتفعيل المتأخر للادوات الرقابية سينعكس بوضوح على زمن التعافي الذي سيستغرقه الاقتصاد الوطني، لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: الى متى سيطول غياب الشفافية عن شركاتنا ومؤسساتنا حتى لا نعيش وقع الصدمة والمفاجأة وتبعاتها السلبية؟

والى ان نتلقى جوابا، تبقى هناك ضرورة ملحة في استعجال اقرار قانون هيئة سوق المال والعمل به لتفعيل الشفافية وجعلها واقعا ملموسا تعيشه جميع الشركات المدرجة دون استثناء.